Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

إن التوصيف الذي قدّمه دونالد ترامب للصراع في نيجيريا باعتباره اضطهاداً دينياً أحادي الجانب يبرّر ضمناً التهديد بتدخل عسكري. خطاب ترامب هذا، يمثّل مثالاً نموذجياً على التلاعب السياسي والتبسيط الإعلامي. ففي تصريحه، يؤكد الرئيس الأميركي أنّ المسيحية في نيجيريا تواجه "تهديداً وجودياً"، فيتهم الحكومة النيجيرية بالسماح بالقتل المنهجي للمسيحيين

مانويل بينيدا

نقد للإسلاموفوبيا كأداة سياسية عالمياً

إن التوصيف الذي قدّمه دونالد ترامب للصراع في نيجيريا باعتباره اضطهاداً دينياً أحادي الجانب يبرّر ضمناً التهديد بتدخل عسكري. خطاب ترامب هذا، يمثّل مثالاً نموذجياً على التلاعب السياسي والتبسيط الإعلامي. ففي تصريحه، يؤكد الرئيس الأميركي أنّ المسيحية في نيجيريا تواجه "تهديداً وجودياً"، فيتهم الحكومة النيجيرية بالسماح بالقتل المنهجي للمسيحيين. وهو بذلك، لا يكتفي بتشويه الحقائق، بل يستخدم مأساة إنسانية بالغة التعقيد كعنصر في سردية جيوسياسية ثنائية، مصمَّمة لتقسيم العالم إلى "مسيحيين طيبين ومسلمين سيئين"، ولإحياء الهوس الإيديولوجي القديم بالإسلاموفوبيا بين قاعدته الانتخابية والإعلامية.

الواقع النيجيري بعيد كل البعد عن أن يُفسَّر بمصطلحات دينية محضة. فنيجيريا، التي يزيد عدد سكانها عن 220 مليون نسمة وتضم تنوعاً عرقياً ومذهبياً هائلاً، وتشهد منذ عقود عدداً من الصراعات التي تتشابك وتتغذّى بعضها من بعض. فإلى جانب التمرّد السلفي الذي تقوده جماعة بوكو حرام - المرتبطة بتنظيم داعش - وانشقاقها المعروف بـ"الدولة الإسلامية في ولاية غرب إفريقياهناك مواجهات بين رعاة بدو ــ ومعظمهم من الفولاني المسلمين ــ وبين مزارعين مستقرين ــ ومعظمهم من المسيحيين ــ يتنازعون على الأراضي ومصادر المياه التي تزداد ندرتها بفعل التغير المناخي والنمو السكاني. وفي موازاة ذلك، يعاني البلد من تصاعد ظاهرة قطاع الطرق المسلحين بدوافع اقتصادية جوهرية، والذين يهاجمون بشكل عشوائي مجتمعات من كل الأديان، إضافة إلى توترات انفصالية في الجنوب الشرقي ذي الغالبية المسيحية، حيث تعود إلى الظهور حركات استقلالية.

إن تقديم هذا التشابك من العوامل على أنه مجرد "اضطهاد للمسيحيين" ليس فقط أمراً غير نزيه فكرياً، بل هو خطير سياسياً. فالبيانات المتاحة تثبت أن ضحايا العنف في نيجيريا ينتمون إلى كل الطوائف الدينية. ورغم أن الهجمات على الكنائس والقرى المسيحية واقع خطير ولا يمكن إنكاره، فإن معظم ضحايا الجماعات المسلحة هم، في الحقيقة، مسلمون من شمال البلاد. فبوكو حرام، بشكل خاص، قتلت آلاف المسلمين الذين تعتبرهم غير مخلصين أو غير أتقياء بما يكفي. وتشير الأرقام التي جمعها برنامج "بيانات مواقع وأحداث النزاعات المسلحة" بين عامي 2020 و2025 إلى وقوع 385 هجوماً موجَّهاً ضد مسيحيين، أسفر عن 317 وفاة، و196 هجوماً ضد مسلمين، أسفر عن 417 وفاة. هذه الإحصاءات تدحض فكرة الإبادة الموجّهة حصرياً ضد ديانة واحدة، وتكشف نمطاً من العنف المبعثر حيث تتوزع الضحايا بشكل متساوٍ تقريباً بين مختلف الجماعات الدينية.

مع ذلك، فإن خطاب ترامب لا ينبثق من فراغ. فهو جزء من استراتيجية سياسية أوسع، محلياً ودولياً، تهدف إلى استغلال الخوف من الإسلام وتقديم نفسه كمدافع عن "حضارة مسيحية" مزعومة في خطر. وبهذا يتبنّى الرئيس سردية يروّج لها أكثر القطاعات الأميركية تطرفاً ويمينيةً، مثل السيناتور تيد كروز، الذي ضغط لشهور على وزارة الخارجية لتصنيف نيجيريا كـ"دولة مثار قلق خاص" بسبب انتهاكات مزعومة للحريات الدينية. وتقف وراء هذه المناورة جماعات ضغط دينية وإعلامية نافذة تسعى لفرض قراءة طائفية للصراعات الأفريقية، متجاهلة التقارير متعددة الأطراف والتحليلات الميدانية التي تصف واقعاً أكثر تعقيداً بكثير.

استخدام ترامب لمصطلح "تهديد وجودي" هو أيضاً خطوة محسوبة. فكما أشار المحلل النيجيري غيمبا كاكاندا، مستشار نائب الرئيس، فإن الرئيس يتجنب بحذر مصطلح "إبادة جماعية" ذي التعريف القانوني المحدد والذي يتطلب إثبات نية تدمير جماعة كلياً أو جزئياً. بدلاً من ذلك، يختار صيغة قوية عاطفياً لكنها مبهمة قانونياً، قادرة على إثارة الفزع وتحريك أنصاره دون أن يخضع خطابه لتدقيق صارم. وهكذا تصبح "الدفاع عن المسيحيين الأعزاء المضطهدين" مجرد أداة دعائية أخرى، مفيدة في تعزيز زعامته السياسية وإحياء منطق الصدام الحضاري الذي استخدمه مراراً في مسيرته.

أما التهديد بتدخل عسكري "سريع، شرس وحلو"، الذي أطلقه ترامب على شبكات التواصل، فيأخذ هذه المنطق إلى أقصى حدود الاستعراض. فجعل قضية دبلوماسية وإنسانية شديدة الحساسية مادة لخطاب انتخابي استعراضي يكشف احتقاراً تاماً للنتائج الواقعية لأي عمل عسكري على الأرض. فمثل هذا التدخل لن يكون كارثياً على المدنيين النيجيريين فحسب، بل سيزعزع استقرار منطقة الساحل بأكملها، حيث تنشط بالفعل جماعات مسلحة متعددة وشبكات تهريب عابرة للحدود. بالنسبة لترامب، الهدف ليس حل نزاع، بل تحقيق ضربة إعلامية فورية، والاستحواذ على الرواية، وتقديم نفسه كمنقذ لمسيحية مهدَّدة.

ولا يقتصر توظيف الخوف الديني هذا على الولايات المتحدة. بل هو جزء من هجوم إيديولوجي عالمي جعل من الإسلاموفوبيا مادة لاصقة جديدة لليمين المتطرف الدولي. ففي أوروبا، ترسخت هذه الاستراتيجية بعمق في مشاريع سياسية تجد في كراهية المسلمين محوراً للتعبئة والانسجام الداخلي. من مارين لوبان في فرنسا، التي جعلت من "الدفاع عن الهوية الفرنسية" تعبيراً ملطفاً للإقصاء الديني والعرقي، إلى اليمين المتطرف الهولندي الذي نما خطابه الإسلاموفوبي على أساس شيطنة منهجية للمجتمعات المهاجرة، النموذج واحد: صناعة الخوف لضبط المجتمعات.

وفي إسبانيا، يتجسّد هذا المنطق في خطاب حزب فوكس وتشكيلات صاعدة مثل "أليانسا كاتالانا" بقيادة سيلفيا أوريولس، التي تبني خطابها حول وصم الإسلام كتهديد "للهوية الوطنية". والأسوأ هو انزلاق الحزب الشعبي وحزب "خونتس"، اللذين - بدل وضع مسافة - يتبنيان بطريقة محسوبة جزءاً كبيراً من هذا الخطاب، بما يضفي الشرعية على المواقف العنصرية ويبيض صورة من يعيشون على خطاب الكراهية. يجب التذكير بأن هذه الأحزاب الإسلاموفوبية جميعها صهيونية بشدة، وبالتالي مؤيدة بلا تردد للنظام الإسرائيلي الإبادي. والنتيجة السياسية كارثية على مستويين: فمن جهة، تتمأسس العنصرية ونتطبع معها؛ ومن جهة أخرى، يُفرَّغ النقاش الاجتماعي من مضمونه الحقيقي، لتُستبدل المشكلات البنيوية — مثل الهشاشة، والسكن، وعدم المساواة — بالعدو المختلَق: "الآخر" المسلم.

إن انتقال الإسلاموفوبيا الأوروبية إلى السردية الأميركية، والعكس، يكشف أن الأمر لم يعد يتعلق بظواهر معزولة، بل بجبهة سياسية منسّقة. فترامب، ولوبان، وهايلدرز، وأوريولس، وأباسكال يشاركون، "مع اختلافات طفيفة"، في الخطاب نفسه في "الدفاع عن الحضارة" ضد تهديد متخيَّل. قوتهم لا تأتي من الحقيقة بل من الخوف؛ ووسيلتهم ليست التحليل بل التلاعب العاطفي والإعلامي. وفي هذا المعنى، تمثل الإسلاموفوبيا الشكل الجديد لشرعنة السلطوية الإقصائية في الغرب: عنصرية بلباس ثقافي، وحرب حضارية تستبدل النقاش السياسي بالكراهية الهوياتية.

أمام هذه الاتهامات، ردّت الحكومة النيجيرية بحزم وحكمة. فقد رفض الرئيس بولا أحمد تينوبو تصوير بلاده كمسرح لاضطهاد ديني، مؤكداً أن حرية العبادة والتعايش بين المجتمعات مبادئ تأسيسية للدولة النيجيرية. وفي تصريحات علنية، شددت حكومته على التزامها بحماية جميع المواطنين بالتساوي، سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين، وأطلقت هجوماً دبلوماسياً لمواجهة التضليل. وأصرت نيجيريا على أن تُبنى الانتقادات والمقترحات على الحقائق، لا على حملات الضغط الإيديولوجية ولا على حسابات انتخابية خارجية.

إن المشكلة الجوهرية ليست فقط زيف السردية، بل الأثر التدميري الذي تخلّفه مثل هذه الخطابات على الأرض. فعندما تعرّف شخصية مؤثرة مثل ترامب الصراع النيجيري بمصطلحات دينية، فهي تساهم في تأجيج التوترات بين المجتمعات، وتغذي عدم الثقة، وتقوي المواقف المتطرفة. وكما حذرت الأستاذة أولاجوموكي أندانديلي، فإن "القرع على طبول الإبادة يمكن أن يجعل الوضع أسوأ لأن الجميع سيكونون في حالة تأهب"، فتصوّر حرب دينية قد يتحول إلى نبوءة تحقق ذاتها، الأمر الذي يشجع العنف ويعقّد عمليات المصالحة. إضافة إلى ذلك، فإن استخدام الصراع كأداة مواجهة سياسية دولية يمكن أن ينسف الجهود متعددة الأطراف لتعزيز الأمن الإقليمي ومكافحة التطرف من خلال التنمية والتعاون، وليس بالقوة الغاشمة.

إن السردية التي يبنيها ترامب لا تصمد أمام الحقائق ولا أمام المبادئ الأساسية للدبلوماسية. فعندما يحوّل صراعاً معقداً، متشابكاً مع عوامل اجتماعية واقتصادية وتاريخية وعرقية وبيئية، إلى رواية تبسيطية عن اضطهاد ديني، فإنه يتصرف بقدر من عدم المسؤولية يتجاوز الخطأ التحليلي: إنه يساهم فعلياً في تفاقم المشكلة. فخطابه الحربي لا يتجاهل فقط معاناة الضحايا المسلمين، بل يستخف أيضاً بجهود المصالحة الداخلية ويهدّد بإشعال منطقة شديدة الهشاشة أصلاً.

أمام هذا التلاعب العالمي، المهمة العاجلة مزدوجة: فضح الإسلاموفوبيا باعتبارها شكلاً معاصراً من الاستعمار الإيديولوجي، وبناء بديل قائم على التعاون والعدالة والحقيقة. إن نيجيريا والساحل وأفريقيا كلها لا تحتاج إلى مواعظ مسيحانية ولا إلى حلول عسكرية استعراضية تصبّ الزيت على النار؛ بل تحتاج إلى دعم حقيقي لمعالجة الجذور البنيوية للعنف، وتعزيز تماسكها الاجتماعي، والتقدم نحو تنمية شاملة. وقبل كل شيء، تحتاج إلى المضي في عملية فك الاستعمار الحقيقي بما يضمن احتراماً فعلياً لسيادة شعوبها، كخطوة أساسية لتهدئة التوترات الداخلية المتجذرة في القارة كلها. أما أوروبا، فإن كانت لا تريد تكرار أسوأ أخطائها التاريخية، فعليها أن تتعلم كيفية نزع سموم الكراهية الهوياتية التي تنخر ديمقراطياتها اليوم. إن الدفاع عن الحقيقة في مواجهة التلاعب، وعن السلام في مواجهة الدعاية، هو في هذه الحالة عمل عدالة ومسؤولية دولية.

سياسي شيوعي إسباني من ائتلاف "اليسار المتحد"، انتُخب عضواً في البرلمان الأوروبي عام 2019. يشغل حالياً منصب رئيس دائرة العلاقات الدولية في الحزب الشيوعي الإسباني