Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

في أعقاب اتفاق وقف إطلاق النار، يجب أن يكون موقف التضامن الدولي واضحاً؛ ينبغي احترام القرار السيادي للشعب الفلسطيني ومنظماته. فهم يعرفون أكثر من أي أحد آخر ثمن كل دقيقة من الحرب. وفي الوقت نفسه، يجب أن يُترجم هذا الوقف لإطلاق النار إلى عمل إنساني فوري. من الضروري المطالبة بالفتح الدائم، وغير المحدود، وغير المشروط لممر إنساني

مانويل بينيدا

غزة: حكاية شعب منتصر

أكثر من مجرد وقف إطلاق نار، إنه إعادة تأكيد على الحياة

 

لم يكن إعلان وقف إطلاق النار في غزة، بالنسبة لشعبها، مجرد قبول لهدنة دبلوماسية. لقد كان انفجاراً من الفرح لشعب، بعد سنوات من الحصار الإبادي من قبل "إسرائيل"، يعيد تأكيد وجود ذاته. وبينما امتلأت الشوارع بالفلسطينيين الذين يحتفلون، شهد العالم حقيقة سياسية أساسية: في غزة، البقاء هو الانتصار. لم يكن هذا الاحتفال لتنازل من الجلاد، بل نزعاً لانتصار أخلاقي وسياسي تم صقله من خلال أعتى أشكال المقاومة. في هذا التحليل، سنجادل بأن وقف إطلاق النار يمثل هزيمة للمشروع الصهيوني الذي يهدف إلى محو فلسطين من الخريطة، وأن ثمة حاجة عاجلة لترجمة هذا الانتصار الأخلاقي إلى عمل دولي مستدام لإنهاء الاحتلال والفصل العنصري والإفلات من العقاب. ا

 

انتصار الوجود والمقاومة: الكرامة في مواجهة الإبادة

 

إن استمرار الشعب الفلسطيني هو الفعل النهائي للمقاومة. وفي مواجهة آلة حرب مصممة على التهجير والتدمير، فإن كل طفل يولد، وكل عائلة تتشبث بأنقاض منزلها، وكل علم يُرفع بين الركام، هو عمل من أعمال التحدي. لقد استخدم المخطط الإسرائيلي، الذي وصفته منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة نفسها بشكل مستمر بأنه نظام فصل عنصري، كل سلاح متاح لديه؛ من القنابل الفسفورية إلى الجوع والعطش، كأدوات حرب. ومع ذلك، كانت النتيجة عكس ما أُراد. فبدلاً من أن يتم إخضاعهم، أظهر الشعب الفلسطيني أن كرامته ومقاومته لا يمكن كسرهما. وقد تكون هذه المرحلة من الهجوم قد انتهت، لكنها ليست سوى توقف مؤقت في عدوان هيكلي مستمر. ومع ذلك، فإن لهذه الوقفة قيمة لا تُقدّر: إنها دليل حي على أن "إسرائيل" لم تتمكن من هزيمة إرادة شعب يرفض أن يختفي. ا

 

موت الأسطورة: انهيار السردية الصهيونية

 

إن الإبادة الجماعية في غزة — وهي الأولى من نوعها التي تُبث مباشرة من قبل الضحايا أنفسهم — قد كشفت للعالم الطبيعة الحقيقية لـ"إسرائيل". لقد انهارت السردية التي بُنيت لعقود من قبل وسائل الإعلام الغربية حول "إسرائيل الديمقراطية" تحت وطأة جرائمها ذاتها. وما تم كشفه عن "إسرائيل" اليوم، أنها في جوهرها كيان استعماري، إبادي، وإرهابي، مشروعه التأسيسي قائم على الإبادة الممنهجة للشعب الفلسطيني. ا

 

نعم، "إسرائيل" ليست ديمقراطية؛ إنها نظام فصل عنصري جعل من الجريمة شكلاً من أشكال الحكم، ومن العنصرية الاستعمارية أيديولوجيا له. لقد استُخدمت أكثر التقنيات تقدماً ليس من أجل التقدم، بل من أجل إتقان المجازر، واستخدمت الدعاية لتحويلها إلى مشهد استعراضي. ومع ذلك، فشلت تلك الاستراتيجية. لقد سقط القناع، ويشهد العالم اليوم الحقيقة بأسره. لقد ماتت "إسرائيل" كسردية أخلاقية وسياسية. وما تبقى هو آلة إجرامية مدعومة صناعياً بتواطؤ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذين يفضلان غض الطرف بدلاً من تعريض عقود السلاح أو التحالفات الاستراتيجية للخطر. ا

 

حكاية العقرب: الطبيعة الافتراسية للصهيونية

 

إن سلوك "إسرائيل" حتى اللحظة الأخيرة قبل وقف إطلاق النار يوضح طبيعتها الحقيقية. فقد استمرت في قصف المنازل والمستشفيات والمدارس حتى لحظة توقيع وقف إطلاق النار. هذا السلوك يعكس منطق حكاية العقرب؛ "لا أستطيع أن أساعد نفسي؛ هذه طبيعتي". إن الصهيونية تتصرف بغريزة افتراسية، حتى عند تعهدها بوقف إطلاق النار. ولهذا السبب يجب على المجتمع الدولي أن يظل يقظاً للغاية. فالتاريخ مليء بالهدن والاتفاقيات التي خرقتها "إسرائيل". لا يوجد حسن نية في بنية سلطة تتغذى على الحرب والإبادة. إن الثقة بكلامها من دون آليات تنفيذ حقيقية هو عمل من السذاجة لا يستطيع الشعب الفلسطيني تحمله. ا

 

السيادة والضرورة الإنسانية: الحق في تقرير المصير والحق في الحياة

 

في أعقاب اتفاق وقف إطلاق النار، يجب أن يكون موقف التضامن الدولي واضحاً؛ ينبغي احترام القرار السيادي للشعب الفلسطيني ومنظماته. فهم يعرفون أكثر من أي أحد آخر ثمن كل دقيقة من الحرب. وفي الوقت نفسه، يجب أن يُترجم هذا الوقف لإطلاق النار إلى عمل إنساني فوري. من الضروري المطالبة بالفتح الدائم، وغير المحدود، وغير المشروط لممر إنساني. لقد نجا الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لمدة عامين تحت حصار من العصور الوسطى، محروماً من الغذاء، والدواء، والماء، والوقود — التي استُخدمت عمداً كأسلحة حرب. ويجب أن تنتهي هذه الحالة. لا يمكن للمستعمرين أن يستمروا في منع المساعدات بينما تتظاهر الحكومة المحتلة بالالتزام. كل ساعة تأخير هي حكم بالموت. يجب أن تدخل المساعدات الآن، ومن دون شروط. ا

 

لا تتوقف التعبئة: من الانتصار الأخلاقي إلى الانتصار السياسي

 

إن انتصار الشعب الفلسطيني هو، قبل كل شيء، انتصار أخلاقي وسياسي. لكن إعلان وقف إطلاق النار لا يمكن أن يؤدي إلى شلل المواطنين العالميين. لقد كانت التعبئة الشعبية حول العالم تاريخية وغير مسبوقة، وأجبرت الحكومات والمؤسسات على اتخاذ مواقف. يجب أن نحافظ على الضغط واليقظة، لأن "إسرائيل" تنتهك باستمرار ما تم التوقيع عليه. ا

 

يجب أن تستمر التضامنات النشطة، وأن تطالب المجتمع الدولي بـ:ا

اتخاذ تدابير ملموسة لفرض تنفيذ الاتفاق. ا

قطع العلاقات الاقتصادية والعسكرية مع "إسرائيل"، وإلغاء اتفاقيات الشراكة التي تمول وتشرعن آلتها الحربية. ا

ضمان مثول المسؤولين عن هذه الإبادة الجماعية أمام المحكمة الجنائية الدولية. ا

 

لذا، لا يكفي الاحتفال بالهدنة، بل يجب تحويل النصر الأخلاقي إلى عدالة ملموسة. هذه هي الطريقة الوحيدة لضمان ألا "تفلت إسرائيل من العقاب" وأن تأخذ مكانها الذي خصصه لها التاريخ: نظام فصل عنصري وإبادي هُزم على يد كرامة شعب لا تُقهر. ا

 

الحياة مستمرة

 

لقد أظهرت المقاومة الفلسطينية أنه، في مواجهة أكثر محاولات الإبادة توثيقاً في القرن الحادي والعشرين، تظل الحياة مستمرة. في وجه الموت، يتمسك الفلسطينيون بالأرض، والذاكرة، والعدالة. وانتصارهم يضعنا جميعاً أمام تحدٍ: إما أن نكون في صف الجلادين، أو في صف الحياة. لا توجد حيادية في وجه الإبادة الجماعية. إن وقف إطلاق النار هو فصل في هذه المعركة الطويلة، لكنه يمثل نقطة تحول: لقد ماتت السردية الصهيونية، وحان الوقت لمضاعفة الجهود حتى يصبح السلام، والعدالة، وتقرير المصير لفلسطين حقيقة واقعة. والتعبئة الآن، أكثر من أي وقت مضى، واجب أخلاقي وسياسي. ا

 

سياسي شيوعي إسباني من ائتلاف "اليسار المتحد"، انتُخب عضواً في البرلمان الأوروبي عام 2019. يشغل حالياً منصب رئيس دائرة العلاقات الدولية في الحزب الشيوعي الإسباني