Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

تأسست بالانتير عام 2003 على يد بيتر ثيل، ألكس كارب، جو لونزديل، ستيفن كوهين. يُعد "ثيل" أحد أبرز الوجوه المرتبطة بما يُعرف بـ "مافيا باي بال"، وهي المجموعة الشهيرة من رواد الأعمال الذين انطلقوا من تجربة "باي بال" ليصبحوا لاحقاً من أكثر الشخصيات تأثيراً في وادي السيليكون. استندت فكرة الشركة في بداياتها إلى توظيف خوارزميات مكافحة الاحتيال التي طُوّرت داخل "باي بال"، لكن هذه المرة لأغراض مرتبطة بالأمن القومي الأميركي

هيئة التحرير

غزة ومشروع مانهاتن الخوارزمي

فجر السادس عشر من تموز عام 1945، اجتمع العلماء والمسؤولون الحكوميون في صحراء نيو مكسيكو ليشهدوا انفجاراً هائلاً أعمى السكان في محيط حوض تولاروزا. كان ذلك الاختبار، المعروف باسم "ترينيتي"، أول تجربة نووية في تاريخ البشرية، ووليدة جهود ضخمة بذلتها الولايات المتحدة ضمن مشروع مانهاتن خلال الحرب العالمية الثانية، حيث تعاون العلماء مع الجيش الأمريكي لتطوير أول قنبلة ذرية قبل أن تتمكن ألمانيا النازية من ذلك. لقد شكّلت تلك اللحظة نقطة تحول مفصلية، أطلقت العصر النووي وغيّرت موازين القوى العالمية حتى يومنا هذا. ا

وبعد مرور ثمانين عاماً على تلك التجربة يعرض أليكس كارب، الرئيس التنفيذي لشركة التكنولوجيا العسكرية "بالانتير"، في كتاب "الجمهورية التكنولوجية" الذي شارك في تأليفه، رؤيته قائلاً:"يجب على الولايات المتحدة وحلفاءها في الخارج أن يلتزموا دون تأخير بإطلاق "مشروع مانهاتن" جديد، ليس لتطوير سلاح نووي هذه المرة، بل للحفاظ على السيطرة الحصرية على أكثر أشكال الذكاء الاصطناعي تطوراً في ساحات القتال، من أنظمة الاستهداف إلى أسراب الطائرات المسيّرة والروبوتات التي ستصبح أقوى أسلحة هذا القرن". ا

في ظل عالم يزداد ارتهاناً للبيانات والذكاء الاصطناعي، تبرز بالانتير كشركة أمريكية مثيرة للجدل تختصر تحوّلاً تاريخياً في طبيعة الحرب والسلطة. لم تعد القوة اليوم تُقاس فقط بحجم الجيوش أو عدد القطع الحربية، بل بقدرة الدول والجيوش والشركات على تحليل البيانات الضخمة واستخلاص أنماط خفية منها. ا

تأسست بالانتير عام 2003 على يد بيتر ثيل، ألكس كارب، جو لونزديل، ستيفن كوهين. يُعد "ثيل" أحد أبرز الوجوه المرتبطة بما يُعرف بـ "مافيا باي بال"، وهي المجموعة الشهيرة من رواد الأعمال الذين انطلقوا من تجربة "باي بال" ليصبحوا لاحقاً من أكثر الشخصيات تأثيراً في وادي السيليكون. استندت فكرة الشركة في بداياتها إلى توظيف خوارزميات مكافحة الاحتيال التي طُوّرت داخل "باي بال"، لكن هذه المرة لأغراض مرتبطة بالأمن القومي الأميركي برزت بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001. وقد جاء التمويل الأول من وكالة الاستخبارات المركزيةعبر ذراعها الاستثماري "إن كيو تل"، وهو ما منح "بالانتير" شرعية مبكرة ورسّخ مكانتها كلاعب محوري في عالم الاستخبارات. بحلول 2008 كانت السي آي إيه والأف بي آي، والناسا من العملاء الأوائل للشركة. ا
حوّلت بالانتير تركيزها من الاعتماد الكبير على العقود الحكومية (نحو 80% قبل عشر سنوات) إلى مزيج أكثر توازناً، حيث بلغت نسبة الإيرادات الحكومية 55% في عام 2024. ولا تزال العقود مع الحكومة الأميركية أساسية، لكن الأعمال التجارية والدولية تنمو بشكل أسرع. ا

اكتسبت الشركة شهرتها بعد إدراج أسهمها في البورصة، بالتزامن مع تصاعد الاهتمام العالمي بالذكاء الاصطناعي خلال العامين الأخيرين. وقد أسهم هذا المناخ في مضاعفة أرباحها وارتفاع قيمة أسهمها بشكل ملحوظ. ا

استمدّت الشركة اسمها من عالم "لورد أوف ذا رينغس"، حيث ترمز كلمة بالانتير إلى "أحجار الرؤية" التي تكشف ما يخفى عبر الزمان والمكان. ويعكس هذا البعد الرمزي طموح الشركة في كشف الأنماط الخفية داخل بحرٍ من البيانات المبعثرة. ا

ترتكز الشركة في عملها على أربع منصات رئيسية: ا

ا-غوثام: مطوّر للاستخدام الحكومي والعسكري، ويُعدّ أداة أساسية في تتبّع الشبكات الإرهابية ورصد الأنشطة الإجرامية. ا

 ا-فاوندري: موجّه إلى القطاع التجاري لدمج البيانات الضخمة وتحليلها بفعالية. ا

 ا-أبولو: يوفّر إدارة البرمجيات ونشرها بسلاسة عبر بيئات تشغيل مختلفة. ا

 ا-منصّة الذكاء الاصطناعي ("آي أيه بي"): أحدث ابتكارات الشركة، وتسمح بدمج قدرات الذكاء الاصطناعي في التحليل وصنع القرار. ا
وتُعتمد هذه المنصات من جانب وزارات الدفاع وأجهزة الأمن، إضافةً إلى شركات ومؤسسات القطاع الخاص حول العالم. ا

يعمل كلٌّ من "غوثام" و"آي أيه بي" كطبقتين متكاملتين فوق بنية بيانات معقّدة. فالأولى تمسك الخيوط المبعثرة: تدمج قواعد بيانات متباعدة، تعالج الأسماء والهواتف والعناوين، ترسم الشبكات، وتكشف العلاقات الخفيّة بين الأشخاص والأماكن والأحداث. هكذا وُلد "غوثام" في مجتمع الاستخبارات بعد 11 أيلول، ليكون منصّة تصهر البيانات وتساعد الوكالات الأمنية على ربط المشتبهين بأنشطة "إرهابية". ا

فوق هذه الطبقة تأتي "آي أيه بي". هنا يدخل الذكاء اللغوي، إذ تتيح المنصّة التفاعل المباشر مع البيانات: تسأل بلغتك العادية "حدّد الأهداف ذات الأولوية خلال 48 ساعة" فترد باقتراحات وخطط تنفيذ، مع تشغيل مهام آلية قد تمرّ عبر "بوابات موافقة بشرية". بهذه الطريقة تتحوّل غرفة عمليات مزدحمة بالأدوات المتفرّقة إلى واجهة موحّدة سهلة الاستعمال. وقد أثبتت الاستخدامات الميدانية فعاليتها، من طائرات مسيّرة تراقب تحرّكات في أوكرانيا وتولّد استجابات أسرع، إلى مؤسسات مدنية تستفيد من بياناتها بشكل فعال مباشرة دون وسطاء تقنيين. ا

أما "أبولو" فيعمل في الخلفية كـ"آلة تحديث" تحافظ على استمرارية غوثام وفاوندري ونماذج الذكاء الاصطناعي على الحواسيب الميدانية والدبابات والسفن، ولو انقطع الاتصال. هذه الميزة التشغيلية منحت "بالانتير" فارقاً نوعياً في برامج الجيش الأميركي والفضاء، وأهلّتها لاعتمادات أمنية عالية المستوى. ا

أصبحت "غوثام" الخيار المفضّل للحكومات والجيوش لأنها تقدّم ثلاث وعود ملموسة: توحيد البيانات بسرعة، اختصار دورة التحليل إلى دقائق، وتوفير توصيات قابلة للتنفيذ ذات أثر فوري. الأمثلة كثيرة: ملاحقة المطلوبين عبر ربط رحلة سفر مشبوهة بتحويلات مالية واتصالات غير اعتيادية؛ حماية الحدود باستنتاج مسارات التهريب من صور الأقمار الصناعية؛ مكافحة الاحتيال في صناديق الدعم عبر كشف هويات وهمية. عسكرياً، تمنح وعياً ظرفياً لحظياً يدمج بثّ المسيّرات والرادارات وتقارير الدوريات، وتولّد "سلسلة قتل" مع تقدير للأضرار الجانبية، إضافة إلى لوجستيات ديناميكية تعيد رسم طرق الإمداد تحت القصف. ا

يمكن القول إن "غوثام" هو محرّك الدمج والتحليل الشبكي داخل الأجهزة، بينما"آي أيه بي" يمثّل طبقة الذكاء اللغوي والتنفيذي فوق هذا المحرّك، وتكمن قوة المنصّتين أيضاً في "أبولو" الذي يضمن استمرارية التحديث في أجهزة الاستعمال. ا

بالانتير تحولت سريعاً إلى وزارة ظلّ رقمية صارت الحكومات الاميركية تنظر إليها كسلاح جديد يمكن وصفه بمشروع منهاتن الخوارزمي وهو لا يقل خطورة عن الطائرات والصواريخ. ا

أوكرانيا: المسرح الأول للحرب الخوارزمية

برزت "بالانتير" في أوكرانيا كعمود رقمي للقرار الميداني. منذ الأسابيع الأولى من شهر شباط 2022 وفّرت الشركة منصّاتها للجيش الأوكراني والجهات المدنية. ثم تحوّل الدعم إلى شراكةٍ عملياتية تربط صور الأقمار الصناعية وبث المسيّرات وتتبع الإشارات وبلاغات الوحدات الأمامية في لوحة واحدة تُعالج جميع المعطيات وتعيد إسقاطها على ساحة المعركة. ا

مكّنت هذه المنظومة القادة من توجيه أوامر بلغة طبيعية مثل: "أعدّ قائمةً مُرتّبة بالأولوية لبطاريات المدفعية خلال 24 ساعة، وأعد توجيه الأقمار الصناعية/ المسيّرات لتأكيدها، ثمّ ولِّد الإحداثيات النهائية وخطط الاستهداف". بعدها تُنتَج الخطط مع"موافقة بشرية" قبل التنفيذ. ا

على الأرض، استُخدمت المنصّة في ثلاثة سيناريوهات رئيسية: ا

 ا1-تسريع دورة "الاكتشاف – التثبيت – الضرب" عبر دمج مشاهدات المسيّرات مع طبقات الاستخبارات الجغرافية لتثبيت أهداف مدفعية ومراكز قيادة متنقلة. ا

 ا2-إدارة اللوجستيات تحت النار بإعادة توجيه الإمداد والإخلاء وفق تغيّر الجسور والطرق المزروعة بالألغام. ا

 ا3-دعم الاستجابة المدنية من خلال لوحة تجمع أعطال البنية التحتية وتوزيع المستشفيات ومسارات الإجلاء. ا

اختارت "بالانتير" الوقوف مع كييف انطلاقاً من خطابها المؤسسي القائم على "الدفاع عن الديمقراطيات الغربية" واعتبار الحرب معركة فاصلة. كما مثّل الميدان الأوكراني مختبراً عملياً أثبت أن الجمع بين دمج البيانات العميق وواجهة تنفيذية لغوية يمنح القائد تفوقاً زمنياً على الخصم. والنتيجة التي يكررها القادة هناك: قرارات أسرع، صورة موقف أشمل، وتطابق أكبر بين الاستخبارات والنيران — أي تقليص "ضباب الحرب" وتحويل البيانات الخام إلى فعلٍ قابل للتنفيذ. ا

ألكس كارب نفسه تباهى بأن شركته تقف خلف "معظم عمليات الاستهداف" في أوكرانيا. لقد كانت الساحة اختباراً حياً أظهر كيف يمكن للخوارزميات أن تحوّل مفاصل أساسية من الحرب إلى عملية شبه آلية، وأن تدشّن فعلياً عصر الحرب الخوارزمية. ا

غزة: المختبر المفتوح. ا

في غزة، برزت "الحرب الخوارزمية" بأوضح صورها. فجرى توظيف منصّات دمج البيانات والاستدلال الخوارزمي لتوليد "قوائم أهداف" و"سلسلة قتل" على نطاقٍ واسع، مع رقابةٍ بشرية شكليّة في كثير من الأحيان، ما انعكس ارتفاعاً هائلاً في استهداف المساكن والبنى المدنية. كشفت صحيفة "+972" عن منظومة "لافندر" التي طوّرتها وحدات من الاستخبارات الإسرائيلية (ومنها 8200) لتجاوز "مشكلة نفاد بنك الأهداف": تصنّف السكان وفق سمات رقمية واحتمالات ارتباطهم بمقاتلين، وتقترح أسماءً وعناوين لضربها بسرعة؛ وأفاد ضباط بأن "مراجعة الهدف" لا تتجاوز الـ20 ثانية قبل الموافقة على القتل (مع سياسة تسمح بسقوف مرتفعة من "الأضرار الجانبية"، وبتتبّع إضافي عبر أداة "هويرز دادي؟" لضرب الأشخاص في منازلهم ليلاً، ما حول آلاف المدنيين — أغلبهم نساء وأطفال — إلى "أضرارٍ جانبية" تُحتسب آلياً). ا

تجدر الإشارة إلى أنّ استهداف العائلات والمنازل ليس عَرَضاً جانبياً، بل "نتيجة وظيفيّة" لمنطق أدوات الاستهداف؛ كلما ثبتَ الموقع وتكرر النمط زادت سهولة "تثبيت" الهدف ورفعت الخوارزميات يقينها. ليلاً، يجتمع في العنوان نفسه هاتف الشخص مع هواتف أفراد الأسرة وراوتر المنزل وأنماط استخدام متوقعة (شحن الهاتف، الالتحاق التلقائي بالواي فاي)، فتتراكم "البصمات الرقمية" في زمان/مكان واحد؛ عندها تصبح الخوارزمية أسرع وأجرأ، فيما يُختزل البشر إلى "نقاطٍ حرارية" على شاشة الاستهداف. ا

في كانون الثاني/يناير 2024، أعلنَت بالانتير أنّ مجلس إدارتها سيعقد اجتماعه الأوّل لذلك العام في تل أبيب "تضامناً مع إسرائيل"، ثمّ وُقّعت شراكةٌ استراتيجية مع وزارة الدفاع الإسرائيلية لتسخير تقنيّات بالانتير في دعم مهامّ مرتبطة بالحرب. ا

منذ ذلك الحين، تحدثت تقارير عن إتاحة أدوات ومنتجات جديدة لـ"إسرائيل" وطلب مرتفع عليها خلال الحرب. هذه التطورات تشي بتسارع رقمنة آلة الاستهداف بعد الزيارة، مع إبراز دور الشركة في توفير قدرات استهداف وتحليل عملياتي متقدّمة. والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن أن تندمج أدوات بالانتير في هذه المنظومة الاسرائيلية؟

الصورة التشغيلية المحتملة واضحة لمن يعرف منتجاتها: ا

-"غوثام" يعمل كطبقة صهر وتحليل شبكي داخل "غرف الهدف" الإسرائيلية — يَجمع سجلات الاتصالات والحركة والتموضع والاستطلاع الجوي والخرائط العقارية وملفاتٍ من أجهزة مختلفة (جيش/ استخبارات/ شرطة)، ويُجري حلّ الكيانات المتشابهة للأسماء والأرقام، ويرسم شبكات العلاقات والسلوك. من فوقه تأتي "آي أيه بي" لتقدّم واجهة أوامر لغوية لقادة الخلايا: "أعطني أهدافاً ذات أولوية منخفضة المخاطر على قواتنا خلال 24 ساعة"، أو "رتّب الأهداف السكنية بحسب درجة الاشتباه"، فتُعيد المنصّة مقترحاتٍ وخياراتٍ مع امكانية "موافقة بشرية". ا

بهذا التكامل، تصبح دورة "اكتشف – ثبّت – اضرب" أقصر بكثير؛ إذ تُلتقَط إشارة هاتف أو نمط تنقل، يُستَدلّ على صلة قرابة أو جيرة، تُقاطع مع بياناتٍ عقارية وصورية، ثم تُقذف التوصية نحو ضابطٍ عليه أن يمرّر أو يرفض في ثوانٍ، بينما تتراكم "قوائم القتل" بسرعة أكبر من قدرة التدقيق. هنا تبدأ سلسلة الاستهداف العشوائية للمدنيّين التيهي وليدة ذكاء اصطناعي منحاز الى مبرمجه ومصممه: الخوارزمية لا ترى ما وراء الإشارة الرقمية، ولا تعرف أن شقّةً فوق الهدف تأوي عائلة، ولا أن ساعة الضرب تزامنت مع عودة الأطفال إلى البيت. ا

 إن الرسالة القاسية التي تكشفها هذه الوقائع أنّ حياة الناس تُقاس بمعادلاتٍ و احتماليات، وأنّ الانسان في غزة يظهر للآلة العسكرية كبصمة حرارية قابلة للجمع والفرز، لا كإنسانٍ له اسم وبيت وموعدُ نومِ أطفال. إنّ إنكار الشركة لصلتها بمنظومة "لافندر" لا يُغيّر الواقع الميداني الذي وثّقته التحقيقات: منظومات الذكاء الاصطناعي وسلسلة القتل أصبحت عنصراً مركزياً في مسرحة الاستهداف على نطاقٍ واسع. وحين تُطبَّق هذه الوصفة في غزة، يصبح نقلها إلى مسارح أخرى (كجبهة لبنان) مسألة قرارٍ سياسي وتكييفٍ تقني. لذلك، لا يهمّ اسم البرنامج ما دامت البنية نفسها قائمة: بنيةٌ تسرّع الاستهداف وتوسّع التواطؤ بين الخوارزمية والقرار العسكري على حساب شعوب المنطقة، وحقها في الحياة. ا

وهكذا، لا تعود الخوارزمية محايدة. فهي تُبنى على بيانات اختيرت مسبقاً، وتُدرَّب على سيناريوهات محدّدة، وتُضبط بمعايير يضعها بشر لهم رؤى ومصالح وحدود إدراكية. وعندما تنتقل إلى يد السياسي أو العسكري، تتحوّل من أداة تقنية إلى جهاز سلطة وتُغَلف خياراتٍ أخلاقية وسياسية بغطاء "علمي". لذلك، تحمل الخوارزمية تحيّز مُبرمجها، ونوايا مُصمّمها، وأولويات الجهة التي تُشغّلها، ولا سيما في السياقات الأمنية حيث تُختزل كلفة الخطأ في أجساد الناس. ا

إنّ بالانتير ليست شركة برمجيات عادية؛ إنّها جزء من بنية الحرب الحديثة تُسرّع ما يمكن تسميته بـ"الاستعمار الرقمي"، حيث تُختزل السيادة إلى السيطرة على البيانات وتتحوّل حياة الأفراد إلى نقاط بيانات في نظام يقرّر مصيرها. وقد انطلق "مشروع مانهاتن الخوارزمي" فعلياً، وكانت غزة وأوكرانيا مختبره الأوضح. ا

وهكذا، فإن قصة بالانتير تختصر المأزق. شركات ترى نفسها حاميةً للديمقراطية لكنها عملياً تُعيد تعريف الحرب والسلطة عبر جمع البيانات وواجهات الذكاء الاصطناعي تُدخِل الخوارزميات إلى "حلقة القتل" ثم تُحيل المسؤولية إلى حكوماتٍ غربية. بالانتير تختصر المأزق، فنحن أمام شركة واحدة تسوّق "نظام تشغيل للحرب" وترى في نفسها حامية للديمقراطية. تختار زبائنها وفق انحياز سياسي معلن. تُدخل الذكاء الاصطناعي إلى "حلقة القتل" ثم تُشرعن قتل المدنيين باسم "خوارزمية". ا

إن ما حدث علناً في غزة و لبنان يمكن أن يتكرّر أينما توفّرت الإرادة السياسية والبنية التقنية. السؤال لم يَعُد "هل" بل "أين ومتى" ستُستَخدم هذه الخوارزميات مجدداً. ا

 

صحيفة الخندق