Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

لطالما اعتمدت وسائل الإعلام الغربية في الصراع العربي الإسرائيلي، وخصوصاً في فلسطين، رواية الاحتلال على حساب الفلسطينيين، وخصوصاً في الإعلام الأميركي

أحمد الصباهي

عن التحيز في الإعلام

لطالما اعتمدت وسائل الإعلام الغربية في الصراع العربي الإسرائيلي، وخصوصاً في فلسطين، رواية الاحتلال على حساب الفلسطينيين، وخصوصاً في الإعلام الأميركي.ا

 تقرير أعدَّه "فارس غانم" في معهد الجزيرة للإعلام باللغة الإنكليزية صدر في الخامس من مارس عام 2025، حول الإعلام الغربي وغزة، بين فيه أن المشهد الإعلامي الأميركي يمثل انعكاساً للتحيز السياسي، حيث تقول "آسال راد" العضو في جمعية الديمقراطية في العالم العربي، ومقرها أمريكا، أن التحيز "لإسرائيل" عبر الدعم الحزبي - الذي يتقاسمه كل من الديمقراطيين والجمهوريين يضمن دعمًا ثابتًا لها، بغض النظر عن أفعالها، مما ينعكس على الإعلام الأمريكي "بمرور الوقت، حيث أصبحت اللغة التي تستخدمها الإدارات الأمريكية مُعتادة في الخطاب السياسي، مُشكّلةً التصور العام ومؤثرةً على روايات وسائل الإعلام التي غالبًا ما تمر دون أي اعتراض".ا

كذلك أظهرت دراسةنشرها موقع "ميدل إيست آي" في الـ26 نوفمبر، عام 2024، للكاتب محمود المصري، تحت عنوان "كيف يفضل الإعلام الغربي إسرائيل على إنستغرام" عدد فيها المصري نماذج عديدة من التحيز الإسرائيلي، من خلال استخدام المصادر الإسرائيلية أضعاف مضاعفة على حساب المصادر الفلسطينية، فضلاً عن تصوير العنف الإسرائيلي على أنه دفاع عن النفس، بنسب مرتفعة جداً في المنشورات، مقابل نسب قليلة جداً للفلسطيني، مما يعني أن غالبية المنشورات عن "العنف" الفلسطيني غير مبررة، وهي عدوانية.ا

وبيَّن المصري، أن المنشورات في الإعلام الغربي تنتقد الفلسطينيين بنسبة 50%، بمقابل 19.5% للاحتلال الإسرائيلي، كذلك مصطلحات "مذبحة" و"مجزرة"  تستخدم بأضعاف مضاعفة في سياق "العنف" الفلسطيني، مقابل اضمحلال هذه المفردات في العنف الإسرائيلي، كذلك ينسحب الأمر على أرقام الضحايا باعتماد الأرقام الإسرائيلية، وغيرها كثير من صور الانحياز.ا

ولا يختلف كثيراً، ما نشره موقع "ذا إنترسبت"،عن الصحافة الأمريكية المكتوبة، عبردراسة تعدت 1000 مادة من صحف "نيويورك تايمز"، و"واشنطن بوست"، و"لوس أنجلوس تايمز"، حول العدوان على غزة. فقد كشفت الدراسة العديد من نماذج المصطلحات، التي استخدمت للتحيز الإسرائيلي، ومن الأمثلة على ذلك، استخدام كلمة "إسرائيل" أو "إسرائيلي" بشكل أكثف من كلمة "فلسطيني"، خصوصاً عند ذكر القتلى، واستخدام مصطلحات "مجزرة، مذبحة، مروعة" للإشارة إلى القتلى الإسرائيليين، واستخدامه بشكل أقل بكثير على الضحايا الفلسطينيين، وغيرها كثير من نماذج الانحياز.ا

إلا أنه بالمقابل، ظهرت في الآونة الأخيرة، الكثير من خبايا ما قامت وسائل الإعلام الغربية، من تحيز مفضوح، سواء عبر طرد الصحفيين المعترضين على تلك السياسات، أو عبر الكشف عن تلقي أوامر  مباشرة، من رؤساء التحرير، بالتحيز للاحتلال في السياسة التحريرية، أو عبر الاعتراض على منع عرض مواد لصالح غزة، ومن النماذج المهمة حول تلك القضية في الآونة الأخيرة، الرسالة المفتوحة التي أرسلها العاملون في هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) وذلك بعد إلغاء الهيئة بث فيلم عن أطباء غزة، ليعرض الفيلم لاحقاً نتيجة الضغوط التي أثارها العاملون.ا

كذلك ظهر ما نستطيع أن نطلق عليه "التفاتة" في بعض برامج الإعلام الغربي، في البرنامج الشهير للإعلامي البريطاني "بيرس مورغان" تجاه المجازر بحق الفلسطينيين، عبر مساءلة لم تكن متوفرة في السابق، لضيوفه الإسرائيليين من أمريكا والكيان،عن أسباب استمرار الحصار، وقتل الأطفال، لكن من دون إهمال قتلى الاحتلال "الضحايا"، واعتبار ما قامت به حماس مجزرة مروعة مدانة، من غير الاكتراث بل والإنكار للأسباب الموجبة لذلك.ا

كذلك ما قام به الإعلامي الأمريكي "تاكر كارلسون" من خلال مقابلته الشهيرة مع السيناتور الجمهوري تيد كروز، والتي تحولت إلى ما يشبه الفضيحة والسخرية، حول معلومات الأخير عن إيران، لكن الأهم قدرة كارلسون على إحراج ضيفه بين الولاء (لإسرائيل) على حساب المصالح الأمريكية التي يمثلها. ولم يتوقف عند هذا الحد، بل تصريحات كالرلسون الأخيرة ملفتة حول ولاء بعض العسكريين الأمريكيين لبلدين (إسرائيل وأميركا)، وأن هذا الأمر غير مقبول، أن يخدم جندي عسكري في بلدين.ا

هل نستطيع الرهان على أساطين الإعلام الغربي كـ " موغن، وكارلسون" لتغيير المشهد، هذا رهن بانضمام المزيد إلى هذه الشريحة، شريطة أن تسمح وسائل لإعلام الغربية لهؤلاء بالتصدر من غير قيود. إلى ذلك الحين سيستمر لإعلام الغربي، بسياساته المنحازة للكيان، وبالتالي، ما قام به البعض من تقديم استقالات، واعتراضات هي خطوة في المسار الصحيح لكن الطويل، وهي أشبه بنقطة في بحر الانحياز الإعلامي للإسرائيلي على حساب الفلسطيني. وكان من المفترض كما كنا نأمل، أن تتغير تلك النظرة، خصوصاً بعد صدور قرارات دولية لملاحقة نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت من محكمة الجنايات الدولية، والاتهامات الواضحة من الأمم المتحدة ومسؤوليها باستخدام الاحتلال التجويع كسلاح حرب، فضلاً عن المشاهد المؤلمة من أمام ما يسمى "مؤسسة غزة الإنسانية" التي يقتل فيها الفلسطيني كطريدة في مصيدة، للأسف بلا جدوى.ا

لكن يبدو في نهاية هذا النفق المظلم، ضوء خافت، يشير إلى بدايات،  لكسر نمطية السردية الإسرائيلية، وهذا تحقق عبر ثورة وسائل التواصل الاجتماعي، تحديداً للنشطاء في الدول الغربية، الذين يجوبون الشوارع في عطلة نهاية الأسبوع دعماً لغزة . وبحكم قدرتهم على الوصول إلى المسؤولين استطاعوا عبر وسائل التواصل، وبشكل مباشر، إحراج المسؤولين، وفضحهم في العديد من المناسبات الرسمية وصولاً إلى ملاحقتهم في المؤتمرات وحتى المطاعم، ونقل حقيقة ما يجري مع أهالي غزة إلى الرأي العام الغربي. وبالتالي نستطيع القول أن الإعلام الجديد، أو البديل الذي ينقل مواقف الناشطين وغيرهم من الممثلين والمغنيين، وكل شرائح المجتمع، كفيل بتغيير الصورة لصالح الفلسطينيين على الأقل لدى الجمهور الغربي، الذي بدوره مع الوقت سينظر إلى ما يتابعه في الإعلام الموجه على أقل تقدير بتشكيك كبير، وهذا ما نأمل أن ينعكس على الانتخابات ويصب لصالح الاقتراع لمناصرين للقضية الفلسطينية في البرلمانات الأوروبية، وإن كان هذا بعيداً في المسار الأميركي حتى الآن.ا

هذا يفترض على الإعلام الفلسطيني والعربي المنحاز للحق الفلسطيني ولقضيته، أن  يهتم بالترجمة إلى اللغات الأجنبية، وأن لا يترك هذه المهمة لمن هو مهتم بالغرب. ولقد تبين لي ذلك بعد مشاركتي في حلقة مع زملاء إعلاميين، في حلقة عبر الزووم عن الصحفي الفلسطيني في غزة والخارج، بتنظيم من المسار الثوري الفلسطيني البديل، حيث فوجئت من الأسئلة التي وجهت إلينا من الحاضرين ومعظمهم من الدول الغربية، الذين لا يتحدثون بالعربية، كيف نصل إلى المعلومات عن غزة باللغة الأجنبية.ا

هل يختصر حل المشكلة بترجمة بحتة ؟ بالطبع لا، إن المعنى الأساسي الذي يجب الدفع به، هو ليس فقط ترجمة واقعنا إلى لغة أجنبية، بل ترجمة تحطم نمطية السردية الإسرائيلية من خلال العودة الى تاريخ صراعنا، وتأصيل الفعل المقاوم للمحتل، بكافة أشكاله، ابتداء من الطفل الذي يلعب بالكرة في أزقة مخيم برج البراجنة كلاجىء في لبنان، وصولاً إلى المرأة التي تدخل مخيم جنين وطولكرم لتفقد منزلها المهدم، وليس آخراً المقاوم الذي يزرع قنبلة من مسافة صفر في غزة.ا

كاتب وإعلامي فلسطيني