Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

في حزيران/ يونيو الماضي صدر العدد التاسع من مجلة "إنسباير" التبعة لقاعدة اليمن. أشاد العدد بعملية الأمريكي إلياس رودريجيز وحرض على المزيد، لكن اللافت في نهاية العدد أن التنظيم قد هدد لأول مرة بهجمات واسعة تتجاوز الخطوط الحمراء

عبد الرحمن المصطفى

القاعدة بعد الطوفان

عندما نتكلم عن وضع تنظيم القاعدة بعد طوفان الأقصى، وعما يمكن أن  يفعله، وكيفية تفكيره، فليس علينا أن نراجع الدراسات الأمنية الغربية فقط، بل من الضروري أن نفهم القاعدة من القاعدة نفسها في ضوء ما تقوله عن نفسها في مواد مرئية ومكتوبة، وأن نتابع تحركاتها على الأرض في فروعها المختلفة بعيداً عن بروباجندا الإعلام العربي والغربي. فالقاعدة اليوم ليست هي نفسها قبل بضعة أعوام لناحية طريقة تعاملها وإدارتها لصراعاتها الإقليمية والعالمية.

ولكي نفهم ما يفكر فيه التنظيم ينبغي أن نعود لفترة الثورات العربية، وبشكل أكثر خصوصية، ينبغي أن نعود إلى الأقاليم/ الدول التي نشط فيها التنظيم اثناء الثورات – وبعدها - سواء بشكل رسمي كما في العراق وسوريا واليمن، أم بشكل غير رسمي كما في ليبيا وتونس عبر  جماعة أنصار الشريعة الدعوية. ويمكن القول أن القاعدة فشلت في توظيف الثورات لصالحها حتى مع اندامجها مع مكونات محلية على الأرض، وذلك يعود باختصار شديد لسببين؛ الأول بسبب الضغط العسكري الأمريكي والعربي الرسمي، والآخر يعود إلى تمرّد فرعها في العراق عام 2013، وبعده بأربع سنين تمرد فرعها في سوريا، ولست بوارد الاستفاضة في شرح أسباب الفشل فذاك أمر يحتاج لعدد من المقالات لبيانه. لكن ما بات واضحاً اليوم، أن القاعدة صارت أكثر حذراً في اعتماد فروعها، وفي تمددها على الأرض، في الصراعات العربية الداخلية ولعل ذلك يعود في أحد أسبابه إلى طوفان الأقصى.

يجدر الإشارة أن تنظيم القاعدة دعم بقوة طوفان الأقصى وامتدح حركة حماس على مبادرتها، بل وصف 7 أكتوبر بـ"11 سبتمبر الثانية" (مع الإشارة إلى أن 11 سبتمبر الثالثة قادمة لا محالة بحسب بيانات القاعدة نفسها). فكيف يفاضل التنظيم في ظل وضع متضاد المصالح بين فروعه، وفي ظل تباين في قوة فروع التنظيم، وهل بمقدرة فرع جزيرة العرب المخول بالعمل الخارجي عمل هجمات ضخمة كما يهدد.

يمتلك تنظيم القاعدة أربع فروع رئيسية (فرعان في أفريقيا، وواحد في شبه القارة الهندية، وآخر في اليمن)، يتفرع من كل منها جماعة أو جماعات محلية، أو إقليمية، منتشرة في عدة بلدان بحسب واقع كل منها. ففرعا أفريقيا الشرقي والغربي، منغمسان في واقع محلي وإقليمي وكلاهما على وشك السيطرة على مدن وعواصم دول مثل الصومال وبوركينا فاسو. هذا الواقع، يصعب عليهما الانغماس في عمل خارجي ضخم من منطلق براجماتي، لكن السؤال هل سيحافظ التنظيم على روابطه التنظيمية الرسمية مع تلك الفروع لتجنب تداعيات عمل خارجي ضخم ؟.

هذا سؤال من الصعب الإجابة عليه، خاصة بعد مناورة جبهة النصرة في وجه قيادة القاعدة، ومع فك ارتباطها التنظيمي عنها بخلاف ما كان متفقاً عليه من إنه مجرد إعلان شكلي/رسمي. ومع ذلك، من الصعب المقارنة بين حال فروع التنظيم في أفريقيا مع حال جبهة النصرة. إذ أعلن أحد الفروع الإقليمية في الساحل الإفريقي (موريتانيا وبوركينافاسو ومالي والنيجر) مبايعته الرسمية للتنظيم بشكل متزامن تقريباً مع فك جبهة النصرة روابطها التنظيمية في كانون الثاني/ يناير 2017. وبحسب الأدبيات المعلنة لهذا الفرع، فإن روابطه التنظيمية والفكرية أكثر رسوخاً، وهو ما ينطبق على فرع القرن الأفريقي أيضاً، المنغمس في مفاوضات مع الأميركان (بحسب الكثير من التسريبات) في الوقت يسيطر فيه على مدن وبلدات رئيسية. الأمر أشبه نسبياً بحال طالبان قبيل تحرير كابول وأفغانستان من قوات الناتو.

وفي ما يخص فرع شبه القارة الهندية، والذي يشمل نطاق عمله عدة بلدان. فيمتلك التنظيم هناك غطاءً سياسياً واسعاً من طالبان باكستان وغيرها من التنظيمات المحلية، لذا، لا يحتاج التنظيم إلى إي فك ارتباط ولو شكلي. الأمر مختلف ها هنا، عما هو الحال عليه في اليمن. ففي اليمن، تأثر التنظيم كثيراً بفعل حملة القصف التي استهدفت قيادات الصف الأول فيه، بعد أن شنت واشنطن وبالتعاون مع التحالف العربي، حملة ضده بالتوازي مع حملتها ضد داعش في العراق وسوريا، ففضل التنظيم الانسحاب من المدن ليجنبها التدمير، وانزوى في أودية وعرة في أبين وشبوة ومأرب بعد أن كان يسيطر على مدن وبلدات واسعة في الجنوب والوسط، وهو اليوم في حالة ضعف. وإن ظل السؤال مراوحاً: هل سيقدر التنظيم على تدبير عمل خارجي ضخم؟

في حزيران/ يونيو الماضي صدر العدد التاسع من مجلة "إنسباير" التبعة لقاعدة اليمن (المختصة بالتحريض على الأعمال الفردية في المدن الغربية، والتي تقدم النصائح والإرشادات للقيام بهكذا عمليات). أشاد العدد بعملية الأمريكي إلياس رودريجيز وحرض على المزيد، لكن اللافت في نهاية العدد أن التنظيم قد هدد لأول مرة بهجمات واسعة تتجاوز الخطوط الحمراء تدوي وسط امريكا والغرب. وفي نفس الشهر صدرت كلمة مرئية لأمير قاعدة اليمن، سعد بن عاطف العولقي، تطرق فيها لغزة. وكان اللافت في الكلمة الوصايا التي أوصى بها القبائل والعشائر في الخليج والعراق وبلاد الشام، بالاستعداد لنزول الأمريكا، وحمل السلاح والتدرب عليه استعدادا "لليوم المحتوم". هذه الوصايا لا تحمل تهديداً مباشراً بقدر ما جاءت معطوفة على رسالة سيف العدل، الأمير غير المعلن للقاعدة، من بعد مقتل الشيخ أيمن الظواهري. فقد أصدرت القاعدة رسالة له العام الماضي توعد فيها بهجمات واسعة في قلب المدن الأمريكية، محذراً من أن الرد سيكون بالمثل بعد الإبادة التي تحصل في غزة، وألمح إلى محاولة جر أمريكا للحرب في بلد أو بلدين. ليس من الواضح قدرة فرع اليمن على تنفيذ هجمات خارجية واسعة، وهل ما إذا كان الوحيد المخول بتنفيذ الأعمال الخارجية، لكن الأكيد أن تهديات القيادة العامة للقاعدة متواترة وجدية وسقفها عالٍ، بل إن سيف العدل في كتاب له قبل طوفان الأقصى أشار إلى أن العمليات النوعية في الغرب ينبغي أن تكون ضمن سلسلة متتابعة لتحدث أثراً كبيراً على الساسة والشعوب الغربية.

]يُتبع[

كاتب مصري، متخصص في شؤون الحركات الإسلامية