وسط زحمة الحضور والهتافات المؤيدة بالقبضات، صعد على منبر جمعة أهل السنة والجماعة في كشمير إمام جمعة بعمامة سوداء قائلاً 'نحن جئنا لنقول أن طريق النصر هو القرآن'". كانت هذه هي الزيارة الأولى لإمام جمعة طهران السيد علي الخامنئي إلى كشمير عام 1980."
كشمير: في قلب آسيا والثورة
وسط زحمة الحضور والهتافات المؤيدة بالقبضات، صعد على منبر جمعة أهل السنة والجماعة في كشمير إمام جمعة بعمامة سوداء قائلاً "نحن جئنا لنقول أن طريق النصر هو القرآن". كانت هذه هي الزيارة الأولى لإمام جمعة طهران السيد علي الخامنئي إلى كشمير عام 1980. لا يُذكر الكثير عن تفاصيل تلك الزيارة التي احتشد الناس فيها استقبالاً لموفد الثورة الإسلامية دون أي اعتبار طائفي ومذهبي!. كما تغيب الكثير من دلالاتها، ليس أقلها، تزامن الزيارة مع بدء العملية العسكرية العراقية على ايران والتي أدت في أيامها الأولى إلى خسائر ميدانية وبشرية كبيرة في الجبهة الإيرانية.
ثمة ما يمكن ملاحظته بشكل خاص في المسألة الكشميرية؛ إنه تأثير الثورة الاسلامية بالشعب الباكستاني - الكشميري بمختلف انتماءاته، والتي عبر عنها "اشفاق مجيد واني" قائد "جبهة تحرير جامو وكشمير" في غير مرة في ثنايا كلامه. "لقد تركت الثورة الاسلامية (الإيرانية) أثراً بالغاً في شخصيتي" يقول مجيد واني. وهو ما يمكن لحاظه حتى اليوم. ولمكانة الثورة الإسلامية الإيرانية الخاصة عوامل واسباب مختلفة، منها:
العوامل التاريخية:
1- بين الأمة الايرانية والكشميرية تاريخ قديم وعريق عبر الزمن، وقد لعب السيد علي الهمداني (القرن الرابع عشر ميلادي) دوراً محورياً في توطيد هذه العلاقة. طبعاً الكلام قبل انتشار الفكرة القومية وصيرورتها كحد فاصل بين الشعوب. فقد قام السيد علي بثلاث زيارات منفصلة إلى كشمير بغية تبليغ الدين الإسلامي الذي كان قد دخل لتلك البلاد على يد بلبل شاه. ربطت علاقة وطيدة بين السيد علي وكشمير، حيث عمل فيها جاهداً وألف الكثير من الكتب في زياراته. في الزيارة الثانية التي قام بها، قدِم السيد مع 700 عالم آخرين للتبليغ. كانوا من اختصاصات وفروع متنوعة، كالعرفان والكلام والتفسير وحتى الفن. وهذا ما أدى إلى تهيئة جيل متكامل من طلاب العلوم الدينية والمثقفين، بالإضافة إلى بناء أرضية متينة للعمل التبليغي. هؤلاء العلماء الذين استوطنوا كشمير كانوا زملاء السيد علي ومن أهل إيران، الأمر الذي أفضى إلى تعزيز الثقافة الفارسية في نفوس الكشميرين، حتى وصلت الامور إلى مرحلة باتت اللغة الفارسية لغة المثقفين وأهل العلم، ما خلق تقارباً نفسياً بين ثقافتين مختلفتين. والسيد علي الهمداني لازال حاضراً إلى اليوم وبقوة في الذاكرة الكشميرية، ويعتبر أحد أبرز العلماء من أصحاب الفضل في تلك الأرض، حتى أن الكشميريين كانوا قد وضعوا له ألقاباً كثيرة مثل الأمير الكبير والشاه الهمداني وعلي الثاني!. اليوم وبعد دخول الجو المذهبي صار كل مذهب ينسب السيد إلى جهته! (مع الاتفاق على أنه كان محباً لآل بيت رسول الله). صحيح أن الغزوات الفارسية على كشمير تكررت في أوقات مختلفة، إلا أنها لم تفسد ما أسسه وبناه السيد علي الهمداني في رحلته الكشميرية.
2- بالاضافة إلى ذلك كانت هناك رابطة قوية جعلت الامام الخميني واحداً من الشعب الكشميري، وهي السلالة النسبية التي يرجع إليها الإمام. فأجداده كانوا قد مكثوا لمدة في بلاد الهند، وهي التهمة التي حاول الشاه محمد رضا بهلوي الإضاءة عليها طيلة فترة قيام الثورة ضده بتعويم هذه "التهمة". وهو ما خلق رابطاً بين أهل كشمير والإمام. لذلك كثيراً ما دعى علماء كشمير الامام الخميني إلى الإقامة في كشمير خاصة بعد نفيه. (في إحدى الرسائل الموجهة للإمام يدعوه فيه صاحب الدعوة للسكن قرب قبور الأجداد!). لقد عززت هذه الرابطة الأثر الذي خلقته الثورة الاسلامية، ومن دون تفريق بين مختلف فئات المجتمع الكشميري.
العوامل السياسية:
3- الروح الاسلامية الثورية الحاضرة لأهل كشمير، فكشمير في القرن 19 انتهى فيها الحكم الإسلامي وصارت تابعة للتاج الملكي البريطاني. وقد حاولت بريطانيا عام 1857 إدخال كشمير تحت السلطة الهند البريطانية المباشرة، إلا أن الوحدة بين المسلمين والهندوس حالت دون ذلك، وهو الخطر الذي أدركه البريطانيون سريعاً وعملوا على إثره لبث النزاع والتفرقة بين سكان المناطق، ما تجلى في حرمان المسلمين من المناصب الأساسية في الحكومات، ووضع العراقيل أمام تجارهم بالإضافة إلى اعتماد سياسة التجهيل ونشر الأمية، وهو ما أدى إلى فقدان المسلمين لأكثر من 90% من أراضيهم. كل هذا دفع المسلمين بكافة انتماءاتهم للتوحد تحت راية حماية واسترجاع حقوق المسلمين المهدورة بكشمير بعد الانسحاب البريطاني من الهند، وبالتالي إحياء الروح الإسلامية بشكل واسع.
في هذا السياق أتت الثورة الاسلامية في إيران بشعارات نصرة المستضعفين والمظلومين، وكانت القضية الكشميرية إحدى أهم القضايا التي ترددت في خطابات الثورة، لذلك لاقت الثورة صداً سريعاً وكبيراً في تلك الجغرافيا، مُعززاً بالتواصل الثقافي التقليدي الموجود أصلاً.
4- خطابات قائد الثورة الإسلامية في إيران التي ما انفكت تشير إلى القضية الكشميرية وحقوق الشعب المسلم المضطهد، ومن اللافت الربط الذي كان الامام الخميني يشير اليه في خطاباته على الدوام بين مظلوميتين؛ مظلومية الشعب الفلسطيني ومظلومية الشعب الكشميري. في إحدى خطاباته في مسجد الشيخ الأنصاري بالنجف يوجه الإمام لوماً شديد اللهجة إلى الحكام المسلمين ويحملهم مسؤولية الظلم الواقع على الشعب الكشميري والفلسطيني!. وكانت كل هذه الخطابات تجد لها طريقاً سريعاً إلى الكشميرين.
لقد كان لهذه الأسباب دوراً أساسياً في حضور الثورة الاسلامية في وجدان ووعي الشعب الكشميري. ولأن الحفاظ على شعلة الثورة مضاءة في النفوس أصعب من إشعالها، كان لابد لخطاب الثورة أن يدخل كل مفاصل الحياة؛ من التعليم، إلى الثقافة، إلى نبذ العصبية القبلية والعائلية، ورفض الخطاب والمنطق المذهبي مع دخول التيارات التكفيرية الممولة سعودياً. لذلك ورغم كل الاخبار عن الفتنة والانشقاق لايزال خطاب الثورة حاضرة بصرخات الامام الخميني، ولا تزال كشمير صدى الثورة في قلب آسيا.
Related Posts
كاتب لبناني