Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

نعيد في الخندق نشر هذا التقرير المهم. والذي يقارب عمره سبعة وعشرين عاماً. وتكمن أهميته في الجهة التي أعدت هذا التقرير؛ أي "مؤسسة الدراسات الاستراتيجية والسياسية المتقدمة الأميركية"، وفي المجموعة التي عملت عليه في المؤسسة، والتي تضم كلاً من: ريتشارد بيرل: مسؤول مجموعة الدراسة، ونائب وزير الدفاع الأميركي في إدارة رونالد ريغان. جايمس كولبرت، من المعهد اليهودي لدراسات الأمن القومي. تشارلز إتش فيربانكس: مدير معهد آسيا الوسطى والقوقاز في كلية الدراسات الدولية المتقدمة

هيئة التحرير

استراتيجيا "إسرائيل" في ظل حكم نتنياهو

نعيد في الخندق نشر هذا التقرير المهم. والذي يقارب عمره سبعة وعشرين عاماً. وتكمن أهميته في الجهة التي أعدت هذا التقرير؛ أي "مؤسسة الدراسات الاستراتيجية والسياسية المتقدمة الأميركية"، وفي المجموعة التي عملت عليه في المؤسسة، والتي تضم كلاً من: ريتشارد بيرل: مسؤول مجموعة الدراسة، ونائب وزير الدفاع الأميركي في إدارة رونالد ريغان. جايمس كولبرت، من المعهد اليهودي لدراسات الأمن القومي. تشارلز إتش فيربانكس: مدير معهد آسيا الوسطى والقوقاز في كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جون هوبكنز. دوغلاس فايث: وكيل وزارة الدفاع الأمريكية (2001 – 2005). روبرت لوينبيرغ: مؤسس معهد الدراسات الاستراتيجية والسياسية. ديفيد ورمسر: مستشار الشرق الأوسط لنائب الرئيس الأمريكي الأسبق ديك تشيني. ميراف ورمسر: زميلة سابقة في مركز الأبحاث الأميركي في معهد هدسون.

وهؤلاء جميعهم سيتحولون إلى مشاركين ومؤثرين أساسيين في إدارة الرئيس جورج دبليو بوش. وهو تقرير قُدم في العام 1996 لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو المنتخب حديثاً آنذاك كاقتراحات لاستراتيجيا إسرائيلية جديدة.

بإمكاننا، من خلال هذا التقرير، تلمّس أثر توصياته في عموم السياسة الإسرائيلية فترة نتنياهو، منذ عام 1997 إلى اليوم. وتكمن أهمية هذا التقرير، في فهم العلاقة البنيوية بين النظام الأردني و"إسرائيل"، كما وفهم السياسات الإسرائيلية تجاه سوريا والمقاومة، وتطلعات نتنياهو الداخلية والخارجية؛ إن كان لناحية خصخصة الاقتصاد الإسرائيلي و"استبدال" أوسلو، أو لناحية الاستقلال عن الولايات المتحدة، والانفراد بسياسات تعيد المركزية لدور "إسرائيل" كقلعة غربية متقدمة في منطقتنا.  وقد أتى التقرير تحت عنوان "تغيير جذري: استراتيجيا جديدة لضمان أمن المملكة"، وفي التالي نعرض لأهم ما جاء في التقرير.

***

تعاني "إسرائيل" مشكلة كبرى. فالصهيونية العالمية التي سيطرت لسبعين عاماً على الحركة الصهيونية أنتجت اقتصاداً منهاراً ومقيّداً. أما جهود إنقاذ مؤسسات "إسرائيل" الإشتراكية - التي تتضمن السعي للسيادة التي تتخطى الحدود القومية والسعي لعملية سلام تتبنى شعار "شرق أوسط جديد"- فانها تقوّض شرعية الأمة وتؤدي بإسرائيل إلى شلل استراتيجي والى "عملية سلام" التي عملت عليها الحكومة السابقة، إذ إن عملية السلام هذه قد أخفت واقع تآكل الكتلة القومية (اليهودية) الأساسية - واحساساً ملموساً بالاستنزاف القومي - واهملت المبادرة الاستراتيجية. وبرزت خسارة الجمهور القومي الأساسي هذه على نحو واضح عبر الجهود الإسرائيلية لحمل الولايات المتحدة على الترويج لسياسات غير شعبية داخلياً والموافقة على مناقشة السيادة حول عاصمة "إسرائيل" والاستجابة بإذعان لموجة من الإرهاب القوي والمأسوي، الى درجة أنها أثنت الإسرائيليين عن القيام بوظائفهم اليومية الطبيعية كركوب الباصات للتوجه إلى العمل.

من هنا، تأتي حكومة بنيامين نتنياهو بمجموعة جديدة من الأفكار. فبينما ثمة من سينصح باستمرارية السياسات القديمة، تملك "إسرائيل" فرصة إحداث "تغيير جذري" وتستطيع صوغ عملية سلام واستراتيجيا ترتكزان على "أساس فكري جديد" بالكامل؛ أساس سيعيد المبادرة الاستراتيجية ويفسح المجال أمام الأمة لبذل كل طاقة ممكنة في إعادة بناء الصهيونية، على أن تكون نقطة الانطلاق هي الإصلاح الاقتصادي. ولضمان أمن شوارع الأمة وحدودها في المستقبل القريب، تستطيع اسرائيل:

1- العمل الوثيق مع تركيا والأردن لاحتواء بعض أكثر التهديدات خطراً عليها وزعزعتها وصدها. ويعني هذا تخلياً جذرياً عن شعار "السلام الشامل" واستبداله بمفهوم استراتيجي يرتكز على إدارة توازن القوى.

2- تغيير طبيعة علاقات "إسرائيل" مع الفلسطينيين، بما فيها دعم "الحق بمطاردة حامية" دفاعاً عن النفس داخل الأراضي الفلسطينية كلها وتعزيز بدائل عن ياسر عرفات، وقبضته الحصرية على المجتمع الفلسطيني.

3- إرساء قاعدة جديدة للعلاقات مع الولايات المتحدة، تشدد على الاعتماد الذاتي والنضج والتعاون الاستراتيجي في مجالات الاهتمام المتبادل، وتعزيز القيم المتأصلة في الغرب داخل المجتمع الإسرائيلي. ولا يحصل هذا إلا إذا اتخذت "إسرائيل" خطوات جدية لوضع حد للمساعدة التي تعوّق الإصلاح الاقتصادي.

لقد كُتب هذا التقرير كنص يسلط الضوء على التغيير الجذري الذي ينبغي على حكومات نتنياهو القيام به. ونعرض لأهم بنوده وفقراته في ما يلي:

 

مقاربة جديدة للسلام

إن رئيس الوزراء الجديد (بنيامين نتنياهو) مُلزم باعتماد منظار جديد وشجاع حول السلام والأمن في وقت مبكر. وفيما قد تؤكد الحكومة السابقة وكثيرون في الخارج على مبدأ "الأرض مقابل السلام" - الذي وضع "إسرائيل" في موقع تراجع ثقافي واقتصادي وسياسي ودبلوماسي وعسكري- تستطيع الحكومة الجديدة تشجيع القيم والتقاليد الغربية. تتضمن مبادرة مماثلة، سيحسن استقبالها في الولايات المتحدة، تحت عنوان "السلام للسلام" أو "السلام عبر القوة" والاعتماد على الذات، نقطة القوة التي يمكن أن توازن العلاقة بين الولايات المتحدة والإسرائيليين. 

فلقد سعينا منذ أربع سنوات إلى السلام المرتكز على "شرق أوسط جديد". ونحن في "إسرائيل" لا نستطيع أن نؤدي دور الأبرياء في الخارج في عالم ليس بريئاً. يعتمد السلام على طباع خصومنا وسلوكهم. ونحن نعيش في محيط خطير مع دول هشة ومنافسات عنيفة. أما إظهار التناقض الأخلاقي بين الجهد لبناء دولة يهودية والرغبة في إبطالها عبر مبادلة "الأرض مقابل السلام"، فلن يضمن "السلام الآن". إن مطالبتنا بالأرض- التي علقنا آمالنا عليها منذ ألفي سنة- شرعية ونبيلة. فليس ضمن نطاق "قوتنا الخاصة"، مهما قدمنا من تنازلات، أن "نقوم بالسلام بشكل أحادي". فوحده قبول العرب غير المشروط بحقوقنا، وبالخصوص في بُعدها الأرضي سيشكل قاعدة صلبة للمستقبل.

تنبثق مطالبة "إسرائيل" بالسلام من سعيها إلى تحقيق مثُلها العليا، من غير أن تحل محلها. فعطش الشعب اليهودي لحقوق الإنسان - المنصهر داخل هويته بفعل حلم عمره ألفا عام للعيش بحرية على أرضه الخاصة - يلهم مفهوم السلام ويعكس استمراريةً في القيم مع التقاليد الغربية واليهودية. تستطيع "إسرائيل" الآن تبنّي المفاوضات لكن كـ"وسيلة" لا كـ"هدف"، للسعي وراء المثل العليا تلك وإظهار الثبات الوطني. وتستطيع تحدي الدول البوليسية; وفرض الإذعان للاتفاقات; والإصرار على معايير دنيا للمحاسبة.

 

ضمان أمن الحدود الشمالية

تتحدى سوريا "إسرائيل" على الأرض اللبنانية. وقد تقضي مقاربة فاعلة يستطيع الأميركيون التعاطف معها، بأن تستأثر "إسرائيل" بالمبادرة الاستراتيجية على طول حدودها الشمالية في مواجهة حزب الله وسوريا وإيران باعتبارهم العوامل الأساسية للعدوان على "إسرائيل" في لبنان، وهي تشمل:

- ضرب البنى التحتية لأموال رجالات أعمال في لبنان عائدة إلى سوريا.

- إرساء سابقة أن الأراضي السورية ليست محصنة أمام الضربات الصادرة من لبنان ضد القوات المتعاملة مع "إسرائيل"

- ضرب أهداف عسكرية سورية في لبنان، وإذا بدا ذلك غير كاف، ضرب أهداف محددة في الأراضي السورية.

تستطيع "إسرائيل" الاستفادة أيضاً من هذه الفرصة لتذكر العالم بطبيعة النظام السوري. فسوريا تخلُف مراراً وتكراراً بوعودها. لقد انتهكت العديد من الاتفاقات مع تركيا وخانت الأمم المتحدة عبر الاستمرار في "احتلال لبنان" بما يُناقض اتفاق الطائف المبرم العام 1989. عوضاً عن ذلك، أقامت سوريا انتخابات (في لبنان) زائفة وأرست حكومة – دمية، وأجبرت لبنان على توقيع "معاهدة أخوة" في العام 1991 وضَعت حداً للسيادة اللبنانية. كما بدأت سوريا باستيطان لبنان عبر مئات الآلاف من السوريين فيما "قتلت عشرات الآلاف من مواطنيها في إحدى الفترات كما فعلت في حماه عام 1983.

وتحت الوصاية السورية يزدهر الاتجار اللبناني بالمخدرات، الذي يحصل القادة العسكريون السوريون المحليّون مقابل حمايته على مبالغ مادية. ويدعم النظام السوري المجموعات الإرهابية عملانياً ومادياً في لبنان وعلى أرضه. وفي الواقع، لقد أصبح سهل البقاع في لبنان الذي تسيطر عليه سوريا بالنسبة الى الإرهاب ما أضحى عليه "سيليكون فالي" بالنسبة الى الصناعات الكومبيوترية.

من هنا، تتطلب المفاوضات مع "أنظمة قمعية" كالنظام السوري واقعية حذرة. فلا يستطيعن أحد واقعياً افتراض حسن النية لدى الطرف الآخر. إنه لأمر خطير بالنسبة إلى "إسرائيل" أن تتعامل بسذاجة مع نظام يتعامل بعدوانية ظاهرة مع جيرانه ويتورط مع تجار المخدرات والمزورين الدوليين، ويدعم أكثر المنظمات الإرهابية فتكاً.

ونظراً الى طبيعة النظام في دمشق، إنه لمن الطبيعي والأخلاقي على حد سواء أن تتخلى "إسرائيل" عن شعار "السلام الشامل" وتنتقل إلى احتواء سوريا، لافتة الانتباه إلى برنامج أسلحة الدمار الشامل الذي يعدّه النظام، ورافضة اتفاقات "الأرض مقابل السلام" في ما يتعلق بمرتفعات الجولان.

 

الانتقال إلى استراتيجيا تقليدية لتوازن القوى

علينا التمييز بتروٍّ ووضوح بين الصديق والخصم. علينا التأكد من أن أصدقاءنا في الشرق الأوسط لا يشكّون أبداً في متانة صداقتنا أو قيمتها.

تستطيع "إسرائيل" رسم شكل محيطها الاستراتيجي بالتعاون مع تركيا والأردن، عبر إضعاف سوريا واحتوائها وحتى صدها. ويستطيع هذا الجهد أن يركز على إزالة صدام حسين من السلطة في العراق - وهو هدف اسرائيلي استراتيجي مهم ومحق - كوسيلة لإحباط طموحات سوريا الإقليمية. لقد تحدى الأردن أخيراً طموحات سوريا الإقليمية عبر اقتراح استعادة المملكة الهاشمية في العراق. وقد أطلق هذا الأمر العنان لتنافس أردني- سوري رد عليه الأسد عبر مضاعفة الجهود لزعزعة المملكة الهاشمية، بما في ذلك استعماله التسللات عبر الحدود. وقد أشارت سوريا أخيراً إلى أنها وإيران قد تفضلان بقاء صدام ضعيفاً، بهدف تقويض جهود الأردن لإزالة صدام. لكن سوريا تدخل هذا النزاع بنقاط ضعف محتملة: فدمشق منشغلة كثيراً بالمعادلة الإقليمية المهددة الجديدة كي تسمح ببعض الإلهاء في الخاصرة اللبنانية. وتخشى دمشق من أن "المحور الطبيعي" بين "إسرائيل" من جهة ووسط العراق والأردن في الوسط، وتركيا من جهة أخرى، الأمر الذي سيضغط على سوريا ويفصلها عن شبه الجزيرة السعودية. بالنسبة الى سوريا، قد يكون هذا بداية إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي يهدد وحدة الأراضي السورية.

وبما أن مستقبل العراق قد يؤثر على التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط على نحو أساسي، فقد يكون مفهوماً أن تهتم "إسرائيل" بدعم الهاشميين في جهودهم لإعادة تعريف العراق. هذا يشمل إجراءات مثل: قيام حكومة نتنياهو الجديدة بزيارة الأردن كأول زيارة رسمية خارجية، حتى قبل زيارة الولايات المتحدة; دعم الملك حسين عبر مده ببعض الإجراءات الأمنية الملموسة لحماية نظامه من تخريب سوري; تشجيع -عبر التأثير في مجتمع الأعمال الأميركي - الاستثمار في الأردن لفصل اقتصاد الأردن على نحو بنيوي عن العراق; وتحويل انتباه سوريا عبر استعمال عناصر المعارضة اللبنانية لزعزعة السيطرة السورية على لبنان.

الأهم من هذا، يمكن فهم اهتمام "إسرائيل" بدعم أعمال تركيا والأردن ضد سوريا ديبلوماسياً وعسكرياً وعملانياً، كضمان التحالفات القبلية مع قبائل عربية عابرة للأراضي السورية، والتي تشعر بالعداء ازاء النخبة السورية الحاكمة.

قد يملك الملك حسين أفكاراً لـ"إسرائيل" لوضع مشكلتها مع لبنان تحت السيطرة. فالأكثرية الشيعية المسيطرة في جنوب لبنان قد ارتبطت منذ قرون مع القيادة الشيعية في النجف في العراق بدلاً من إيران. ولو قُدر للهاشميين أن يحكموا العراق، فسيستطيعون استخدام نفوذهم في النجف لمساعدة "إسرائيل" على فصل الشيعة اللبنانيين عن "حزب الله" وإيران وسوريا. والشيعة يحتفظون بعلاقات قوية مع الهاشميين: فهم يجلّون في المقام الأول عائلة النبي، التي يتحدر منها الملك حسين مباشرة، والذي تسري في عروقه دماء الرسول.

 

تغيير طبيعة العلاقات مع الفلسطينيين

تملك "إسرائيل" فرصة صوغ علاقة جديدة بينها والفلسطينيين. أولاً: قد يتطلب ذلك جهداً إسرائيلياً لضمان أمن شوارع "إسرائيل"، من خلال مطاردة حامية داخل مناطق السيطرة الفلسطينية، وهي ممارسة ممكن تبريرها ويستطيع الأميركيون التعاطف معها.

العنصر الأساسي للسلام هو الانصياع للاتفاقات الموقعة. لذا يحق لـ"إسرائيل" الإصرار على الانصياع بما فيه إغلاق بيت الشرق (مقر قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في القدس) وحل جهاز جبريل الرجوب. علاوة على ذلك، تستطيع "إسرائيل" والولايات المتحدة إنشاء "لجنة مشتركة لمراقبة الانصياع" لدراسة ما إذا كانت منظمة التحرير الفلسطينية تستجيب للمعايير الدنيا للانصياع وممارسة السلطة والمسؤولية واحترام حقوق الإنسان والمحاسبة القانونية والإئتمانية.

إننا نؤمن أن على السلطة الفلسطينية الالتزام بمعايير المحاسبة الدنيا ذاتها التي تفرضها المساعدة الأميركية للأطراف الاجنبية الأخرى. فالسلام الراسخ لا يستطيع تحمل القمع واللاعدالة. إن نظاماً لا يستطيع الوفاء بأبسط الالتزامات لشعبه، لا يمكن الاعتماد عليه في الوفاء بالتزاماته لجيرانه.

ليس على "إسرائيل" أي التزامات بموجب اتفاقات أوسلو إذا لم تفِ منظمة التحرير الفلسطينية بالتزاماتها. وإذا لم تستطع منظمة التحرير الاستجابة لهذه المعايير الدنيا، فهي لا تشكل أي أمل للمستقبل ولا محاوراً حقيقياً للحاضر. ومن أجل التحضير لهذا الأمر، قد تسعى "إسرائيل" إلى إعداد بدائل من عرفات، ويملك الأردن أفكاراً حول هذا الموضوع.

وللتشديد على نقطة أن "إسرائيل" تنظر إلى أفعال منظمة التحرير، وليس عموم الشعب العربي، قد تسعى “إسرائيل” إلى التفكير في بذل جهد خاص لمكافأة الأصدقاء ودعم حقوق الإنسان بين العرب. فكثيرون من العرب مستعدون للعمل مع "إسرائيل": من المهم تحديدهم ومساعدتهم. وقد تجد "إسرائيل" أيضاً أن العديد من جيرانها كالأردن، لديهم مشاكل مع عرفات وقد يودون التعاون. وتستطيع "إسرائيل" أن تسعى أيضاً إلى إدماج العرب من شعبها بطريقة أفضل.

 

صوغ علاقة أميركية - إسرائيلية جديدة

في السنوات الأخيرة، دعت "إسرائيل" الولايات المتحدة إلى تدخل فاعل في سياسة "إسرائيل" الداخلية والخارجية لسببين: لتخطي المعارضة الداخلية لتنازلات "الأرض مقابل السلام" التي لم يستطع الجمهور الاسرائيلي هضمها، ولإغواء العرب للتفاوض - عبر المال ومسامحة الخطايا السابقة والحصول على الأسلحة الأميركية. هذه الاستراتيجيا التي تطلبت تمويلاً أميركياً لأنظمة قمعية وعدوانية، كانت محفوفة بالمخاطر وباهظة الثمن ومكلفة كثيراً للولايات المتحدة و"إسرائيل" على حد سواء، ووضعت الولايات المتحدة في أدوار لا تريدها ويجب ألا تضطلع بها. تستطيع "إسرائيل" إحداث تغيير جذري بالنسبة إلى الماضي وإعداد رؤيا جديدة للشراكة الأميركية الإسرائيلية ترتكز على الاعتماد على الذات والنضج والتبادلية - لا تركز وحسب على نحو ضيق على النزاعات الميدانية - التي ترتكز على فلسفة متبادلة للسلام عبر القوة، بما يعكس الاستمرارية مع القيم الغربية عبر التأكيد على أن "إسرائيل" تعتمد على ذاتها ولا تحتاج للقوات الأميركية في أي شكل من الأشكال لحمايتها، بما في ذلك حماية قواتها في مرتفعات الجولان، وأنها تستطيع إدارة شؤونها الخاصة. إن اعتماداً على الذات مماثلاً قد يمنح "إسرائيل" حرية عمل أكبر ويزيل ضغطاً مهماً استُعمل ضدها في الماضي.

وللتشديد على هذه النقطة، يستطيع رئيس الوزراء استخدام زيارته الوشيكة لواشنطن للإعلان أن "إسرائيل" الآن ناضجة بما فيه الكفاية لتستعيد حريتها فوراً على الأقل من المساعدة الاقتصادية الأميركية وضمانات القروض التي تعوّق الإصلاح الاقتصادي (يمكن أن يتم فصل المساعدة العسكرية راهناً حتى يتم أخذ تدابير مناسبة لضمان عدم مواجهة "إسرائيل" مشكلات في التزود بالسلاح للدفاع عن نفسها). وكما أشير إليه في تقرير آخر، لا تستطيع "إسرائيل" أن تعتمد على ذاتها سوى، بضربة جريئة لا متدرّجة، عبر تحرير اقتصادها وخفض الضرائب وإعادة تشريع منطقة عمل حرة وبيع الأراضي العامة وأصول الشركات التابعة للدولة، وهي خطوات من شأنها أن تثير الدعم بين مجموعة واسعة من القادة الأساسيين المؤيدين لـ"إسرائيل" في الكونغرس، بمن فيهم رئيس مجلس النواب – آنذاك - نيوت غينغريتش.

في هذه الظروف، تستطيع "إسرائيل" التعاون على نحو أفضل مع الولايات المتحدة لصد التهديدات الحقيقية للمنطقة وأمن الغرب. ويستطيع نتنياهو الإعراب عن رغبته بالتعاون على نحو اوثق مع الولايات المتحدة في ما يتعلق بوسائل الدفاع المضادة للصورايخ، بغية إزالة خطر الابتزاز الذي يستطيع حتى جيش ضعيف وبعيد أن يشكله لأي دولة أخرى. ولن يشكّل تعاون مماثل في ميدان الدفاع الصاروخي عائقاً لتهديد فعلي وملموس لبقاء "إسرائيل" وحسب، لكنه سيوسع قاعدة دعم "إسرائيل" في الكونغرس الأميركي بين الذين قد يعرفون القليل عن "إسرائيل"، لكنهم يهتمون كثيراً بموضوع الدفاع الصاروخي. وقد يساعد دعم واسع مماثل في الجهود الآيلة إلى نقل السفارة الأميركية في "إسرائيل" إلى القدس.

لاستباق ردود الفعل الأميركية والتخطيط لسبل إدارة ردود الفعل هذه وكبحها، يستطيع رئيس الوزراء نتنياهو صوغ السياسات والتأكيد على المواضيع التي يفضلها بلغة مألوفة للأميركيين عبر التطرق إلى مواضيع تتعلق بالإدارات الأميركية خلال الحرب الباردة والتي تنطبق جيداً على "إسرائيل". 

 

تجاوز النزاع العربي- الإسرائيلي

لقد أسهب مفكرون عرب مشهورون في الكتابة حول تخبّط "إسرائيل" وخسارة هويتها القومية. وقد شجّعت هذه النظرة الهجوم، وعوَّقت "إسرائيل" عن إنجاز السلام الحقيقي، وأعطت الأمل لأولئك الذين يودّون تدمير "إسرائيل". لذا، كانت الاستراتيجيا السابقة تقود الشرق الأوسط إلى حرب عربية - إسرائيلية أخرى. وقد يتضمن جدول أعمال "إسرائيل" الجديد تغييراً جذرياً عبر التخلي عن سياسة أدت إلى الاستنزاف وسمحتْ بالتراجع الاستراتيجي عبر إعادة إرساء مبدأ "الضربة الوقائية" بدل اعتماد أسلوب الرد وحده، وعبر التوقف عن اجتراع الضربات من دون الرد عليها.

يستطيع جدول أعمال "إسرائيل" الاستراتيجي الجديد رسم المحيط الإقليمي بطرق تخوّل "إسرائيل" إعادة تركيز طاقاتها حيث تحتاجها أكثر: تجديد فكرتها القومية، الذي لا يحدث سوى باستبدال أسس "إسرائيل" الاشتراكية بأسس أكثر ثباتاً; وتخطي استنزافها الذي يهدد بقاء الأمة.

في النهاية، تستطيع "إسرائيل" القيام بأكثر من إدارة النزاع العربي الاسرائيلي ببساطة عبر الحرب. فلن تمنح أي كمية من الأسلحة أو الانتصارات "إسرائيل" السلام الذي تسعى إليه. عندما تصبح أسس "إسرائيل" الاقتصادية متينة وتصبح هي حرة وقوية ومتعافية داخلياً، لن تدير ببساطة النزاع العربي الإسرائيلي بل ستتجاوزه. وكما قال أخيراً قائد معارضة عراقي بارز: "على "إسرائيل" تجديد قيادتها الأخلاقية والفكرية وإعادة إحيائها. إنه عنصر مهم- إن لم يكن الأهم- في تاريخ الشرق الأوسط". فـ"إسرائيل" - الفخورة والغنية والمتينة والقوية - ستكون الأساس لشرق أوسط جديد حقيقي يسوده السلام.

***

المشاركون في مجموعة الدراسة حول "استراتيجيا اسرائيلية جديدة" هم:

- ريتشارد بيرل: مسؤول مجموعة الدراسة; نائب وزير الدفاع، في إدارة رونالد ريغان، وعضو مجلس إدارة "المعهد اليهودي لدراسات الأمن القومي"، ومدير صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية.

- جايمس كولبرت: من المعهد اليهودي لدراسات الأمن القومي.

- تشارلز إتش فيربانكس: مدير معهد آسيا الوسطى والقوقاز في كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز. 

- دوغلاس فايث: وكيل وزارة الدفاع الأمريكية (2001 – 2005).

- روبرت لوينبيرغ: مؤسس معهد الدراسات الاستراتيجية والسياسية.

- ديفيد ورمسر: مستشار الشرق الأوسط لنائب الرئيس الأمريكي الأسبق ديك تشيني، ومساعد خاص لجون بولتون في وزارة الخارجية الأميركية.

- ميراف وورمسر: زميلة سابقة في مركز الأبحاث الأميركي في معهد هدسون. 

 

 

(انتهت الوثيقة)

 

صحيفة الخندق