عندما سمّم عملاء الموساد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الأردن، خالد مشعل، عام 1997، طلب ملك الأردن الحسين بن طلال من بنيامين نتنياهو توفير الترياق اللازم لعلاج مشعل، وأخبرهم أنه في حال عدم الحصول على الترياق؛ ستكون معاهدة السلام الموقعة بين إسرائيل والأردن عام 1994 عرضةً للخطر. كانت تلك الحادثة علامة فارقة في سياسات الأردن التي تسعى لاحتواء الإسلاميين من جهة، ومد جسور التعاون الأمني والسياسي مع "إسرائيل".
نيران غزة التي تؤرق عبد الله الثاني
عندما سمّم عملاء الموساد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الأردن، خالد مشعل، عام 1997، طلب ملك الأردن الحسين بن طلال من بنيامين نتنياهو توفير الترياق اللازم لعلاج مشعل، وأخبرهم أنه في حال عدم الحصول على الترياق؛ ستكون معاهدة السلام الموقعة بين إسرائيل والأردن عام 1994 عرضةً للخطر. كانت تلك الحادثة علامة فارقة في سياسات الأردن التي تسعى لاحتواء الإسلاميين من جهة، ومد جسور التعاون الأمني والسياسي مع "إسرائيل".
ذلك التوازن الذي سعى إليه الأردن سابقاً، يبدو اليوم محل اختبار صعب. إذ تتزايد الضغوط على الملك الحالي عبد الله الثاني، للتحرك في مواجهة السياسات الإسرائيلية في غزة. وفي الآن عينه، يحاول عبد الله الثاني استرضاء الإسرائيلين من خلال تأكيد التزامه بمعاهدة السلام الموقعة عام 1994 بين الطرفين، لضمان أمن حكمه من قِبل تل أبيب.
هذا الحال، هو ما كشفت عنه مقالة لموقع Middle East Eye البريطاني.[1] فإسرائيل التي تفرض حصاراً مطبقاً على الضفة وحرباً شعواء على غزة، استعداداً لطرد جميع الفلسطينيين من فلسطين التاريخية. تفرض على عمّان وطأة لا تحتملها الأخيرة، التي ستدفع فاتورة السياسات الإجرامية الإسرائيلية المتهورة عاجلاً أم آجلاً.
من هنا، ظهرت دعوات عدة تطالب الملك الأردني عبد الله الثاني بقطع العلاقات مع إسرائيل، مسلطة الضوء على "العار" التي عَلِقَ الملك فيه، بالتزامن مع دخول الحرب الإسرائيلية على غزة أسبوعها الخامس ومع ازدياد المخاوف من توسّع الصراع إقليمياً.
الخوف من انفجار الغضب الشعبي
بحسب موقع MEE البريطاني، تُعد عمّان واحدةً من أكثر العواصم تبعية للولايات المتحدة في المنطقة، وهي الوجهة المختارة للمنظمات الأهلية الغربية ودارسي اللغة العربية على حدٍ سواء. لكن المستوى السياسي في الأردن ولخوفه من انفجار الغضب الشعبي في البلاد فقد بدأ بمهاجمة إسرائيل علناً في الفترة الأخيرة، وتحذيرها من اتخاذ أية خطوات قد تمسي بمثابة "إعلان حرب" بين الطرفين.
واقع الأمر، يحاول المسؤولون الأردنيون مواكبة الغضب الشعبي الأردني. فدخول الجيش الإسرائيلي إلى غزة برياً يُعدُّ بحسب كثير من الوزراء "كسيناريو من الكوابيس لملك موالٍ للغرب أكثر من نصف قادة أوروبا". وقد تجلت تلك المخاوف بعد القصف الكثيف لمستشفى الشفاء في غزة، وهو القصف الذي حمّل الملك عبد الله مسؤوليته لإسرائيل واضطره لأن يُلغي قمةً بحضور الرئيسين الأميركي والمصري، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بعد تنسيق وثيق مع واشنطن، وخوفاً من أن تؤدي زيارة بايدن لعمّان لانفجار الاحتجاجات في الشوارع.
"صديق مخلص" لبايدن
يُصيب دعم بايدن غير المشروط لـ"إسرائيل" في حربها على غزة الملك الأردني عبد الله الثاني بالحنق؛ فلطالما راهن الملك الأردني على الإدارة الديمقراطية للبيت الأبيض لتثبيت أواصر حكمه. يعي عبد الله الثاني نقاط ضعف نظامه جيداً كما يدرك أثر اضطراب علاقة الأردن بالحزب الجمهوري في الولايات المتحدة وما كادت العلاقات المتوترة أن تُفضي إليه عام 2021.
فبُعيد محاولة انقلاب الأمير حمزة، سارع عبد الله الثاني لزيارة البيت الأبيض كأول رئيس عربي يزور إدارة بايدن في تموز/ يوليو من العام 2021 ضماناً لعرشه. في زيارته تلك، سمع عبد الله الثاني من بايدن المنتخب حديثاً آنذاك كلاماً مطمئناً بأنه "صديقه المخلص والمحترم" والذي ينبغي أن "يظل قوياً".
كان الأردن يتوقع إدارة أميركية جديدة أكثر تفهماً لمخاوفه. لكن ود اللقاء بين عبد الله الثاني وبايدن، محته السياسات الإسرائيلية الاستيطانية في الضفة الغربية. ما أدخل الأردن في دوامة من القلق الوجودي.
التحدي الأصعب لملك الأردن خلال عقدين له في الحكم:
لا يتميز الأردن عن الدول العربية الأخرى المطبعة بالعلاقات الوطيدة مع الأمريكيين والإسرائيليين فحسب، بل يتميز بتركيبته السكانية المعقدة. إذ ينحدر أكثر من نصف سكان الأردن على الأقل من أصول فلسطينية. من هنا، فإن تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة سترخي بظلالها على النظام السياسي في عمّان.
فبالرغم من تخلي الأردن عن مطالبته بالضفة الغربية عام 1988، وأبرام الملك حسين معاهدة وادي عربة عام 1994، إلا أن المسؤولين الأردنيين ظلوا يشعرون بالقلق من نية "إسرائيل" ضم كامل أراضي الضفة الغربية المحتلة للكيان الصهيوني، وطرد الفلسطينيين إلى شرق نهر الأردن. إذ ستخلق مثل هذه المسألة وضعاً حرجاً للقيادة السياسية الأردنية، وإشكالية كبيرة لتماسك النظام ومشروعيته الشعبية، الأمر الذي أجبر شخصاً كوزير خارجية الأردن لوصف السياسات الأردنية بأنها "إعلان حرب".
وبعيداً عن السكان الفلسطينيين في الأردن، يواجه الملك عبد الله ضغطاً من قِبل سكان الضفة الشرقية وأحفاد القبائل التي ساعدت في تأسيس الأردن بعد الحرب العالمية الأولى. إذ امتزج، بعد الحرب على غزة، التضامن مع الفلسطينيين مع مخاوف تدفق دفعةٍ جديدة من اللاجئين الذين سيضغطون على موارد الحكم المتداعي.
خشية الملك عبد الله من نصر كبير لحماس
بحسب خبراء غربيون استطلع موقع MEE آراءهم، فإن الشكاوى التي برزت ضد الملك عبد الله أثناء محاولة الأمير حمزة الانقلاب قد تعاود الظهور اليوم. إذ يحظى الملك بقبولٍ جيد لدى مراكز الأبحاث وفي حفلات الاستقبال بالغرب، لكنه لا يحظى بالقبول نفسه بين القبائل الأردنية المحافظة. وأوضح مسؤول غربي للموقع أنه "يجب على الملك أن يجلس لشرب القهوة مع هؤلاء الناس، وأن يشرح لهم الضغوط التي يتعرض لها. لكنه سيختار التشاور مع وسطائه الأمريكيين المفضلين في وكالة الاستخبارات المركزية على الأرجح، مع إرسال أحد أفراد عائلته لمجالسة القبائل".
بالمختصر، تفرض الحرب على قطاع غزة تحديات على شرعية المملكة الهاشمية، التي تعتمد جزئياً على دورها في تأمين منطقة عازلة لـ"إسرائيل"، وكراع للأماكن المقدسة المسلمة والمسيحية في القدس. وإذا ما حققت حماس نصراً كبيراً في غزة، فإن موجة من السخط الاجتماعي ستتفجر في الأردن، وستأتي مترافقة مع الهوة التزايدة في المساواة، وهو ما يشكل مزيجاً سريع الاشتعال بالنسبة للأردنيين.
Related Posts
صحيفة الخندق