Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

إن المظاهرات والتحركات الشعبية الاحتجاجية المتضامنة مع المقاومة ومع نضال الشعب الفلسطيني في بلدان "التحضّر" الغربي هي الرد الشعبي الملائم لفضح طبيعة هذه الأنظمة ولكسر جدران القمع (المباشر بواسطة الشرطة، والناعم بواسطة وسائل الإعلام)، والتي تتنامى بما يساهم في عزل هذه الأنظمة وتشكيل هوة بينها وبين المزاج الشعبي.

طنوس شلهوب

المواجهة!

تُعيد المواجهة العسكرية التي تجري اليوم مع الكيان الصهيوني الغاصب الأمور إلى نصابها، وتُجبر الأنظمة والنخب إلى التموضع في الخنادق والمحاور التي تنتمي بالأساس إليها.

بالنسبة للنظام الرسمي العربي والنخب التي تدور في فلكه، (وهي بمعظمها ترتزق من بقايا موائده)، يواجه هذا النظام مأزقاً حقيقياً بنتيجة جذرية الأهداف الامبريالية - الصهيونية في إغلاق المسألة الفلسطينية عبر طرد فلسطينيي الضفة وغزة نحو كل من الأردن ومصر، مما أضعف دور هذه الانظمة في ملاقاة الخطة الإسرائيلية لتصفية مشروع المقاومة، والذي يمثل الإحراج الاكبر لأنظمة الخيانة. بعض الأبواق لم تجد من مادة للتصويب على المقاومة إلا تكرار لمعزوفة تبعية فصائل المقاومة لإيران، واتهام هذه الفصائل بأنها أداة لتنفيذ الأجندة الإيرانية، بما يُسقط عنها صفة "الوطنية" ويجعلها مجرد أداة عند الخارج.

إن حجم الإجرام الصهيوني في إهدار الدم الفلسطيني وما تُظهره فصائل المقاومة من شجاعة وتماسك بالتنسيق مع قوى محور الممانعة وعلى رأسها ايران كلها عناصر ساهمت في نهوض الشارع دعماً للمقاومة مما أضعف من وظيفة أنظمة الخيانة في ملاقاة العدو في منتصف الطريق. ومع ذلك، فإنه ومع ازدياد الإرباك العسكري الصهيوني في مواجهة غزة فإنه من غير المستبعد أن يكون لأنظمة الخيانة الدور الأساسي في مساعدة الصهاينة للنزول من على الشجرة.

أما على صعيد بلدان الغرب الامبريالي، فإن سلوك الأحزاب الحاكمة والمروحة الواسعة من النخب السياسية (والأكاديمية ووسائل الإعلام) تماثل مع تعاطيهم في المواجهة مع روسيا، وفي حملاتهم المستمرّة على الصين. على الصعيد الداخلي فإن السلطات الحاكمة تستمر في هجومها على المكتسبات التاريخية التي كانت حققتها الطبقة العاملة وعموم الشغيلة والكادحين، مع تعمق الأزمة الاقتصادية والمعيشية، والازدياد المتسارع للتضخم والارتفاع الجنوني لأسعار السلع الأساسية، وزيادة معدلات البطالة ومشاكل القطاعات الخدماتية من تعليم وسكن وصحة، ولنا في كيفية التعاطي مع الاحتجاجات الاجتماعية مثالاً على نهج القمع والتجاهل والدفاع عن سياسات إفقار الناس لصالح رأس المال الكبير (في فرنسا، وانكلترا، وكندا، والخ). في الوقت الذي تتجاهل فيه هذه السلطات المصالح الأساسية لشعوبها، فإنها تقوم بتحويل مئات ملايين الدولارات لدعم النظام النازي في كييف، والآن تعلن عن وقوفها المطلق إلى جانب الكيان الغاصب متجاهلة أبسط قواعد العدالة والانسانية. إن سياسات هذه البلدان في الدفاع عن مصالح كبريات الشركات العابرة للجنسيات، والمجمع العسكري، وشركات التأمين والاحتكارات الكبرى على الصعيد الداخلي تنسجم مع سلوكها على صعيد السياسة الخارجية في الانحياز لمصالح تحالف رأس المال الصناعي والمالي (حيث يمتلك اليهود الصهاينة نسبة ساحقة من رؤوس الاموال).

إن المظاهرات والتحركات الشعبية الاحتجاجية المتضامنة مع المقاومة ومع نضال الشعب الفلسطيني في بلدان "التحضّر" الغربي هي الرد الشعبي الملائم لفضح طبيعة هذه الأنظمة ولكسر جدران القمع (المباشر بواسطة الشرطة، والناعم بواسطة وسائل الإعلام)، والتي تتنامى بما يساهم في عزل هذه الأنظمة وتشكيل هوة بينها وبين المزاج الشعبي.

إن الترابط بين النضال من أجل العدالة الإجتماعية داخل بلدان مراكز الإمبريالية رفضاً لسياسات هذه البلدان الخارجية يفترض التنسيق بين حملات الدعم للشعب الفلسطيني مع القوى المحلية اليسارية والنقابية لأن المواجهة هي في مضمونها مواجهة مع السياسات الإمبريالية العالمية.

 

أستاذ في كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية