قلما يلتفت المهتمون بالشأن الصهيوني - الإسرائيلي إلى الأطماع الصهيونية بالعراق، وإن كان جارياً على الألسنة القول المعروف «أرضك يا إسرائيل من الفرات الى النيل»، الذي يردده الكتّاب في كتاباتهم.
العراق في مرمى الأطماع الصهيونية
"فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقًا قَائِلًا: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ". (سِفر التكوين: 15: 18).
***
قلما يلتفت المهتمون بالشأن الصهيوني - الإسرائيلي إلى الأطماع الصهيونية بالعراق، وإن كان جارياً على الألسنة القول المعروف «أرضك يا إسرائيل من الفرات الى النيل»، الذي يردده الكتّاب في كتاباتهم.
رفض السلطان العثماني عبد الحميد الثاني طلب مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هرتزل السماح لليهود بالقدوم إلى فلسطين، بعد محاولات عدة من هذا الأخير، مع تقديم عرض مالي مغرٍ للسلطان لقاء موافقته. وقد قال عبد الحميد معللاً رفضه التنازل ولو عن شبرٍ واحدٍ من "الأراضي المقدَّسة": "لأنَّها ليست ملكي، بل هي ملك شعبي. وقد قاتل أسلافي من أجل هذه الأرض، وروَّوها بدمائهم؛ فليحتفظ اليهود بملايينهم".
وتذكر بعض كتب التأريخ أن السلطان عبد الحميد عرض على هرتزل مقترَحاً بتوطين اليهود في العراق، الذي كان يومها جزءاً من الدولة العثمانية، بينما تذكر كتب أخرى أن هرتزل هو الذي حاول أن يعرض على السلطان توطين اليهود في العراق، لكنه لم ينجح.
وما يؤكد أن الاقتراح باستيطان العراق كان عرضاً من السلطان عبد الحميد الرسالة التي أرسلها هرتزل في 12 تموز 1902 الى اليهودي الفرنسي الثري روتشيلد، وقال له فيها: "فإنّ عندي مخططاً ثانياً لك يمكن تحقيقه في الوقت نفسه… وهذا المخطط سرّي تماماً يتعلق بالعراق… لقد أخبرتك بأنّ السلطان العثماني عرض عليّ استيطان اليهود في العراق".
لكن العثمانيين تراجعوا عن السماح لليهود باستيطان العراق، إلا أن هذا التراجع لم يثنِ الصهاينة عن فكرة استعمار العراق والزحف منه الى فلسطين نهائياً؛ والدليل أنه حين تولى اسرائيل زانكول رئاسة المنظمة اليهودية الإقليمية عام 1909 طرح أن بلاد ما بين النهرين هي الأرض الصالحة لإنشاء المستعمرة الصهيونية.
وفي سنة 1907 اوفدت "جمعية التوطين اليهودية" التي مقرها لندن اليهودي الفرنسي نيغو الى بغداد لدراسة موضوع التوطين وقد بقي هناك أشهراً، وعاد بتقرير أبدى فيه رأيه الإيجابي في إمكانية التوطين مقترحاً البدء بتوطين خمسين ألف يهودي روسي وبولوني في أراضي قاسم باشا صهر عبد الحميد الثاني في شمال بغداد، فأيد المشروع وزير مالية تركيا جاويد بك وهو يهودي كان قد أسلم، لكن السلطان عبد الحميد رفضه، خوفاً ربما من أن تمتد اطماع الصهيونيين إلى العراق، كما يمكن أن يطالبوا بعد ذلك بأراضي ما بين النهرين التي كانت فيها طائفة يهودية كبيرة أيام الأسر البابلي، كما يطالبون بفلسطين التي تركوها قبل ألفي سنة.
واستمرت المحاولات الصهيونية في استيطان العراق، فقد حاولت منظمات صهيونية فرنسية وإنجليزية في العام 1941 توطين مجموعات من الفلاحين اليهود من أوروبا الشرقية في العراق لاتساع الأراضي وكثرة المياه فيه مع قلة السكان الذين يقومون بزراعة هذه الأراضي.
في العام 2010 كشف الصحفي والكاتب الأمريكي واين مادسن في تقرير له نشره موقع أون لاين جورنال عن مخطط لترحيل اليهود الأكراد من إيران وفلسطين المحتلة إلى العراق، استناداً إلى ادعاءات توراتية بأن العراق جزء من "إسرائيل الكبرى". ونقل مادسن عن مصادر كردية أن الصهاينة يعملون سرّاً مع حكومة كردستان الإقليمية لتنفيذ مخطط دمج اليهود الأكراد بمناطق عراقية تحت إشراف حكومة كردستان الإقليمية.
وذكر التقرير أن عمليات ترحيل وتوطين اليهود الأكراد في العراق ستتم تحت غطاء زيارة أضرحة ومزارات يهودية "مقدسة"، وأن أكرادًا وعراقيين مسلمين وتركماناً لاحظوا أن الأكراد "الصهاينة" بدأوا بعد الغزو الأمريكي في العام 2003 يشترون أراضي في كردستان العراق، ويعتبرونها عقارات يهودية تاريخية، وأشاروا إلى أن "الصهاينة" يبدون اهتمامًا خاصًا بضريح "ناحوم" في القوش، و"جوناه" في الموصل وكذلك معبد دانييل في كركوك. كما يسعى "الصهاينة" أيضًا للمطالبة بعقارات يهودية خارج الإقليم الكردي، تشمل ضريح حزقيال في قرية الكفل في محافظة بابل بالقرب من النجف، ومعبد إزرا في العزاير في محافظة ميسان، بالقرب من البصرة، ويقع الاثنان في مناطق جنوب العراق. وذكر التقرير أن "الصهاينة" الذين تدفعهم شهوة التوسع ينظرون لهذه الأضرحة والمعابد، باعتبارها جزءًا من "إسرائيل الكبرى" مثلها مثل القدس والضفة الغربية، التي يطلقون عليها "يهودا والسامرة".
واستمرت أطماع الصهاينة بالعراق حتى بعد قيام الدولة العراقية عام 1921 وما بعدها، فحين زار الملك فيصل الأول لندن في أيلول 1931، عرضت عليه الحكومة البريطانية اقتراحاً يقضي بتوطين حوالي مائة ألف يهودي في حوض دجلة الأسفل في المنطقة الواقعة ما بين العزيزية والكوت، مقابل إعطاء الحكومة العراقية مساعدات مالية ومن بينها قرض مالي كبير.
وقد كانت الأطماع الصهيونية بالعراق حاضرة خلال الحرب الأميركية على العراق في العام 2003، وأكد ذلك المفكر الأمريكي مايكل كولينزبايبر الذي قال إن خطة شن الحرب على العراق تتصل بأرض إسرائيل الكبرى. كما أنه في ذروة هذه الحرب قدّم الرئيس الأميركي بوش لرئيس الوزراء "الإسرائيلي" شارون خارطة قديمة للأراضي "المقدسة" تضم العراق.
وبعد، فهذا استعراض سريع للأطماع الصهيونية الدينية التاريخية التي لم تتوقف عند حدود فلسطين المحتلة إنما تعدتها إلى دول عربية أخرى منها دولة العراق، وهو الأمر الذي يجب أن لا يغيب عن بالنا الشعب العراقي خاصة عند كل حدث سياسي أو عسكري قد تكون خلفه أو تشارك فيه أو تستفيد منه الصهيونية عدوة الأمة والإنسانية.
"
Related Posts
كاتب وإعلامي لبناني