Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

تأتي المقابلتين مع كل من الرئيس السابق لجهاز الشاباك الإسرائيلي، ورئيس مركز موشيه دايان للدراسات في إطار إظهارنا لخطورة المقاربة الإسرائيلية لأحداث المنطقة، وموقف الصهاينة من القوى المختلفة في الشرق الأوسط. ونشير إلى أننا لم نجر المقابلة مباشرة مع أي من هؤلاء، بل تمكنت الخندق من الاستحصال على هذه المادة من مصادر في الداخل الفلسطيني بشكل خاص.

هيئة التحرير

الخندق خلف الخطوط: مقابلة مع عوزي رابي مدير مركز موشيه دايان للدراسات

"

تشكل السعودية حالة برزخية بالنسبة للغرب. من أي زاوية يمكن استقراء السياسات السعودية؟ هو سؤال لطالما راود المسؤولين الغربيين عند مطالعتهم أوراق المجتمع والسلطة في المملكة. في السعودية وجهين يقول عوزي رابي، أمراء فاحشي الثراء يشترون الأندية ويعقدون صفقات الأسلحة والصناعات العالية التقنية (يركز في هذه المسألة على نموذج أمراء الخاشوقة؛ أحد أفخاذ شمّر)، وآخرين يمثلون مجتمعاً ضارباً بأرثوذوكسيته، وأصوليته. الانقسام في المجتمع السعودي ليس أفقياً بأي حال، إنه انقسام عامودي، ما يجعل القسمة بين الأصولية والحداثة عندهم مسألة ضاربة حتى داخل العائلة الحاكمة. الأمر الذي يزيد من حيرة أي مراقب.

في استقراء الإسرائيليين للسعودية ودورها في المنطقة ثمة محطة فاصلة في فهمهم لها وللمنطقة بشكل عام؛ حرب الخليج الثانية. عندما دخل صدام حسين الكويت، دخل الشرق الأوسط بحالة من السيولة، صار كلٌ منشغلٌ بنفسه. أمّا الولايات المتحدة، بالنسبة لعوزي، فصارت لا تصدق أحداً في الشرق الأوسط.

في الحقيقة، تبدو الولايات المتحدة حائرة شأنها شأن حلفائها في هذه المنطقة. هذا لا يبدو جديداً بالنسبة لإدارة البيت الأبيض. فمؤسسة من مثل مجلس التعاون الخليجي، كانت ولا تزال مؤسسة غير معلومة الثقل بالنسبة لواشنطن. مصر والأردن، الدولتان الأقرب لمجلس التعاون الخليجي، لم تستطع الولايات المتحدة أن تنظم العلاقة في ما بينهما إلى اليوم، أو بينهما وبين مجلس التعاون نفسه بالرغم من جهدها الكبير للمِّ شمل الدول الحليفة لها. يضيف: ما أريد قوله، أنه ومنذ التسعينيات، وبعد حرب الخليج الثانية، وبعد أن صارت الولايات المتحدة مقتنعة بأن عليها تنسيق جبهة حلفائها في المنطقة هنا مقابل الدول المارقة، وذلك من أجل تحقيق هدوء واستقرار أكبر في الشرق الأوسط. آنذاك، بالغت الإدارة الأمريكية في تقدير قوة وتأثير حلفائها. أمّا اليوم، فقد أزاحت الأحداث السريعة في المنطقة اللثام عما كان خبيئاً. الأردن ضعيف، مصر أكثر ضعفاً، أمّا دول الخليج، فصباح مساء لا تفكر بغير التأثير الإيراني. يعلم الجميع اليوم أن "الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي" لم يعد الوحيد في المنطقة. في السابق كان الحديث عن الشرق الأوسط في الغرف السياسية المغلقة في واشنطن لا يمرّ إلا من خلال الصراع العربي الإسرائيلي. اليوم لا. لقد تغير الوضع. ثمة صراع سني شيعي، وتركي كردي، وعربي فارسي. ولا أحد يعلم نهاية هذه الصراعات. لذا يعلم السعوديون أن المسألة الفلسطينية ليست مسألتهم، وهي لم تعد على أولويات جدول أعمالهم، إذ ثمة قضايا أخرى لا يمكنهم أن يغفلوا عنها.

في التسعينيات، حاولت الولايات المتحدة استيلاد قانون جديد، مع دخولها حرب الخليج الثانية، قانون مفاده: أنّ ثمة دولتان نموذجان لكل من يريد الاستقرار في المنطقة: مصر والأردن. كما أنّ علاقة أي من الدول العربية بـ"اسرائيل" لن يسبب العزلة للدولة العربية ذات الصلة، لا عربياً ولا دولياً. هذه هي الوضعية التي أرادت الولايات المتحدة ترسيخها في التسعينيات، وهي المعادلة نفسها التي جعلت السعودية أكثر براغماتية في سياساتها. لننتبه، السعودية دائماً ما تقاتل من أجل البقاء، هذا عنوان سياستها.

لم تقل السعودية أنها ستكون راعية للسلام بشكل مباشر، لكنها تفاهمت بشكل غير مباشر أنها ستضع خارطة طريق، قوامها الاعتراف باسرائيل والتطبيع وفق حدود عام 1967. أنا أذكر أنه عندما طُرحت مبادرة الملك عبد الله في بيروت عام 2002، كانت المبادرة نوعاً من الهروب خطوة إلى الأمام، فقبالة الضغط الأمريكي المتزايد بموضوع الحرب على الإرهاب، عاجلت السعودية لتبرئة نفسها وإعلان انضوائها في فلك السلام. لقد خرجت خارطة الطريق التي تصورتها السعودية في التسعينيات للمنطقة إلى العلن.

من جهة أخرى، شكلت المحطة الأخرى من دخول الولايات المتحدة إلى العراق، محطة أخرى، كان السعوديون غاضبين مما تفعله الولايات المتحدة، وكانوا يسألون الإدارة الأمريكية ماذا بعد؟ ماذا بعد احتلال العراق؟ لقد أسقطتم العراق بيد إيران. وجعلتم الشيعة في الحكم في دولة عربية كبرى في العراق. هذا الغضب السعودي هو ما تجلى في حرب لبنان الثانية (حرب تموز 2006). لقد أدان السعوديون الاعتداءات الإسرائيلية علناً. لكنهم، وفي المضمون، كانوا يدينون حزب الله. بالنسبة إليهم كان حزب الله، هو "حزب الشيطان" الذي ينبغي أيقاف تأثيره بأي شكل من الأشكال. ومنذ ذلك الحين صارت رؤيتهم للشرق الأوسط مختلفة كليّة.

إسرائيل لم تعد تهديداً للسعوديين، بل صار التهديد يتمثّل في: إيران وحزب الله، ثمّ من بعد ذلك في الحشد الشعبي، وأهل اليمن الرافضين للهيمنة السعودية (من قبل الحرب السعودية المباشرة عام 2015). لقد استوعب السعوديون أن الأمريكيون بحالة تراجع، مع أوباما، والإيرانيين صاروا أكثر حضوراً وتأثيراً في الشرق الأوسط.  لذا، في العقدين الأخيرين يمكن القول بوضوح: اسرائيل لم تعد عدوة للسعوديين البتة. بل لعل النموذج الأمثل يكمن موضوعياً، باعتبار الدولتين ("اسرائيل" والسعودية) شريكتين. أما مع قدوم محمد بن سلمان إلى الحكم، فقد غير السعوديون ثيابهم كلياً. هذا ليس بسبب أن محمد بن سلمان انعطف بالسعودية، بل بسبب أن ثمة قوى من وراء محمد بن سلمان انعطفت هي عما كانت السعودية عليه. وهم يجدون اليوم في "اسرائيل"، وبفضل يدها الطولى في البيت الأبيض، إمكانية تنظيم جبهة الحلفاء، هذا هو الوضع باختصار.

 

"

صحيفة الخندق