حين عجزت "إسرائيل" عن ردع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، بعد أن أذاقتها المقاومة الويلات، قرّر الاحتلال حصار غزة "المحاصرة بالأصل"، لكن هذا الحصار الجديد من نوع آخر. فلا طعام يدخل ولا شراب، آلاف الأطنان من المتفجرات تسقط يومياً على رؤوس الشيوخ والأطفال
بين حصارين
الزمان: السنة السابعة للبعثة
المكان: مكّة المكرّمة
لمّا لم تفلح جميع محاولات قريش في ثني النبي عن دعوته المباركة، ولا في إقناع أبي طالب بالتخلي عنه وعن نصرته، ولا في منع الناس من الدخول في الإسلام، أجمعوا أمرهم على محاصرة المسلمين في شعب أبي طالب، لتبدأ عملية الحرمان والمقاطعة والتضييق في المأكل والمشرب والملبس.
كانت هذه آخر وسيلة وأمل لهم لوقف تمدد الدعوة الإسلامية، وظن هؤلاء أن النبي إذا ما ثبت على موقفه فلن يكون بمقدور أتباعه الصبر على ذلك والموت في سبيله، ولو فُرض ذلك، فإن صراخ الأطفال وأنينهم، تحت ضغط الجوع، ربما دفعهم إلى الاستسلام والتراجع، لعدم قدرتهم على تحمل عذابات أطفالهم أمام أعينهم، فإن العاطفة كثيراً ما تتغلب على العقل في مقامات كهذه، وهو ما يغير المعادلة لمصلحة قريش حسب زعمهم.
الزمان: السبت 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023
المكان: قطاع غزة، فلسطين المحتلة
حين عجزت "إسرائيل" عن ردع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، بعد أن أذاقتها المقاومة الويلات، قرّر الاحتلال حصار غزة "المحاصرة بالأصل"، لكن هذا الحصار الجديد من نوع آخر. فلا طعام يدخل ولا شراب، آلاف الأطنان من المتفجرات تسقط يومياً على رؤوس الشيوخ والأطفال، وإذا ما بقي أحدهم حياً ونُقل إلى المشفى، فإن المشفى أيضاً معرّضٌ للقصف والتدمير. ترى "إسرائيل" بأن هذه الوسيلة ستدفع الفلسطينيين إلى الاستسلام، والخروج من قطاع غزّة إلى صحراء سيناء. فهم مخيَّرون بين ذلك وبين أن يُبادوا جميعاً.
بعد مضي ثلاث سنوات على حصار النبي وشيعته، خرج أبو طالب إلى قريش وتحداهم أن ابن أخيه يزعم أن الصحيفة قد أكلتها الأرضة ما عدا ذكر الله فيها. وأن عليهم الآن أن يتفقدوا الصحيفة فإن كان الأمر كما يقول خرج بنو هاشم وبنو عبد المطلب من الشعب وانتهى الحصار وإن كان الأمر على غير ما يقول فإن أبا طالب سيسلمهم النبي ليقتلوه أو ليفعلوا به ما يشاؤون فلما تفقدوا الصحيفة تفاجأوا بالمعجزة ورأوا تآكل الصحيفة ما عدا ذكر "باسمك اللهم". عندها مُزّقت الصحيفة ورُفع الحصار عن بني هاشم وانطوت المحنة.
بعد عملية طوفان الأقصى، رفع قادة الاحتلال السقف عالياً معلنين نيتهم التوغل البري وإبادة حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، مرّ 10 أيام منذ هذا الإعلان وحتى الآن لا يزال مفعول التخبّط سارياً بين قادة الاحتلال. ولم تطأ قدما جنديٍ متراً واحداً في قطاع غزة.
من المؤكد أن جيش الاحتلال عاجز عن الدخول البرّي في غزة (حتى الآن)، وأن أقصى ما يمكن فعله هو الاستمرار في الغارات الجوية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
مسار المعارك يضعنا أمام احتمالين، الأول هو توسع المعركة إلى حرب إقليمية، والثاني هو وقف إطلاق النار بشروط المقاومة. في كلتا الحالتين سيخرج المظلومون منتصرين، ستنتصر الوجوه المشوّهة والأمعاء الفارغة، والأيادي المبتورة، سينتصر الجنين الذي قضى شهيداً في رحم أمه وسيردد المنتصرون على الدّوام "باسمك اللهم".
Related Posts
كاتب لبناني