يعتمد الكيان على جيش صغير نشط يمكن توسعته بسرعة أوقات الحاجة من خلال قوات الاحتياط. يبلغ عدد أفراد جيش الاحتلال الإسرائيلي 641500 جندي، 176500 منهم من أفراد الخدمة الإلزامية. والباقي، أي أكثر من 72% من جنود الاحتياط. ويقضي جنود الاحتياط شهراً تقريباً من كل سنة للتدريب والقيام بالواجبات العسكرية
قراءة في الحروب الإسرائيلية على غزة
الجيش الإسرائيلي:
يعتمد الكيان على جيش صغير نشط يمكن توسعته بسرعة أوقات الحاجة من خلال قوات الاحتياط. يبلغ عدد أفراد جيش الاحتلال الإسرائيلي 641500 جندي، 176500 منهم من أفراد الخدمة الإلزامية. والباقي، أي أكثر من 72% من جنود الاحتياط. ويقضي جنود الاحتياط شهراً تقريباً من كل سنة للتدريب والقيام بالواجبات العسكرية. وهم متاحون للاستدعاء في غضون 48 ساعة في حالة حدوث حالة أي طارئ. تشير بعض التقديرات إلى أن ما يقرب من 25 إلى 30% من وحدات الخدمة الفعلية هي وحدات احتياطية. عدا عما يحتفظ به الجيش الإسرائيلي من وحدات مشاة ومدفعية ودعم.
تؤدي تعبئة قوات الاحتياط وظيفة استراتيجية من ناحية الحرب النفسية. فاستدعاء القوات يُعتبر بمثابة رسالة لخصوم "إسرائيل" والمجتمع الدولي. في المقابل، يؤدي حشد أعداد كبيرة من الاحتياط إلى تأثيرات مدمرة كبيرة على الاقتصاد. ونتيجة لذلك، غالباً ما تتردد الحكومات الإسرائيلية في نشر جنود الاحتياط ما لم يكن ذلك ضرورياً.
تتدرب ألوية الجيش الإسرائيلي بشكل مستقل - مثل المدرعات أو المشاة أو ألوية المدفعية - لكنها تُقاتل كوحدات سلاح مشتركة. على سبيل المثال، تضمن اللواء 401 مدرعات، خلال عملية "الجرف الصامد"، كتيبة مدرعات وكتيبة مشاة وكتيبة مهندسين. ويسري نهج السلاح المشترك هذا على مستوى الكتيبة أيضاً. فعلى سبيل المثال، حصلت كتيبة مشاة بلواء (جفعاتي) على سرية مدرعات. وهذا يعني أن الألوية الموضحة على تخطيط المهام غالباً ما تضم عناصر من وحدات أخرى. تشمل تشكيلات جيش الاحتلال الإسرائيلي عند المهام أيضاً ألوية "مناطقية" أو "حدودية" وفي هذه الحالة تخضع الألوية لقيادة الشعبة 643 الحدودية المتمركزة في غزة. تتناوب أغلب الوحدات في "إسرائيل" في مناطق مختلفة بطول أجنحتها الشمالية والمركزية والجنوبية. ومع ذلك، فإن فرقة غزة وألويتها التابعة تبقى متمركزة في غزة والمناطق المحيطة. تعمل هذه الألوية كمصدر لاستمرارية تدريب الوحدات المتناوبة على مواجهة التهديد الإقليمي.
بالنظر إلى ذروة تدرج العمليات الخاصة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، فإنه يمتلك وحدة ماتكال (وحدة لمكافحة الإرهاب تعادل تقريباً قوة دلتا بالجيش الأميركي، ووحدة شاطييت 13، تعادل تقريباً قوة نافي سيلز الأميركية (فرق بحرية وجوية وبرية) والوحدة 669 (البحث والانقاذ القتالي) وقوة شلداغ (قوة عمليات خاصة بالقوات الجوية الإسرائيلية لاستطلاع الهدف). وجميع هذه الوحدات شاركت في عملية "الجرف الصامد".
إضافة إلى ذلك، شمل جيش الاحتلال الإسرائيلي أيضاً عدة وحدات استطلاع خاصة (وحدة دوفدفان وماجلان وإيجوز وريمون) تتبع للقوات الخاصة، لكنها كانت ملحقة بألوية مشاة مختلفة خلال عملية "الجرف الصامد".
تبين أيضا أن تعبئة عناصر الاحتياط لعملية الجرف الصامد جاء أبطأ من عملية عمود الدفاع، على الرغم من أن ذلك يرجع جزئياً إلى طبيعة الصراع. فقد قامت إسرائيل، في النهاية، بتعبئة حوالي 86000 من جنود الاحتياط لعملية "الجرف الصامد". في غضون 36 ساعة من الاستدعاء.
وعلى إثر تمركز ألوية جيش الاحتلال الإسرائيلي في منطقة غلاف غزة، على مقربة من الحدود، تعرضت القوات لخسائر تكتيكية بسبب إطلاق القذائف الصاروخية، والهاون، والصواريخ، وعلى عكس المناطق الحضرية، لم تكن بعض الوحدات مزودة بصفارات الإنذار المتنقلة لتنبيه الجنود بنيران الصواريخ القادمة غير المباشرة، وكان هذا الأمر ثغرة أثّرت في الجاهزية ولم تستطع "إسرائيل" معالجتها حتى نهاية الحرب. ومع ذلك، أسفر التمركز الأمامي للقوات أيضاً عن فوائد تكتيكية. فبمجرد تمركز القوات في المواقع، تستطيع الألوية التعرف على مناطق عملياتها عن كثب وتكتيكات القتال أرض الميدان.
الحروب الهجينة والدروس المستفادة:
أبرزت التجارب الإسرائيلية في الصراعات ضد حزب الله وحماس (العدو الهجين بحسب المصطلح الإسرائيلي) ظهور نوع آخر من الأعداء ستواجه قوات النخبة الإسرائيلية.والتهديد الهجين عبارة عن توليفة متنوعة وحيوية من القوات النظامية التي تخضع للقانون والتقاليد والأعراف العسكرية، أو غير النظامية التي تعمل دون قيود في استخدامها العنف أو تحديد الأهداف.قد تشمل القوات الهجينة جهات حكومية فاعلة يمكن أن تستخدم قوات تقاتل بالوكالة، أو جهات فاعلة غير حكومية قادرة على تطبيق أنماط من الحرب طويلة الأمد باستخدام مفاهيم وإمكانات بالغة التطور مستفيدة من أوجه الضعف الملموسة مما يجعلها فعالة بشكل خاص.
تظهر عمليات "إسرائيل" منذ حرب لبنان 2006، مروراً بعملية "الجرف الصامد"، وصولاً إلى عملية "السيوف الحديدية" التحديات العملانية التي قد تواجهها القوات المشتركة (المتعددة الأذرع)، ومن هذه التحديات:
كثافة الصواريخ والقذائف.
استخدام أنظمة الدفاع الجوي (محمولة/ MANPADS، وغير محمولة/ طويلة المدى).
أنظمة الطائرات بدون طيار.
الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات.
قد تفرض مواجهة هذا النوع من الأعداء تغييرات في طرق قتال القوات المشتركة، مثل تقييد استخدام الطائرات المروحية والدعم الجوي الوثيق على ارتفاع منخفض. كما أنها تكشف المخاطر المفروضة على القوات المشتركة من أسلحة المواجهة مثل القذائف والصواريخ الموجهة المضادة للدبابات.
تتطلب هذه التحديات إمكانات ومفاهيم جديدة، وهو الأمر الذي تعلمه الإسرائيليون من حرب لبنان 2006، ولذلك يسهم تكيف "إسرائيل" في مواجهة الجبهات الهجينة، كما ظهر في عمليتي الرصاص المصبوب والجرف الصامد، في جهود تطوير القوات الأميركية، وغيرها من الجيوش الغربية.
يتطلب هذا النوع من التحديات، من الناحية التكتيكية، تنفيذ عمليات من قبل القوات المشتركة بشكل متكامل لشل سلاح الأعداء وتعطيلها (قذائف وصواريخ أرض - أرض، مدفعية، هاون، صواريخ مضادة للدبابات، وأنظمة دفاع جوي) وكذلك سيحتاج الأمر إلى إمكانات ونماذج جديدة لتنفيذ العمليات في المناطق المأهولة بالسكان والأرض الوعرة.
يفرض هذا النوع من القتال أيضاً تحديات "القتال القانوني" (يصبح فيه القانون الدولي أداة من أدوات الصراع) في ظل نموذج من وسائل الإعلام الجديد. في مثل هذا القتال الذي تكون فيه التصورات العامة ذات أهمية خاصة تسعى الجيوش إلى التحكم في سرد الأخبار.
تتكون مساحة قطاع غزة من 360 كيلومتر مربع من السهول المتموجة والمستوية، تغطيها الرمال والكثبان، وهي أكبر بقليل من ضعف حجم واشنطن العاصمة.تشارك هذه القطعة من الأرض حدودها مع مصر بطول 13 كلم، ومع الكيان الصهيوني بطول 59 كم. ويمتد شريطها الساحلي على البحر المتوسط بطول 40 كم.ويعد قطاع غزة من أكثر المناطق المكتظة بالسكان حول العالم، حيث يبلغ تعداد سكانه قرابة المليونين، أو ما يقارب ثلاثة أضعاف سكان واشنطن العاصمة.
عملية الرصاص المصبوب
في 25 كانون الأول/ ديسمبر 2008، أطلقت حماس وابلاً من القذائف، الأمر الذي استغلته "إسرائيل" لتبدأ حرب غزة الأولى. كان الهدف من الرصاص المصبوب (تهيئة الظروف لتحقيق حالة أمنية أفضل في جنوب "إسرائيل").عملت "إسرائيل" في هذه الحرب من أجل تدمير حماس في هذه الحرب والحد من الهجمات الصاروخية، كما وتعزيز الردع الإسرائيلي.ولتحقيق تلك الغاية، أطلق الكيان الصهيوني حملة جوية ضخمة ضد أهداف محددة مسبقاً ضد حركة حماس.
في 3 كانون الثاني/ يناير 2009 أرسلت تل أبيب قوات ودبابات وناقلات جند مدرعة، مدعومة بفرق مدفعية برية إلى غزة من أجل تدمير مواقع إطلاق الصواريخ.وفي محاولة لإظهار كفاءة قواتها القتالية، أعلن الكبنيت في 11 كانون الثاني/ يناير 2009، استدعاء قوات الاحتياط، لتبدأ "إسرائيل" حملة برية استمرت طيلة أسبوع، بالتزامن مع غارات جوية وبرية على جنوب قطاع غزة. لم تكن حماس وقتها متأهبة للتعامل مع الاستخدام المفرط للنيران من قبل الجيش الإسرائيلي، فتمكن الإسرائيليون من إبعاد القوات المقاتلة من حماس والفصائل الفلسطينية إلى مواقع قتالية دون المستوى الأمثل.
عموماً لم تواجه "إسرائيل" إلا مقاومة محدودة خلال هذه الحرب، وبقي قادة حماس في مواقع محصنة خلال القتال. وفي 17 كانون الثاني/ يناير 2009، أعلنت "إسرائيل" وقف القتال من جانب واحد بعدما صادق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على تنفيذ القرار رقم 1860.
عملية عمود السحاب:
في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، بدأت "إسرائيل" عملية عمود السحاب في جولة استمرت ثمانية أيام. انتهجت "إسرائيل" في تلك الحرب استراتيجية "جز العشب" باعتبارها استراتيجية استنزاف معدة من أجل إضعاف قدرات العدو، وإيجاد فترات من الهدوء أطول من أي وقت مضى.
ووفقاً لعقيدة الأمن القومي الإسرائيلي المعدلة، كانت تلك الحرب جزءاً من استراتيجية طويلة المدى لتحقيق "ردع متراكم" تؤدي في نهاية المطاف إلى توقف كامل للهجمات من قبل الفصائل الفلسطينية.
أهداف عملية عمود السحاب:
حدد إيهود باراك، وزير الحرب آنذاك، ثلاثة أهداف رئيسية للعملية في بيان صدر في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012. الأول: رغبة "إسرائيل" في استعادة الردع الذي تم تحقيقه بعد عملية الرصاص المصبوب. الثاني: تقليل قدرة حماس والفصائل الأخرى على إطلاق الصواريخ نحو سكانها المدنيين. كان لدى حماس والمنظمات الأخرى غزة 15000 صاروخ من مختلف الأحجام والنطاقات. غير أن المخيف بالنسبة للإسرائيليين، كان يتمثل في امتلاك حماس لعدد من صواريخ فجر - 3 وفجر-5 (إيرانية الصنع)، بمدى يبلغ 47 ميل، يكفي للوصول إلى تل أبيب والمناطق الأخرى المأهولة بالسكان وسط "إسرائيل". الهدف الثالث: أرادت "إسرائيل" تقليل الضرر الواقع على جبهتها الداخلية إلى الحد الأدنى.
مجريات العملية:
اعتمدت "إسرائيل" في حربها تلك على مفهوم "الصدمة والرعب" من خلال حملة جوية واسعة، مستفيدة من تكامل عمل أجهزة المعلومات الاستخباراتية مع سلاح الجو، من أجل الحد من قدرات المقاومة والتأثير على إرادة العدو للقتال.
استفاد الإسرائيليون في التجهيز لهذه الحملة من الطائرات بدون طيار التابعة للاستخبارات على مدار الساعة وطيلة أيام لإجراء مراقبة مستمرة للقطاع قبل الحرب.
وأكد تقرير إسرائيلي، وجود زيادة بنسبة 25% في عدد ضباط المخابرات العسكرية في الجيش الإسرائيلي من أجل "المساعدة في مراقبة الساحات الاستراتيجية الجديدة بصورة أفضل". ووفقاً لما ذكره الجنرال يائير غولان الذي يشغل منصب نائب رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي في خطاب قبل بضع سنوات في مؤتمر عام، كان أفراد العمليات الخاصة موجودين في غزة في الفترات التي تخللت العمليات وقد اكتشفوا الحفر التي تضع فيها حماس الصواريخ.
في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، أي اليوم التالي لبدء "إسرائيل" للحملة، وافق "المجلس الوزاري المصغر" على استدعاء 30000 من جنود الاحتياط. في صباح اليوم التالي، قام رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي بيني غانتس تعبئة 16000 من هؤلاء، معظمهم من سلاح المهندسين التابع لجيش الاحتلال الإسرائيلي لتسهيل حركة القوات المدرعة عبر حدود غزة وتشكيل فرق الاستطلاع. وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، طلب غانتس تفويضاً من باراك بزيادة العدد إلى 75000 وهو ما وافق عليه مجلس الوزراء مساء يوم 16 تشرين الثاني/ نوفمبر بعد مناقشة استمرت ثلاث ساعات جراء وضع العملية البرية في غزة قيد النقاش. في النهاية، حشدت "إسرائيل" ما مجموعه 57000 من جنود الاحتياط. كان أكبر بعدة مرات من حملة استدعاء جنود الاحتياط في عملية الرصاص المصبوب.
واصلت "إسرائيل" استدعاء عدد محدود من جنود الاحتياط فور بدء الحملة لسببين. الأول يتعلق بدرس مستفاد من حرب لبنان الثانية، حيث قرر رئيس الأركان حينها، دان حالوتس، عدم استدعاء جنود الاحتياط حتى يتأكد من أنه سيحتاج إليهم بعد عشرة أيام من بدء الحملة، وبعد أن كانت الوحدات الأرضية التابعة للجيش الإسرائيلي تعمل في جنوب لبنان. الأمر الذي استغرق بعض الوقت لإشراك جنود الاحتياط ومعداتهم في القتال. وهكذا، كان المقصود من الدعوة بداية عملية عمود السحاب هو التأكد من أن القوات ستكون جاهزة في حال الحاجة إليها. ثانياً، أشار الاستدعاء أن التهديد بشن هجوم بري على غزة حقيقي حتى ولو لم يتم الاستعانة بالوحدات البرية أبداً خلال عملية عمود السحاب. الأمر الذي أدى إلى بعض الاستياء. ووفقاً لما أورده أحد المخططين الإسرائيليين، "أصيبت جميع الكتائب والألوية التي كانت تقف على الجبهة المقابلة لغزة بالإحباط بشكل أساسي لعدم مشاركتهم في الحرب".
من جهة أخرى، قامت حركة المقاومة الإسلامية حماس، خلال اليوم الثاني من الصراع، أي يوم 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، بالرد على الضربات الإسرائيلية فأطلقت صاروخ M 75 محلي الصنع باتجاه القدس، وصاروخين آخرين باتجاه تل أبيب.كان للفشل في منع إطلاق الصواريخ من غزة أيضاً تداعيات سياسية. إذ اتهمت وسائل إعلام إسرائيلية الحكومة بإهمال كيبوتسات غلاف غزة. واحتج قادة مستوطنات جنوب "إسرائيل" القريبة من غزة على ما اعتبروه تراخياً من الحكومة. وبالتالي واجهت الحكومة الإسرائيلية معضلة سياسية في أواخر عام 2012. سواء باتهامها بالتخلي عن مستوطنات غلاف غزة أو المخاطرة بشن حرب مكلفة.
القبة الحديدية أثناء عملية عمود السحاب:
كانت عملية "عمود السحاب" الحملة الأولى التي فعّلت فيها "إسرائيل" دفاعاً ضد صواريخ والقذائف. تهدف منظومة الدفاع الصاروخي الإسرائيلي إلى العمل وفق عدة طبقات. وقد ظهر دورها في عملية عمود السحاب، بعد أن حددت العقيدة الإسرائيلية الأهداف التالية من العملية: الردع، المس بقدرة إطلاق العدو للصواريخ، الدفاع النشط، الدفاع السلبي عن المباني والبنية التحتية، واعتماد نظم الإنذار المبكر للمدنيين. وقد حظي الدفاع المدني والنشط باهتمام خاص قبل عملية.
ونتيجة للمخاوف التي أعقبت عملية الرصاص المصبوب، تم وضع المزيد من الموارد في منظومة الدفاع الصاروخي النشط مع تخصيص أموال لتطوير الأنظمة بعيدة المدى الموجهة في المقام الأول لمواجهة الهديد الإيراني (آرو 2 و3، ومقلاع داوود، اللذان كانا قيد التطوير) ونظام القبة الحديدية الذي لعب هذا الدور الكبير في عملية عمود السحاب. وقد تم تطوير القبة الحديدية من قبل شركة رافائيل أدفانسد دسفنس سيستيمز بالشراكة مع شركة إلتا سيستمز وإم بريست.
يُعتبر نظام القبة الحديدية نظاماً ثنائي المهام مضاداً للصواريخ والمدفعية وقذائف الهاون (C-RAM) ونظام دفاع جوي للمدى القصير جداً (V-SHORAD) ويهدف إلى التصدي للقذائف الصاروخية التي يتراوح مداها من 7 إلى 70 كلم.
يشتمل نظام القبة الحديدية الكامل على رادار متعدد المهام (MMR) تدعمه أجهزة استشعار (تشمل أجهزة استشعار أرضية ومناطيد جوية) ووحدة قيادة وتحكم وبطارية صواريخ اعتراضية من نوع تامير، ويجب أن تعمل كل هذه المكونات معاً حتى يعمل النظام بشكل صحيح.
يقول المحللون العسكريون أن نظام الدفاع الجديد نجح في اعتراض 421 صاروخاً، تاركاً 58 صاروخاً فقط لتسقط في المناطق المأهولة بالسكان، بمعدل نجاح بلغ حوالي 85%. ومع ذلك، يستشهد بعض النقاد ببيانات من تقارير الشرطة الإسرائيلية تشير إلى سقوط عدد كبير من الصواريخ يصل إلى 109 صواريخ في المناطق الحضرية.
فقد كان لعملية عمود الدفاع تأثير مهم على الحوار الدائر في الجيش الإسرائيلي حول ما إذا كان يجب التركيز على القوة الجوية أو القوات البرية في وقت كانت فيه ميزانية الدفاع منخفضة في آب/ أغسطس 2012.
في أعقاب عملية عمود السحاب، برزت الحجة القائلة بأن القوة الجوية يمكن أن تحقق أهداف الحرب دون الحاجة إلى القوات البرية، وقد انعكس ذلك في خطة دفاع توزاح Teuzah الإسرائيلية لمدة خمس سنوات، والتي خضعت للمراجعة في صيف عام 2013. كما أن الخطة تسببت في تقليل تركيز الجيش الإسرائيلي على الحرب التقليدية واسعة النطاق، أي القوات البرية، والتي تم تخفيض نصيبها من الموازنة "بشكل كبير".
أسئلة ما بعد عمود السحاب: "الصدمة والرعب" استراتيجية فاشلة؟
وفقاً للرواية الإسرائيلية، حققت الضربات الجوية مطلع عملية "عمود السحاب" بعض النجاح والمفاجأة. لكن ومع استمرار العملية، "لم تكن هناك الكثير من الأهداف القيّمة لضربها" يقول الإسرائيليون. فأصبح السؤال كالتالي: بعد الصدمة الأولية، ماذا تُقدم القوات الجوية الإسرائيلية للاعتماد عليه؟ وماذا لو استمرت العملية لفترة أطول من المخطط لها؟ ما الأهداف التي يجب ضربها؟
عملية "الجرف الصامد"
انطلقت عملية الجرف الصامد في 8 تموز/ يوليو 2014، بعدما استهدف سلاح الجو الإسرائيلي 223 هدفاً في قطاع غزة و326 في اليوم التالي. شن سلاح الجو طيلة أيام المعركة (9 أيام) أكثر من 1700 غارة جوية. بمعدل 190 غارة في اليوم. (250 غارة في الأيام الأربعة الأولى، ثم 167 غارة يومياً في الأيام الخمسة المتبقية قبل الهجوم البري).
فيما تراوح معدل إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون الفلسطينية على بين 115 و177 في اليوم. ونتيجة لذلك، تبنّت "إسرائيل" استراتيجية الاستنزاف التدريجي للبنى التحتية العسكرية الخاصة بحماس، بعدما تبين لها أنها غير قادرة على القيام بضربة قاضية حاسمة. كما أدت الحاجة إلى تحييد الأنفاق إلى تحويل عملية الجرف الصامد من حملة جوية بالأساس إلى توغل بري محدود. وتحتم على جيش الاحتلال الإسرائيلي تحديد نقاط بداية الأنفاق. ما يعني التوغل مسافة 3 كلم تقريباً داخل غزة.
معركة حي الشجاعية:
كان في الحي بحسب التقديرات الإسرائيلية حوالي 800 إلى 900 مقاتل من حماس، كما أن 8% من الصواريخ كانت قد انطلقت منه، وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي يعتقد أن فيه ستة أنفاق. وبالتالي أدرك جيش الاحتلال الإسرائيلي أن السؤال يدور حول متى سيتعين عليه دخول الحي - وليس حول ما إذا كان يحتاج إلى ذلك. وفي نهاية الأمر، وقعت المهمة على كاهل اللواء جولاني 1، في واحدة من أشرس المعارك وأكثرها إثارة للجدل في الحرب.
خطّط الجيش الإسرائيلي لإرسال كتيبتين من لواء جولاني إلى الشجاعية في عملية استفزازية، لإجبار قوات المقاومة إلى الظهور. أقرت قيادة الجيش بأن المهمة ستكون مهمة صعبة، الأمر الذي جعلها تختار لواء جولاني لتنفيذها، حيث ذاع صيته بأنه وحدة "لا تطرح أسئلة وتقاتل بضراوة وتنجز المهمة". كما اختار الجيش لواء مشاة جولاني بدلاً من المدرعات لأنهم كانوا بحاجة أكبر إلى عدد من الجنود المترجلين للبحث عن الأنفاق.
انطوى اختيار لواء جولاني على مواطن قصور كبيرة، ولم يتم إدراك ذلك إلا متأخراً. فقد كان قائد اللواء جديداً في منصبه. فافتقر إلى الكاريزما واصطدم مع رؤسائه طبقاً لعدد من الصحافيين. كما حاز اللواء على عدد غير كاف من ناقلات الجند المدرعة من نوع "نامر"، مما أجبر بعض القوات على الاعتماد على مركبات إم-113 الأقدم. وفي هذا الخصوص، ربما يكونوا قد خدعوا بالشجاعة الأسطورية للواء جولاني. وبينما أخبر جندي من لواء جولاني أحد الصحافيين في وقت لاحق أنه كان يمكنهم خوض المعركة باستخدام أي شيء، "حتى وإن كانت سيارة لعبة للأطفال"، فقد ثبت أن نقص المدرعات كان مهلكاً في النهاية. كما واجه جولاني مشكلات عملياتية. وأدى حدوث خلاف بين قيادة المنطقة الجنوبية وهيئة الأركان العامة حول استعداد القوات وتوقيت العملية إلى تأخير الهجوم لمدة يوم، الأمر الذي منح حماس وقتاً إضافياً للاستعداد.
ناورت وحدات أخرى في الفرقة 36 في مناطق أخرى على طول السياج قرب غزة كجزء من جهود الخداع لمنح لواء جولاني قدراً من المفاجأة التكتيكية. وعلى الرغم من ذلك، فشلت عملية الخداع. وبعد عدة أيام من التحذيرات، كانت حماس مستعدة لهجوم جولاني بالفعل. وأثناء عبور لواء جولاني لخط السياج، فُتحت عليهم النار. وجُرح اثنان من ثلاثة قادة فصائل في سرية الكتيبة الرئيسية، غير أن السرية استمرت في التقدم.
واجه لواء جولاني، في الداخل، مقاومة شرسة - معظمها من أسلحة صغيرة، وقاذفات صاروخية عديمة الارتداد (آر.بي.جي)، وصواريخ مضادة للدبابات - والتي تحولت في نهاية المطاف إلى تبادل لإطلاق النار لمدة سبع ساعات. وبسبب تعطل إحدى مركبات الأم 113، ومع بقاء فريق المركبة فيها، قُتل سبعة جنود في استهداف مباشر بصاروخ مضاد للدروع. وخلال عملية الإجلاء وأثناء تدمير المنازل، استمرت خسائر جيش الاحتلال الإسرائيلي في الازدياد. بالإضافة إلى ذلك أُصيب قائد اللواء وقائدي كتائب، واستلزم ذلك إجلاء قائد اللواء إلى المستشفى.
في 21 تموز تنكّر 12 مقاتلاً من حماس وخرجوا من نفق داخل الأراضي المحتلة بالقرب من كيبوتس نيرعام وسديروت، فاشتبكوا مع الجنود الإسرائيليين وقتلوا 4 منهم. كما اشتبك جنود الكتيبة 931 التابعة للواء ناحال مع عناصر من حماس في 25 تموز/ يوليو، في عملية أطلق عليها 17 دقيقة من الجحيم.
في مدينة غزة واجه لواء 401 ولواء ناحال، هجمات بصواريخ موجهة مضادة للدبابات ونيران قناصة متفرقة، أثناء البحث في المنطقة عن أنفاق عابرة للحدود ومنصات إطلاق الصواريخ. وأشار الجنود الذين قاتلوا في هذه المنطقة أنهم نادراً ما رأوا مقاتلي حماس الذين يطلقون عليهم النيران.
دروس مستفادة من عملية "الجرف الصامد":
شهدت عملية "الجرف الصامد" تحسينات في القدرة الاستخباراتية التكتيكية لجيش الاحتلال الإسرائيلي. إذ تحسنت الأقسام الاستخباراتية بالألوية وتوسعت بصورة لافتة، في الفترة الممتدة بين عملية الرصاص المصبوب عام 2009 وعملية "الجرف الصامد" عام 2014. بالإضافة إلى ذلك، كانت الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع أكثر تركيزاً خلال عملية "الجرف الصامد"، إذ تمكن قادة الكتائب من الاطلاع على المعلومات والبيانات من الطائرات بدون طيار مباشرة.
ارتفع معدل تأييد نتنياهو، إبان انطلاق المرحلة البرية لعملية الجرف الصامد، من 57% إلى 82% في 24 تموز/ يوليو، حتى بعدما شارك جيش الإسرائيلي في بعض أكثر المعارك دموية خلال الحملة، ونخص بالذكر معركة الشجاعية.
سؤال اليوم
لطالما كان السؤال لدى المستوطنين الإسرائيليين مرتبطاً بغزّة ومستقبلها، وفي كل مواجهة مع حماس كان النقاش في ما إذا ما كان ما يجري حرباً أو معارك موضعية تدفعها إسرائيل كفواتير بعد خروجها من غزة عام 2005. لكن ردة الفعل اليوم لن تكون كما سابقاتها، هذا ما يفسره التباطؤ الإسرائيلي في تلقي صدمة عملية طوفان الأقصى واتخاذ قرار التدخل البرّي.
حاولنا في هذه المطالعة الإضاءة على أبرز خطوط الصراع بين جيش الاحتلال وحركة حماس، خصوصاً فيما يتعلق بالتدخّل البري. عناوين الشارع الإسرائيلي فيما يتعلق بالحروب على غزّة كانت ( إفراط الجيش في العنف وفشله في السياسة)، أما اليوم فرقعة الأسئلة امتدت لتطال سؤال ( أصل الوجود الإسرائيلي
فلسطين).
Related Posts
كاتب لبناني