Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

لسنوات خلت، شكل الدفاع الصاروخي أحد القضايا الرئيسية في النقاش الإسرائيلي حول الأمن العسكري. المشكلة صارت ملحّة بعد الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة عام 2005، ومع استمرار إطلاق الصواريخ قصيرة المدى من قبل كل من حماس والجهاد الإسلامي

هيئة التحرير

حول الدفاع الصاروخي الإسرائيلي

لسنوات خلت، شكل الدفاع الصاروخي أحد القضايا الرئيسية في النقاش الإسرائيلي حول الأمن العسكري. المشكلة صارت ملحّة بعد الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة عام 2005، ومع استمرار إطلاق الصواريخ قصيرة المدى من قبل كل من حماس والجهاد الإسلامي.

 بدأ تطوير نظام الدفاع الصاروخي في "إسرائيل" خلال ثمانينيات القرن الماضي، عندما وقعت تل أبيب وأميركا مذكرة تفاهم بشأن تطوير نظام اعتراض ضد الصواريخ بعيدة المدى.

إلا أن الفكرة الإسرائيلية سرعان ما تطورت من التركيز على التهديدات بعيدة المدى، إلى التهديدات قصيرة المدى، ثم إلى مفهوم نظام دفاعي متعدد الطبقات يتكون من أنظمة مختلفة مسؤولة عن الدفاع ضد الصواريخ بعيدة المدى والصواريخ قصيرة المدى، فضلاً عن قذائف الهاون. تسمع النظرة المتعمقة في هذا المفهوم المركّب باستكشاف تطور أولويات الدفاع الإسرائيلي في بيئة أمنية مضطربة.

من هنا، يقدم هذا البحث تصوراً حول الاتجاهات الرئيسية لتطوّر مفهوم الدفاع الصاروخي الإسرائيلي خلال العقود الثلاثة الماضية (1991 - 2020). كما يحاول تحديد العناصر الرئيسية لمفهوم الدفاع الصاروخي ودوره في تشكيل استراتيجية "الدفاع" الإسرائيلية عامة.

العناصر الرئيسية لنظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي:

يمكن إرجاع بدايات مشروع الدفاع الصاروخي الإسرائيلي بشكله الحالي إلى عام 1991 وحرب الخليج الأولى، عندما أطلق العراق 39 صاروخ سكود على المدن الإسرائيلية. أداء نظام الدفاع الصاروخي "باتريوت"، الذي استخدم لأول مرة في "إسرائيل" خلال ذاك الهجوم، تم انتقاده على نطاق واسع بسبب فعاليته المنخفضة نسبياً. وفي أعقاب هذا النقاش، تم إنشاء منظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية (IMD0) كقسم داخل مديرية أبحاث وتطوير الدفاع في وزارة الحرب الإسرائيلية. وأصبحت هيئة إدارية رائدة مسؤولة عن تطوير مفهوم الدفاع الصاروخي الوطني الذي يمكن أن يستجيب بشكل مناسب للاحتياجات الأمنية الخاصة "لإسرائيل". في الوقت نفسه، تم تنفيذ استراتيجية وطنية جديدة للدفاع الصاروخي طويلة الأمد، وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، تعاونت منظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية بشكل وثيق مع وكالة الدفاع الصاروخي الأميركية (MDA) وحصلت على تمويل مشترك من برنامج المساعدات العسكرية الأميركية، الأمر الذي أدى إلى أن تكون جميع منصات الدفاع الصاروخي المنتشرة حالياً في فلسطين المحتلة نتاج إسرائيلي- أميركي بالكامل.

يتألف مفهوم الدفاع الصاروخي الإسرائيلي من ثلاثة أنظمة متكاملة مضادة للصواريخ الطويلة والمتوسطة وقصيرة المدى، فضلاً عن قذائف المدفعية. ويتكون من ثلاث طبقات رئيسية:

1- الطبقة المنخفضة: القبة الحديدية.

2- الطبقة المتوسطة: مقلاع داوود.

3- الطبقة العليا: السهم 2، والسهم 3.

 

القبة الحديدية:

تم تصميم منظومة القبة الحديدية من قبل شركتي رافائيل للأنظمة الدفاعية المتطورة وإسرائيل للصناعات الجوية والفضائية. وقد بدأ تطوير النظام الجديد في أعقاب حرب لبنان الثانية (2006)، عندما تم إطلاق حزب الله عدداً غير مسبوق من الصواريخ والقذائف المدفعية على الكيان الصهيوني، إذ تم إطلاق أكثر من 4000 قذيفة صاروخية على شمالي البلاد، مما دفع بالمستوطنين للبقاء في الملاجئ طيلة أيام القتال. لم يكن نظام الدفاع الإسرائيلي المضاد للصواريخ وقتذاك مهيأً لوقف إطلاق الصواريخ قصيرة المدى المستمر. وقد خلق ذلك إحساساً بالضعف لدى السكان وأثار نقاشاً حول الحاجة الملحة لحل لهذه المشكلة. وعلى مدار العقد الأخير، ظل إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون قصيرة المدى من قطاع غزة هو التهديد الأكثر تواتراً على أمن المستوطنين الإسرائيليين، لا سيما أولئك الذين يقيمون في ما يسمى مستوطنات "غلاف غزة" (وهي مناطق مأهولة بالسكان على بعد 7 - 10 كم من حدود غزة). وكرد على التهديد الصاروخي الكبير من جنوب لبنان وقطاع غزة، بدأ برنامج تطوير نظام اعتراض جديد عام 2007. صُممت القبة الحديدية حينها لاعتراض الصواريخ وقذائف الهاون في نطاق يتراوح بين 4 كم و70 كم. وقد افترضت الخطة الأولية أن تغطي بطارية واحدة ما يصل إلى 150 كم مربع.

تلقى المشروع تمويلاً كبيراً من برنامج المساعدات العسكرية الأمريكية. فوفقاً لـ J.M. Sharp، قدمت الولايات المتحدة أكثر من 1.6 مليار دولار أمريكي لـ"إسرائيل" لإنتاج القبة الحديدية وصيانتها. استغرق الأمر أقل من 5 سنوات حتى دخلت أول بطارية من بطاريات القبة الحديدية حيز التشغيل. في نيسان/أبريل 2011، اعترضت المنظومة بنجاح أول صاروخ أطلقته حماس. ومع نهاية العام، كانت القبة قد اعترضت أكثر من 1500 صاروخ وقذيفة هاون قصيرة المدى.

بحلول عام 2020، كانت تل أبيب قد نشرت عشر بطاريات قبة حديدية في جميع أنحاء فلسطين المحتلة. ضمت هذه البطاريات راداراً ميدانياً و3 أو 4 قاذفات ثابتة، و20 جهاز اعتراض من طراز تامير. والأخيرة عبارة عن بطاريات متنقلة يمكن إعادة نشرها في مناطق معينة إذا تغير الوضع الأمني. وقد تم نشر معظمها بالقرب من المراكز الحضرية الكبيرة وعلى خطوط المواجهة على الحدود الشمالية والجنوبية. وقد تم نشر نسخة بحرية من القبة الحديدية أيضاً لحماية منشآت الغاز الطبيعي الإسرائيلية قبالة الشاطئ. وبسبب ضعف دقة صواريخ الخصوم والتكاليف العالية نسبياً لإطلاق كل صاروخ من صواريخ تامير، فقد تم تصميم النظام لإطلاق الصواريخ الاعتراضية فقط على المقذوفات التي تشكل تهديداً للمناطق المأهولة بالسكان أو البنية التحتية المحمية. فإذا حدد النظام أن المقذوف سيسقط في منطقة غير مأهولة، لا يتم إطلاق الصواريخ الاعتراضية (على الرغم من تشغيله نظام الإنذار المبكر). منذ اللحظة التي دخل فيها النظام حيز التشغيل الكامل، كان هناك جدل مستمر حول فعالية القبة الحديدية الشهيرة. بعد نشر البطاريات الأولى، وصف ي. روبين (المدير السابق للمنظومة الدولية للإنذار المبكر) القبة الحديدية بأنها غيرت قواعد اللعبة: وقد أيد موقفه هذا العديد من المعلقين والسلطات العسكرية الذين زعموا أن فعالية المنظومة تتراوح بين 80 و90% خلال عملية "عمود السحاب" (بحسب التسمية الإسرائيلية) عام 2012، وعملية "الجرف الصامد" (بحسب التسمية الإسرائيلية أيضاً) عام 2014، ومن ناحية أخرى، أعرب العديد من الخبراء والمراقبين عن حذرهم من البيانات الصادرة حول فعالية الاعتراض.

 

مقلاع داوود:

نظام مقلاع داود (المعروف سابقاً باسم العصا السحرية) هو المستوى الأوسط من بنية الدفاع الصاروخي متعدد الطبقات. وقد تم تطوير النظام بالاشتراك بين شركة رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة وشركة رايثيون لمواجهة الصواريخ متوسطة المدى (من 40 كم إلى 300 كم). وعلى غرار مشروع القبة الحديدية، ساهمت الولايات المتحدة بأموال كبيرة في تطوير مقلاع داود. ووفقاً لتقرير أعده ج. م. شارب، تلقى المشروع بحلول عام 2019 أكثر من 1.8 مليار دولار أميركي من المساعدات العسكرية الأمريكية.

بدأ تطوير النظام عام 2006 كرد فعل على التهديد الصاروخي المحتمل من لبنان وسوريا وإيران. كان الهدف من مقلاع داوود أن يحل محل أنظمة باتريوت الأمريكية القديمة ومنظومة هوك MIM-23. وبعد بضع سنوات من الاختبارات، تم نشر البطاريات الأولى عام 2017 مع إعلان بدء تشغيل النظام. وفي 23 تموز/يوليو 2018، تم تفعيلها لأول مرة بعد إطلاق صاروخين من سوريا. وقد صرح قائد كتيبة مقلاع داود في مقابلة صحفية أن "البطارية الاعتراضية والرادار لا يتم نشرهما بالقرب من المنطقة أو المدينة التي تتم حمايتها، حيث أن الغلاف الواقي لمنظومة مقلاع داود يغطي جميع أنحاء البلاد".

سدت المنظومة كامل أراضي "إسرائيل" كما سدت الفجوة بين القدرات قصيرة المدى للقبة الحديدية والدفاع الصاروخي بعيد المدى الذي توفره منظومة السهم/ الآرو. وعلى الرغم من أنه لم يتم اختباره في القتال بشكل متكرر مثل القبة الحديدية، إلا أن المراجعات الأولية كانت إيجابية بحسب الإسرائيليين. فقد ثبت أن صاروخ "ستونر" المستخدم كصاروخ اعتراضي لمنظومة مقلاع داوود قد اعترض ودمر بنجاح 92% من الصواريخ الباليستية قصيرة المدى أو تلك الثقيلة المتوسطة المدى.

نظام الدفاع الصاروخي "آرو/ السهم":

تشكل ثلاث إصدارات من نظام الدفاع الصاروخي "السهم" المستوى الأعلى من الدفاع الصاروخي متعدد الطبقات. وقد بدأ تطوير هذا النظام قبل وقت قصير من هجمات سكود العراقية عام 1991. بعد الاختبارات القتالية عام 1990، تم إدخال أول نظام دفاع صاروخي مضاد للصواريخ الباليستية من طراز السهم في أعقاب حرب الخليج الأولى. وفي عام 1995، اشتركت شركة الصناعات الجوية والفضائية الإسرائيلية وشركة بوينغ الأمريكية في إنتاج نسخة جديدة من النظام "السهم – 2" وبدأتا في اختبارها، وهي قادرة على اعتراض الصواريخ الباليستية المتوسطة إلى البعيدة المدى.

ووفقاً للمصادر الإسرائيلية، شهدت المنظومة أول ظهور تشغيلي لها في 17 آذار/مارس 2017، عندما اعترضت بنجاح صاروخاً سورياً من طراز SA-5 (على الرغم من أنه لم يكن مصمماً في الأصل لمكافحة الصواريخ المضادة للطائرات). وقد تم الإعلان عن أحدث نسخة من المنظومة، والتي تحمل الاسم الرمزي السهم - 3، عام 2017، وهي بمثابة الطبقة العليا من منظومة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية، حيث يبلغ مدى طيرانها أكثر من 2400 كم. ووفقاً لتصريحات وزارة الحرب الإسرائيلية، فإن قدرات نظام السهم - 3 تمكّنه من اعتراض الصواريخ الباليستية الأطول مدى والأعلى ارتفاعاً، مقارنة بالنسخة السابقة. وشاركت الولايات المتحدة في تمويل برنامج السهم منذ التسعينيات، حيث قدمت أكثر من 3.5 مليار دولار أميركي للمشروع.

تشكّل العناصر الثلاثة مجتمعةً واحدة من أكثر منظومات الدفاع الصاروخي تعقيداً وتطوراً من الناحية التكنولوجية في العالم. القبة الحديدية، ومقلاع داود، و"السهم – 2" و"السهم – 3" المنتشران حالياً، بالإضافة إلى بطاريات باتريوت المتبقية، تمكّن الكيان من الدفاع عن أراضيه المحتلة من تهديدات الصواريخ والقذائف في نطاق يتراوح بين 4 كم و2400 كم. ومن المفارقات أن الصواريخ قصيرة المدى وقذائف الهاون لا تزال مشكلة لم تُحل بعد. وعلى الرغم من قدرة نظام القبة الحديدية على اعتراض الصواريخ قصيرة المدى في غضون 15 ثانية تقريباً، إلا أنه يواجه مشكلة الصواريخ وقذائف الهاون قصيرة المدى للغاية التي تطلق بشكل متكرر من قطاع غزة على البلدات والمستوطنات الريفية المحاذية للحدود. فالمسافة بين القطاع وأقرب المواقع التي يمكن أن تصل إليها قاذفات الصواريخ المعادية أقل من 2 كم، مما يعني أن وقت الرد ليس دائماً طويلاً بما يكفي لاكتشاف التهديد وتفعيل صواريخ القبة الحديدية.

صحيفة الخندق