نَشر يوم أمس، معهد دراسات الأمن القومي ما يُسمى بـ"خطة الجنرالات"، التي رفعها عدد من الجنرالات (برتبة لواء وما فوق) إلى نتنياهو ضمن مجموعة خطط تطرحها الأوساط الأمنية لالتماس مخرج من المستنقع الغزي، وفي سياق التفكير بـ"اليوم التالي" للحرب على القطاع. بدأ الحديث عن الخطة مطلع أيلول/ سبتمبر الماضي، وفي التالي، تعرض الخندق لأهم بنود هذه الخطة ومعالمها الرئيسة
خطة الجنرالات للحرب على غزة
بدأ الحديث عن "خطة الجنرالات" مطلع أيلول/ سبتمبر الماضي، ويوم أمس نَشر معهد دراسات الأمن القومي تفاصيل عن الخطة التي رفعها عدد من الجنرالات (برتبة لواء وما فوق) إلى نتنياهو ضمن مجموعة خطط تطرحها الأوساط الأمنية لالتماس مخرج من المستنقع الغزي، وفي سياق التفكير بـ"اليوم التالي" للحرب على القطاع. وفي التالي، تعرض الخندق لأهم بنود هذه الخطة ومعالمها الرئيسة، نقلاً عن معهد دراسات الأمن القومي، وما نشره كل من أودي ديكل، وتامي كينر بتاريخ 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2024.[1]ا
***
تقوم الخطة بشكل رئيس على دعامتين رئيسيتين: الأولى: السيطرة على شمال قطاع غزة وإخلائه من السكان المدنيين. والثانية، فرض حصار على شمال قطاع غزة كخطوة ضرورية لاستعادة الأسرى الإسرائيليين وتقويض القوة العسكرية والسياسية لحركة حماس. تؤكد الخطة على فشل الاستراتيجية المتبعة حتى اللحظة من أجل تحرير الأسرى، وبأن استمرار الضغط العسكري بصيغته الحالية، لن يحقق الهدف المطلوب.ا
إن عدم تمكن الجيش الإسرائيلي من تنفيذ عمليات إضافية من شأنها أن تساهم في تحقيق أهداف الحرب، مثل تدمير القدرات العسكرية والسياسية لحركة حماس، وتطويق مناطق القتال وإجلاء السكان من المناطق الحيوية لاستمرار القتال بشكل كامل، فضلاً عن فرض حصار كامل على شمال القطاع، وتحديد آلية واضحة لتوزيع المساعدات الإنسانية، كلها أمور تحول دون انتزاع نصر واضح ومطلق على حركة حماس التي تستمر بسيطرتها على القطاع مدنياً وعسكرياً. واللافت في مقاربتهم إجماعهم على أن هناك فجوة بين الوضع القتالي في غزة على الأرض من جهة، والإنجازات على المستويين السياسي والعسكري من جهة أخرى. كما أن هناك تقديراً ناقصاً لقدرة حماس على إعادة بناء قدراتها العسكرية والسياسية، وهذا أخطر ما يواجه "إسرائيل".ا
المعالم الرئيسية للخطة:ا
يجمع الجنرالات على أن هناك أربعة موارد تُمكّن "حماس" من الاستمرار في البقاء: المال، والعناصر البشرية، والإمداد اللوجستي، والحافز. فيما تتمثل الطريقة الوحيدة لإضعاف قدرة "حماس" على إعادة بناء نفسها من خلال فرض حصار على الحركة في شمال القطاع. إن مثل هذا الحصار سيضغط على حركة حماس من دون أن يُفضي لانتهاك القانون الدولي. وعليه، سيطلب جيش (الاحتلال) الإسرائيلي من سكان شمال القطاع، الذين يبلغ عددهم نحو 300 ألف شخص، الانتقال إلى جنوب القطاع في غضون أسبوع تقريباً، عبر ممرَّين إنسانيَّين.ا
بعد إتمام عملية الإخلاء، سيُعلَن شمال قطاع غزة منطقة عسكرية مغلقة، وسيُفرض عليها حصار كامل، بما في ذلك منع دخول الإمدادات، مثل الغذاء، والماء، والوقود. ولن يُرفع الحصار إلّا إذا استسلم نحو 5000 مقاتل من حركة حماس وألقوا أسلحتهم.من المحتمل أن يؤدي هذا الحصار إلى الدفع باتجاه التوصل إلى صفقة لتحرير الأسرى. فوفقاً للخطة، إن إجلاء السكان من شمال القطاع وفرض حصار على المنطقة سيجعلان استسلام "حماس" أقرب من أي وقت مضى. فإذا ما اختار يحيى السنوار مواصلة القتال، يمكن تنفيذ خطة مماثلة في مناطق أُخرى، مثل رفح ومخيمات اللاجئين في وسط القطاع.ا
أهداف الخطة:ا
أولاً: عودة الأسرى
وفقاً للخطة، إن منع الإمدادات عن "حماس" (كالغذاء والماء والوقود) هو ما أدى إلى التوصل إلى صفقة تحرير الأسرى في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2023. هذا الادعاء غير مؤكد: لقد كان منع الإمدادات مجرد واحد من الاعتبارات لدى "حماس"، وربما لم يكن هو الاعتبار الرئيسي، وكان الدافع الرئيسي إلى موافقة التنظيم على إطلاق سراح الأسرى في ذلك الوقت، هو الانتقادات الحادة التي واجهها من الرأي العام العربي، ومن الدول العربية، على خلفية مشاهد "مجزرة" 7 تشرين الأول/ أكتوبر واحتجاز النساء والأطفال وكبار السن، فضلاً عن مصاعب الاستمرار في نقل وإخفاء عدد كبير من الأسرى. لذلك، لا توجد أدلة تدعم افتراض أن الحصار والتجويع في القطاع سيؤديان فعلاً إلى تحرير الأسرى. علاوةً على ذلك، تنطوي الخطة على خطر محتمل على الأسرى الذين سيكونون أول مَن سيُحرَم من الطعام والماء (وبعضهم محتجز أيضاً في شمال القطاع) عندما يتفاقم النقص في الإمدادات داخل القطاع. ا
ثانياُ: تقويض حركة حماس
لا ضمانة لاستسلام مقاتلي "حماس" بسبب التجويع. إذ سيظل عدد كبير من مقاتلي الحركة على قيد الحياة في شمال قطاع غزة معتمدين على المخزون الذي ادخره التنظيم. وعلى ما تحتويه الملاجئ الإنسانية من مُؤَن. ومن المرجح أن يستغل بعض المقاتلين حركة نزوح السكان جنوباً للتسلل إلى جنوب محور نتساريم بغطاء مدني. ثم سينضم هؤلاء إلى وحدات المقاومة وحرب العصابات في مناطق أُخرى من القطاع.ا
بشكل عام لا تقدم الخطة حلاً للوضع الحالي، فحركة حماس قادرة على إعادة بناء نفسها من خلال تجنيد مقاتلين جدد في صفوفها، والحفاظ على الأسلحة وإخفائها، والاختفاء تحت الأرض واندماج قوات القسام في صفوف السكان المدنيين؛ ثم السيطرة على عملية توزيع الغذاء للسكان بصورة عامة وللنازحين في الملاجئ، كما وإعادة السيطرة على جميع المناطق التي ينسحب منها جيش (الاحتلال) الإسرائيلي.ا
مشكلات وقيود ستعيق تنفيذ الخطة:ا
يُعتبر فرض الحصار على قوات العدو مشروعاً، وفقاً للقانون الدولي، بشرط منح السكان المدنيين فرصة معقولة لمغادرة المنطقة عبر ممرات آمنة قبل فرض الحصار. وخطة "الجنرالات" تفترض إجلاء كل سكان منطقة شمال القطاع الذين سيجدون أنفسهم تحت خطر الحصار، لكنها تتجاهل تداعيات ألا يخرج كل الناس من هناك بشكل كلي (من المرجح أن يرفض بعض السكان الانتقال إلى جنوب القطاع، حيث لا توجد بدائل معيشية أفضل. وبسبب وجود عدد أكبر من المباني التي يمكن الاحتماء فيها في الشمال مقارنةً بالجنوب، خصوصاً مع اقتراب فصل الشتاء)، مع ما يمكن أن يتركه هذا الأمر من أعباء عسكرية وقانونية يمكن أن تضيّق على عمل "إسرائيل" العسكري والسياسي. لذا، يقترح "الجنرالات" توفير ممر آمن لإجلاء المدنيين كدليل على حسن نوايا "إسرائيل" وعدم نيتها تجويع سكان غزة. ومع ذلك، سيخضع الوضع "القانوني للحصار" لاختبار النسبة والتناسب. إذ ينبغي أن تكون الفائدة العسكرية المتوقعة من الحصار أكبر من الأضرار التي يمكن أن تلحق بالمدنيين.ا
ومع ذلك، يتخوف الجنرالات من إجراءات قانونية إضافية ضد "إسرائيل"، ومن حصار دولي قانوني يمكن أن تتعرض له تل أبيب في الساحة الدولية، بسبب استخدام التجويع كوسيلة حرب. كما ويتخوفون من جولة جديدة من الانتقادات الصادرة ضد "إسرائيل"، في قضايا الإبادة الجماعية التي تنظر فيها محكمة العدل الدولية، أوإصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الصهيوني ووزير دفاعه من قبل المحكمة الجنائية الدولية. وهو ما لا يتحمل تبعاته حتى الحلفاء القلائل لتل أبيب، كالولايات المتحدة.ا
ملاحظات حول الخطة:ا
لا تقدم خطة "الجنرالات" حلولاً سياسية لليوم التالي في قطاع غزة، يمكن أن تساهم في استقرار القطاع وترسيم مستقبله السياسي مستقبلاً. وهي أيضاً لا تهيئ الظروف لاعتماد قيادة بديلة من حركة حماس. ففي الواقع، تتطابق الخطة مع سياسة الحكومة التي ترفض أيّ اقتراح لدمج السلطة الفلسطينية في إدارة القطاع. علاوةً على ذلك، ستؤدي خطة "الجنرالات" إلى دفع "إسرائيل" باتجاه احتلال قطاع غزة وفرض حُكم عسكري فيه، الأمر الذي سيضع مسؤولية أكثر من مليونَي فرد على كاهل تل أبيب. هذا الوضع قد يزيد في تعقيد التحديات الأمنية والسياسية التي تواجهها "إسرائيل"، ويُثقل كاهل المجتمع الإسرائيلي من الناحيتين الأخلاقية والاقتصادية على حد سواء.إضافة إلى ذلك، ليس لدى جيش (الاحتلال) الإسرائيلي مقدّرات مفتوحة لملاحقة المقاتلين الذين سيبقون في شمال القطاع، أو الذين سيعودون ويتسللون إلى المنطقة. إذ ستكون الأولوية من ناحية موازنات الجيش للجبهة الشمالية الآخذة في استنزافه على المدى الطويل.ا
وعليه، ستتمثل الطريقة الوحيدة للخروج من هذا المأزق في إدارة إسرائيلية للمساعدات الإنسانية - بشكل غير مباشر - عن بُعد. لذا، سيشرف الجيش الإسرائيلي من الجو على حركة القوافل الإنسانية لضمان عدم سيطرة عناصر من حركة حماس عليها. ولتحقيق ذلك، هناك حاجة إلى تنسيق أوثق مع المنظومات الدولية المشارِكة في توفير المساعدات (بما في ذلك الأونروا). وعلى "إسرائيل" تحديد مناطق إنسانية يتم توزيع المساعدات على السكان من خلالها جغرافياً. ويُفضل أن تكون هذه المناطق قريبة من مؤسسات صحية ناشطة (من مثل المستشفيات الميدانيةالأردنية والإماراتية). وسيكون من المناسب أيضاً إشراك ممثلين للمنظمات الدولية وموظفين من السلطات المحلية في غزة، من الذين لا ينتمون إلى حماس لإدارة هذه المناطق. وبهذا، يمكن البدء بتشكيل سلطات مدنية محلية، وتحييد لجان الطوارئ التابعة لحركة حماس المسيطرة حالياً على النشاط المدني في القطاع. ولتحقيق ذلك، سيحتاج جيش (الاحتلال) الإسرائيلي أحياناً إلى التدخل ميدانياً في هذه المناطق لمنع محاولات حماس من استعادة السيطرة، وسلب التنظيم أحد أكبر مصادر قوته. ومثل هذا الحل، سيتلاءم ورؤية نتنياهو المُقرّة في جلسة لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست أواخر أيلول/سبتمبر 2024، حيث أشار إلى عدم نية "إسرائيل" فرض حُكم عسكري على القطاع. من هنا، يأتي الإشراف الإنساني من بعيد كحل لتوجهات رئيس الوزراء ومن أجل تحقيق أهداف الحرب المعلنة، وتفادي وضع تتحمل فيه "إسرائيل" المسؤولية الكاملة عن المساعدات الإنسانية والجوانب المدنية الأُخرى في القطاع.ا
Related Posts
صحيفة الخندق