Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

أثارت خطوة تأسيس الإمارات علاقات دبلوماسية مع إسرائيل السؤال التالي: من هو المستهدف إقليمياً أكثر؟ إيران أم تركيا؟ هناك من يذهب إلى أن تركيا هي المستهدف بشكل الخاص في الوقت الحالي بالتزامن مع تصعيد خطابي ضد أنقرة ترافقت معه عملية خفض للتصعيد مع طهران منذ تموز/ يوليو 2019 مع زيارة وفد عسكري إماراتي لإيران

تامر بدوي

التأثيرات المختلفة للتطبيع الإماراتي على الجبهة الإيرانية – التركية

"

أثارت خطوة تأسيس الإمارات علاقات دبلوماسية مع إسرائيل السؤال التالي: من هو المستهدف إقليمياً أكثر؟ إيران أم تركيا؟ هناك من يذهب إلى أن تركيا هي المستهدف بشكل الخاص في الوقت الحالي بالتزامن مع تصعيد خطابي ضد أنقرة ترافقت معه عملية خفض للتصعيد مع طهران منذ تموز/ يوليو 2019 مع زيارة وفد عسكري إماراتي لإيران. تعمدت أبو ظبي المناورة خطابياً من أجل تخفيف حدة رد الفعل الإيراني لضمانها أن تصعيداً خطابياً ضد أنقرة ليس مكلفاً سياسياً وأمنياً بالقدر ذاته. تستهدف أبو ظبي من خلال الانفتاح رسمياً على تل أبيب الحصول على دعم سياسي وعسكري وأمني أكبر يمكّنها من تعزيز محورها قبالة جبهة طهران وأنقرة ومحورهما سواء كان الرئيس الأمريكي المقبل هو دونالد ترامب أو جو بايدن. ذلك أن التطبيع سيحتّم على بايدن مثلاً صياغة استراتيجية دبلوماسية وأمنية تجاه طهران تجعل من هذا الحدث المحوري نقطة ارتكاز.

الانفتاح الإماراتي المكشوف على إسرائيل يؤثر على العلاقة بين إيران وتركيا من خلال عده زوايا وأهمها التجارة. الاعتماد التجاري الإيراني على الإمارات كوسيط تجاري بين طهران والعالم سيرزح تحت ضغط أكبر من حيث أن النشاط الاستخباري المتزايد لإسرائيل في هذا البلد سيكون موجهاً ضد شبكات التجارة الإيرانية وجنوب إيران الذي مد الإمارات تاريخياً بعوائل تجارية (ومن ثم العمق الإيراني). شهدت التجارة غير النفطية بين إيران والإمارات تراجعاً كبيراً من ما يقارب 24 مليار دولار في السنة المالية 2010 - 2011 إلى 8.9 مليار دولار تقريباً في 2019 - 2020. في الإحدى عشر شهر من العالم المالي الأخير (مجتمعين)، كانت تركيا ثالث أكبر متلقي للصادرات الإيرانية وتلتها الإمارات، وأما الأخيرة فكانت ثاني أكبر مورد للبضائع لإيران وتلتها في ذلك تركيا. يحفز التطبيع الإماراتي إيران لتسريع توسيع آفاق التعاون الاقتصادي مع كل من تركيا وعمان وقطر. تبقى تركيا الأكثر قدرة وسعة على استيعاب المتطلبات الاقتصادية الإيرانية في مقابل الدولتين الأخرتين لأسباب هيكلية (في ظل ما يشاع أيضاً عن تحفظ قطري غير معلن حيال الانفتاح اقتصادياً بقدر كبير. وأما عمان فهي ترتب بيتها الداخلي بعد رحيل السلطان قابوس).

إذن تساعد الخطوة الإماراتية على تحفيز العلاقات التجارية بين إيران وتركيا والتي شهدت تراجعاً معتبراً خلال العامين الماضيين بعد شروع إدارة ترامب في تطبيق حملة "الضغط الأقصى" على إيران ثم لتأتي جائحة الكورونا لتضع مزيداً من الضغوط (أنظر مقالي السابق مع "الخندق" المعنوَن: "إيران وتركيا: محاولات اقتصادية لرأب الصدع"). الركيزة البشرية لتطور العلاقات الاقتصادية بين البلدين تتنامي من حيث أن الجالية الإيرانية في تركيا في توسع مستمر كنتيجة غير مقصودة لحركة هروب رؤوس الأموال من إيران للخارج (وعلى الأرجح جزء من توسع الجالية يعود إلى رغبة طهران في خلق شبكات تجارية للتهرب من العقوبات). وبقدر ما يساعد تنامي العلاقات الاقتصادية الطرفان على تعزيز جبهتم السياسية المشتركة، يفرض ذلك أيضاً عليهما أثمان. ستعمل أنقرة بشكل متزايد على استشراف ما إذا سيكلفها ذلك فرض عقوبات أمريكية على شركاتها في ظل تراجع اقتصادها. احتمالات الصدام المتزايدة في شرق المتوسط مع اليونان على خلفية التنقيب عن الغاز الطبيعي يجعل الاقتصاد التركي على حد سواء ذات قدرة أقل على المخاطرة بالدخول في تعاملات اقتصادية تعرضه لعقوبات ولكن في نفس الوقت تنامي ضغوطاً اقتصادية غربية وخليجية ضد اقتصاده تجعل أنقرة مدركة أن طهران الجارة سوق استراتيجي لمجابهة تحديات اقتصادية مقبلة. كما تطمح تركيا – بشكل حذر وبأقل التكاليف – إلى كسب إيران كظهير سياسي.

تزداد الشهية التركية في التمدد في دول المشرق العربي الذي تتمتع فيه طهران والمحور الذي تقوده بنفوذ قوي – سواء كان الدافع التركي محركه تهديدات متصورة أو رغبة في كسب النفوذ. ستعمل طهران على تقييم تداعيات ذلك التمدد في ضوء المستجدات الإقليمية المرتبطة بأبو ظبي وتل أبيب بشكل خاص. في العراق، خط التماس التاريخي بين الإيرانيين والترك، تعمل تركيا على ردع حزب العمال الكردستاني (الـBKK) الذي ترى أن البصمة الإماراتية وراء قوته باتت أوضح. ظهر خبر في الصحافة التركية في نهاية العام الماضي يفيد سفر مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديموقراطية (قسد)، إلى الإمارات عبر العراق (بعد العبور إلى شماله). كما يتم تداول أخبار من حين لآخر عن استعمال حزب العمال أسلحة قدمتها الإمارات إليه. الانتشار العسكري التركي الأخير في عمق الشمال العراقي (شمال إقليم كردستان العراق) تبرره أنقرة بأنه لمحاربة تهديدات الحزب المتصاعدة. في مقابل ذلك، صعدت فصائل محور المقاومة في العراق خطابياً ضد التحركات العسكرية التركية (أنظر مثلا تصريحات مسؤولي حركة النجباء كنموذج) والذي تستخدمه هذه الفصائل ضد إربيل أيضاً. البيت العربي السني في العراق هو مساحة أخرى تعزز أنقرة من حضورها فيه قبالة الإمارات (تتزايد مثلاً بصمة الإمارات في مدينة الموصل التي تنظر لها تركيا كجزء من مجالها الحيوي). ولكن لأي مدى تؤثر الأحداث الأخيرة في ارتضاء القوى السياسية العراقية المرتبطة بمحور المقاومة بالدور التركي التقليدي في السياسة الحزبية العراقية؟ إيران جزء من الإجابة عن ذلك السؤال.

سهلت أنقرة في انتخابات برلمان 2018 تشكيل تحالفات بين قوى سنية محسوبة عليها وعلى الدوحة مع أخرى شيعية محسوبة على طهران. ولكن في سوريا، تصعد تركيا والتشكيلات العسكرية السورية المتحالفة معها ضد قوات الحكومة السورية والتشكيلات العسكرية المدعومة إيرانياً في إدلب. وأما في لبنان، باتت تركيا بشكل متزايد ترى في الفراغ الذي خلفته السعودية وصعود الدور الإماراتي حافزاً لتكثيف حضورها الدبلوماسي والتجاري والثقافي.

تدركان تركيا وقطر تمتعهما بدرجة أكبر من المقبولية في طهران مقارنة بالمحور الإماراتي – السعودي في المشرق العربي ولكن ازدياد خطوط التماس بين تركيا – قطر ومحور طهران قد يعني أيضاً ازدياد دورات الاحتكاك والتوتر بين إيران وتركيا التي سترى إسرائيل فيها فجوات يمكن الاستثمار فيها. ولن تغلق إسرائيل – على الأرجح – الباب في وجه محاولات تقارب من جانب تركيا إذا أرادت الأخيرة ذلك بل قد تكون إحدى الثمار المستهدفة إسرائيلياً من الانفتاح الإماراتي هو تحفيز تركيا على تقديم أثمان لحفظ توازن ما بينها وبين الإمارات في تل أبيب. تعرف إسرائيل ما تريد من تركيا جيداً – في المقام الأول – ألا وهو طرد حركة حماس من الأراضي التركية والمساعدة على اختراقها وتقليم أظافرها. من ناحية يقوض استهداف الحركة إحدى خطوط التقاطع الإيراني – التركي – القطري ومن ناحية أخرى يجعل الحركة الفلسطينية أكثر اعتماداً على طهران بصورة تضعها في مرمى النيران الأمريكية والخليجية أكثر.

"

باحث وأكاديمي مصري مقيم في تركيا