Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

في نهاية أيار/ مايو 2021، قرر المجلس الفيدرالي السويسري قطع المفاوضات حول اتفاقية الإطار المؤسسي (IFA) بين الاتحاد الأوروبي وسويسرا. 'لقد وجد المجلس الفيدرالي السويسري أن المحادثات مع الاتحاد الأوروبي لم تؤد إلى الحلول اللازمة. لذلك قرر المجلس الاتحادي إنهاء المفاوضات'"، كما قال الرئيس السويسري غي بارملين"

ستيفن كنابه

الانحدار والبحث عن توازن جديد (1)

"

معرفة المستقبل أمر حيوي لكثير من الناس كما وللعديد من الدول في الوقت الحاضر. إن العثور على مكاننا الخاص في هذا العالم يعني شكلاً معيناً من الاستقرار والازدهار. المشكلة تكمن في أن العثور على مكانك الخاص في هذا العالم حالياً أكثر صعوبة مما تعتقد، وسيستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن تتمكن من تحديده بشكل مؤكد. نظراً لعدم وجود توازن سياسي عالمي بين القوى والتوجهات الأيديولوجية، فقد بدأ للتو الحديث عن توازن عالمي جديد شامل. ربما يستغرق الأمر عقداً من الزمن قبل الوصول إلى توازن جديد شامل. في الوقت نفسه، ثمة انحدار ينطلق من نفس مكامن القوة في النظام العالمي. يمكن العثور على أمثلة لهذا الادعاء على المستوى العالمي والإقليمي والوطني.

ماذا نعني بمصطلح انحدار؟ في علم النفس، يتم إعادة صياغة مفهوم الانحدار على أنه الرجوع إلى المراحل المبكرة من التطور العقلي أو الحياة الغريزية أو مراحل التطور الأولى. في حقيقة الأمر، ثمة شكوك تُثار اليوم في أن السبعين عام الماضية قد عادت إلى الوراء في أجزاء كثيرة من العالم على جميع المستويات والمواضيع. يمكن اعتبار المرحلة الانتقالية في النظام العالمي اليوم أحد أسباب ذلك بالتأكيد. القديم لا يزال موجوداً بطريقة ما أو يقول وداعاً فقط، لكنه لا يغادر البتة، أضف إلى أنه لا يمكننا رؤية الشخص الجديد. في الواقع، يمكننا وصف الوضع الحالي بالتالي:

من ناحية، تتميز هذه المرحلة بفقدان الغرب للأهمية العالمية كما ولجهوده التي يبذلها من أجل التوحد. ومن ناحية أخرى تتسم هذه المرحلة بظهور نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب بجهود من الصين. المنظمات الدولية بأجهزتها الخاصة تفقد المزيد والمزيد من الأهمية وتؤدي قراراتها دائماً دوراً ثانوياً. يمكن اعتبار تحرك دول مجموعة السبع لمواجهة مبادرة طريق الحرير الصينية وإقامة شراكة بنية تحتية عالمية قائمة على القيم الليبرالية والديمقراطية كمثال حالي على ما أتقدم بطرحه. قالت ورقة بحثية نُشرت قبل اجتماع قمة مجموعة السبع في بريطانيا: "هناك حاجة هائلة للبنية التحتية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، والتي تفاقمت أزماتها الاقتصادية بسبب جائحة كوفيد -19". مطلوب ما مجموعه 1.5 إلى 2.7 تريليون دولار من الأموال الإضافية كل عام حتى تتمكن البلدان الناشئة والنامية من تحقيق أهداف التنمية المستدامة. يمكن للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي أن يشعروا، بحق، بأن هذه هي وظيفتهم. لتعزيز التنمية الاقتصادية وضمان استقرار العملة، وتعزيز التجارة الدولية والتعاون الاقتصادي. ومع ذلك، فإن الضغط الصيني قد أنضج الفكرة القائلة بأن كلاً من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي قد تحولوا إلى بطات عرجاء لم تعد قادرة على الاستجابة بمرونة لمتطلبات الوقت، حتى صارت هذه المؤسسات تستخدم كألعاب قوة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، لذلك فكل مشروع يُطرح من خلالها هو محاولة لمعارضة الصين وإيجاد بدائل للعديد من الدول.

يمكن بالتأكيد وصف الصين وروسيا والولايات المتحدة وأروبا، في ظل ظروف معينة، بأنها القوى المهيمنة. لكن حتى وجهة النظر تبدو قاصرة عن الفهم. فداخل هذه القائمة يوجد تسلسل هرمي معين. في المستوى الأول: الصين والولايات المتحدة. في المستوى الثاني: روسيا، في المستوى الثالث: أوروبا. ومع ذلك، فإن هذا الترتيب الهرمي لا يعكس الحقيقة كاملة.

عام 2008، كتب باراغ خانا كتاباً رائعاً نسيه بالفعل العديد من المعلقين والمحللين[1]. الكتاب الذي نشير إليه يحمل عنوان "العالم الثاني: الإمبراطوريات والتأثير في النظام العالمي الجديد". قال خانا فيه، إن تركيز الإمبراطوريات الجديدة ينصب في المقام الأول على دول العالم الثاني، تلك المجموعة الكبيرة من البلدان التي لم يتم تقديرها بشكل مدهش، والتي يصطدم فيها ازدهار العالم الأول ببؤس العالم الثالث. وفقاً لخانا، لا يمكن المبالغة في تقدير الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية لهذه الدول في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وشرق آسيا. إن الطريقة التي تتفاعل بها هذه البلدان مع تحديات العولمة وتطور الإمبراطوريات الجديدة ستكون حاسمة بالنسبة للنظام العالمي المستقبلي. على طول خطوط الترسيم الجديدة، ستتطور مناطق نفوذ جغرافية وسيتم ترجيح المفاهيم السياسية الأيديولوجية بعدد المجتمعات التي اخترقوها. من خلال خيارات دول مثل بلغاريا ولبنان وفيتنام، ستتأثر منظومة الهيمنة الدولية أكثر مما نعتقد.

بعد ذلك، دعونا نلقي نظرة على المستوى الإقليمي ونلقي نظرة مثالية على أوروبا. ستطالعنا أولاً مشكلة الاتحاد الأوروبي الكبيرة؛ سويسرا. ثانياً، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

في نهاية أيار/ مايو 2021، قرر المجلس الفيدرالي السويسري قطع المفاوضات حول اتفاقية الإطار المؤسسي (IFA) بين الاتحاد الأوروبي وسويسرا. "لقد وجد المجلس الفيدرالي السويسري أن المحادثات مع الاتحاد الأوروبي لم تؤد إلى الحلول اللازمة. لذلك قرر المجلس الاتحادي إنهاء المفاوضات"، كما قال الرئيس السويسري غي بارملين. كما أصدرت المفوضية الأوروبية البيان التالي: "نأسف لهذا القرار، بالنظر إلى التقدم الذي تم إحرازه في السنوات الأخيرة لإنجاز الإطار المؤسسي بين الاتحاد الأوروبي وسويسرا، الذي كان يمكن أن يشكل الأساس لتحسين وتطوير العلاقات الثنائية المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي وسويسرا. كان الغرض الرئيسي منه هو ضمان تطبيق نفس الشروط على كل شخص يعمل في السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي، والتي تتمتع سويسرا أيضاً بوصول كبير إليها. هذه مسألة أساسية تتعلق بالإنصاف واليقين القانوني. يفترض الوصول المتميز إلى السوق الداخلية أن يحترم الجميع نفس القواعد والواجبات". كان الهدف الرئيسي من المفاوضات هو توحيد الشبكة الحالية للعقود والاتفاقيات بشأن العديد من اللوائح الفردية الصغيرة في وحدة شاملة، لكن هذا الأمل ذهب مع الريح. على الرغم من أن الجانب السويسري أكد أن سويسرا ستظل شريكاً موثوقاً به للاتحاد الأوروبي وأن سويسرا ستستمر في تعديل النظام القانوني للاتحاد الأوروبي، ولكن مع نهاية المفاوضات، سيتم وضع العلاقة الوثيقة تقليدياً مع الاتحاد الأوروبي على المحك". قبل أيام، حذر الاتحاد الأوروبي سويسرا من عواقب عدم الاتفاق: "لن تكون هناك اتفاقيات أخرى والاتفاقيات القديمة قد لا يتم تحديثها". وأشارت بروكسل إلى أن 50 عاماً قد مرت منذ دخول اتفاقية التجارة الحرة حيز التنفيذ مع سويسرا، و20 عاماً على الاتفاقيات الثنائية الأولى. وأعلنت المفوضية "حتى اليوم، لم يعد بإمكان هذا الأساس مواكبة الوتيرة التي تتطور بها العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وسويسرا". وأعلنت أنها "ستحلل بعناية نتائج هذا الإعلان". سويسرا ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي ولكنها تشارك في العديد من المشاريع الأوروبية من خلال الاتفاقات الثنائية. كما أن لديها إمكانية الوصول إلى السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي وفي المقابل تمنح حرية تنقل الأشخاص. وفقاً لبيانات الاتحاد الأوروبي، يعيش 1.4 مليون مواطن من الاتحاد الأوروبي في سويسرا - بما في ذلك 300000 ألماني - وبالإضافة إلى ذلك يسافر 340.000 مواطن من الاتحاد الأوروبي إلى سويسرا يومياً. 400000 سويسري يعيشون في الاتحاد الأوروبي. تمثل التجارة مع الاتحاد الأوروبي 60% من الناتج المحلي الإجمالي لسويسرا، تليها الولايات المتحدة بأقل من 12%. على العكس من ذلك، تعد سويسرا رابع أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي بعد الولايات المتحدة والصين وبريطانيا. في مقال على الإنترنت من قبل FPinsider، تم وصف المشهد التالي، والذي يمكن أن يكون تفسيراً لقرار الشعب السويسري:

في أحد أيام الأحد، بعد وقت قصير من انتقاله إلى برن بسويسرا، مشى مايكل فلوجر، السفير الألماني في سويسرا، من محل إقامته إلى مخبز. في الشارع، رأى ملصق حملة يمينية متطرفة يظهر رجلاً يرتدي علم الاتحاد الأوروبي كحزام ويجلس على صورة صغيرة لسويسرا يسحقها تحت ثقله. قال فلوجر مؤخراً لصحيفة سويسرية: "لقد صدمت". خلال وظيفة سابقة في جنيف، لم يواجه أبداً مثل هذا العداء للاتحاد الأوروبي، الشريك التجاري الرئيسي لسويسرا - وغالباً ما يتشابه في التفكير - الشريك. ولكن الآن، "أصبح الجو بشأن الاتحاد الأوروبي شديد السلبية" على حد قوله. "في بعض وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية يتم تصويره على أنه وحش".

بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون المرء على دراية بعنصر أساسي من عناصر النظام السياسي السويسري: الديمقراطية المباشرة، فمن خلال المبادرات الشعبية والاستفتاء، يمكن للمواطنين ممارسة تأثير مباشر على أنشطة السلطات البلدية والبرلمانات الكانتونية والبرلمان الفيدرالي كما وعلى الأنشطة الحكومية.

المثال الثاني هو التطورات التي تحدث في المنطقة الحدودية بين أيرلندا وأيرلندا الشمالية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. فبعد انفكاك بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي اشتعل الصراع في أيرلندا الشمالية. أقيمت حواجز متنقلة على طريق أيرلندا الشمالية مرة أخرى. الجيش الجمهوري الايرلندي عاود الظهور. أقيمت مستودعات للأسلحة على الجانبين. زاد حضور عناصر الشرطة. تفكر لندن بالفعل في عملية عسكرية مرة أخرى، وتتحدث المصادر غير رسمية عن عمليات سرية من قبل الـMI5 (المكتب الخامس في الاستخبارات البريطانية). إذا كنت بحاجة إلى سيناريو مرعب في الأيام القليلة الماضية، فعليك توجيه نظرك إلى هذه المنطقة.

...يُتبع

 


[1]  باراغ خانا: هندي أمريكي متخصص في العلاقات الدولية. وهو الشريك الإداري لـFuture Map، وكان سابقاً الشريك الإداري لشركة Hybrid Reality وكذلك المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة Factotum.

"

كاتب وباحث ألماني