يطرح اغتيال فخري زادة أربعة أسئلة: من يقف وراء الاغتيال؟ وما الذي أراد تحقيقه؟ ما هي تداعيات الاغتيال على المشروع النووي الإيراني؟ وماذا سيكون الرد الإيراني؟ وما هي السياسة الموصى بها لـ'إسرائيل'" في ضوء هذا الحدث."
أربعة أسئلة بعد اغتيال رئيس المشروع النووي الإيراني
هذا النص للكاتب عاموس يادلين: رئيس مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، وتقوم هيئة تحرير الخندق بتقديم النص للقراء نظراً لأهميته وحساسيته.
***
بدأ عام 2020 باغتيال قاسم سليماني؛ الرجل الذي قاد الجهد الاستراتيجي لتحقيق الهيمنة الإيرانية التقليدية في الشرق الأوسط. قبل انتهاء سنة 2020 نُفّذت عملية اغتيال الجنرال محسن فخري زادة؛ وهو الذي قاد الجهد الاستراتيجي الثاني لإيران؛ جهد التوصل إلى سلاح نووي.
واقع الأمر، يطرح اغتيال فخري زادة أربعة أسئلة: من يقف وراء الاغتيال؟ وما الذي أراد تحقيقه؟ ما هي تداعيات الاغتيال على المشروع النووي الإيراني؟ وماذا سيكون الرد الإيراني؟ وما هي السياسة الموصى بها لـ"إسرائيل" في ضوء هذا الحدث.
السؤال الأول: من يقف خلف الاغتيال، وما المراد منه؟
يتحمل الأميركيون أنفسهم مسؤولية اغتيال قاسم سليماني. وكذلك كل العمليات الأُخرى التي لم يعلن أحد المسؤولية عنها، وعلى رأسها الهجوم على منشأة نتانز، وكذلك عملية اغتيال فخري زادة. لقد أثبتت إدارة ترامب من خلال عملياتها ضد إيران أن ليس كل هجوم عسكري على إيران سيتدهور بالضرورة إلى حرب. ما يجري إلى حد ما هو تَبَنٍّ للعقيدة الإسرائيلية القائلة إن عمليات موضعية وجراحية وسرية، تسمح أيضاً للطرف الثاني الإنكار وويوقعه في التخبط.
من جهته، يصر نتنياهو على استغلال ما تبقى من ولاية ترامب للدفع قدماً بإنجازات أخيرة، حتى لو كان الثمن بدء علاقة حادة بإدارة بايدن.
أما الأهم، فهو أن خبر زيارة بومبيو في الأسابيع الماضية لم تكن مخصصة لزيارة معامل النبيذ في بساغوت/ الجولان. وخبر اغتيال مسؤول رفيع المستوى في تنظيم القاعدة في طهران للصحف الأميركية، بالإضافة إلى التسريب الإعلامي الإسرائيلي حول اجتماع ليلي في السعودية، وإعادة نشر ترامب لتغريدة أن فخري زادة "كان المطلوب رقم واحد من الموساد" كلها أمور تشير إلى اتجاه واحد. لقد رد البنتاغون بعدم الإجابة، فيما أكدت مصادر استخباراتية في الولايات المتحدة أن "إسرائيل" وراء عملية اغتيال فخري زاده. لم تقدم "إسرائيل" رداً رسمياً، صحيح، لكن رئيس الحكومة قال إنه لا يستطيع قول كل شيء عما فعله هذا الأسبوع.
السؤال الثاني: ما هي تداعيات الاغتيال على المشروع النووي الإيراني؟
القنبلة النووية الإيرانية كانت المهمة التي نذر محسن فخري زادة حياته من أجلها. سنة 2003، وبعد إغلاق المشروع النووي العسكري الإيراني في أعقاب الغزو الأميركي للعراق، تقرّر في إيران الوصول إلى حافة النووي من خلال مسار مدني. كان فخري زادة يقود النشاط غير المدني للمشروع. وقد عمل لسنوات طويلة في كل الأنشطة النووية غير المدنية.
وعليه، فإذا كان ثمة مشروع سلاح نووي إيراني سري فإنه باغتيال فخري زاده تلقى ضربة مؤلمة. إن مسار إيران إلى القنبلة النووية يمر اليوم في عنق زجاجة.
السؤال الثالث: ماذا سيكون الرد الإيراني؟
السؤال الأكثر أهمية الآن ماذا سيكون الرد. بعد اغتيال سليماني تحرك الإيرانيون خلال أيام قليلة ضد الجهة التي تحملت المسؤولية عن الاغتيال؛ الأميركيون، فأطلقوا عشرات الصواريخ على قاعدة أميركية في العراق. أما اليوم، فيتهم الرئيس الإيراني "إسرائيل" باغتيال فخري زادة. هل سنرى رداً إيرانياً؟ من جهة تعهد الإيرانيون بالرد لترميم ردعهم. من جهة أُخرى، الإيرانيون حذرون جداً من رد يؤدي إلى سقوط كثير من المصابين، رد من المحتمل أن يوفر ذريعة لهجوم أميركي على المنشآت النووية الإيرانية، وهذا احتمال قيل إن ترامب فحصه مع مستشاريه مؤخراً.
لقد أثبت الإيرانيون في الماضي قدرة على التحليل والتفكير المعمَّقين، وعرفوا كيف يؤجلون عمليات ثم ينفذوها ضد الهدف في الوقت والمكان الملائمَين. تنتظر إيران بفارغ الصبر بدء عمل إدارة بايدن. وسواء قامت إيران بالانتقام أو ضبطت نفسها، فإن هذا الأمر سيصعب على بايدن العودة إلى الاتفاق النووي. وربما هذا كان هو هدف عملية الاغتيال في طهران.
السؤال الرابع: ماذا على "اسرائيل" أن تفعل حالياً؟
أولاً يجب أن تلتزم صمتاً إعلامياً، ومن المهم للسياسة الرسمية في "إسرائيل" الالتزام "بحكمة الصمت". إذ يتعين على "إسرائيل" أن تفترض أن الرد الإيراني يمكن أن يوجَّه إليها. لذا، فإن اليقظة العالية مطلوبة على المستوى الاستخباراتي، والجهوزية العملانية الفورية في منظومات الدفاع الصاروخي. هناك حاجة إلى توجيه الاهتمام إلى احتمال أن تستخدم إيران "وكلاءها" في لبنان وسوريا والعراق واليمن للهجوم على أهداف إسرائيلية، سواء داخل "إسرائيل" أم في خارجها.
ضمن هذه الأُطر كلها من الجيد والمهم أن ننسق مع الولايات المتحدة التي تشكّل قوة استخباراتية وعملياتية ودبلوماسية مضاعفة. في الخلاصة يمكننا القول، أن مَن نفذ الاغتيال حاول على ما يبدو أن يحقق ثلاثة أهداف في آن واحد: ضرب المشروع النووي الإيراني، ورفع مستوى التوتر إلى حد يمكن أن ينتهي بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، ومنع عودة إدارة بايدن إلى الاتفاق النووي. الهدف الأول على ما يبدو تحقق. فيما يمكن للتصعيد أن يكون باهظ الثمن. الهدفان الآخران مرتبطان جداً بالرد الإيراني، وفي كل الأحوال فهما هدفان بعيدا المدى وفرص تحققهما ضئيلة.
"Related Posts
صحيفة الخندق