لا شك بأن النكبة الفلسطينية مستمرة ولا يمكن تقسيمها، بدأت النكبة فعلياَ منذ وعد بلفور ولن تنتهي إلا بتحرير فلسطين، وأخالني أجد كلمة "نكبة" تعبيراً بسيطاً لا يرتقي إلى حجم المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون إن كان في الداخل أو في الضفة الغربية وخصوصاً في غزة التي تؤرّخ إبادتها أمام العالم على البث المباشر
ذاكرة الجماعة الفلسطينية: رواية مستمرّة
كانت ذاكرتنا عن النكبة الفلسطينية (1948) مفرّغة إلا من صور قليلة بالأبيض والأسود، قوافل من الناس تجري ولا تدري إلى أين تلوذ، تحدّد اتّجاهها آليّات عسكريّة مزوّدة برشاشات. خيم ورماد ودخان، عجوز يتكئ على عكازه، محارباً دمعته ومُحتلّه في آن معاً، ملقياً نظرته الأخيرة على بستان لا يدري إذا ما سيسمح له الزّمن بالعودة إليه.ا
التغريبة الفلسطينية، ذاكرتنا البصرية عن النكبة
كثرٌ من حاولوا تأريخ هذه الحقبة، ليس آخرهم الدّكتور وليد سيف في المسلسل الشهير "التغريبة الفلسطينيّة"، اختار كاتب السيناريو أن يكون هو الشاهد الناقل للأحداث، طفل صغير يتجوّل بين خيم النازحين ليتحسّس آلامهم ويختزنها في عقله، ثمّ يرويها دون تحريف للجيل الذي سمع عن النكبة دون أن يعايشها.ا
تدور أحداث العمل في الفترة الممتدة ما بين ثلاثينيات وستينيات القرن العشرين. انطلق "سيف" من عائلة "صالح الشيخ يونس" إلى جميع شرائح المجتمع الفلسطيني. رصد المقاوم واليائس، الحالم والمفرط في الواقعية، أزاح الستارعن الفجوة الهائلة بين الريف والمدينة، جال في المدارس أيام النكبة ونقل كيف انتقل النظام الاقتصادي للبيع والشراء إلى مقايضة السلع. استرسل في شرح علاقة الفلاح بأرضه وعداوته مع الإقطاعيين. ولهذا فقد تجاوز العمل حدود التعاطف ليذهب بعيداً في داخل الإنسان وتناقضاته الذي تنتج معنى الشّرف أو الخيانة.ا
ما وصلنا أقل بكثير مما حصل
في تأريخ القضية الفلسطينية، آلاف القصص رُويَت ودُوّنَت، منذ معارك 1936 إلى نكبة 1948 ثم نكسة 1967، مروراً بالانتفاضتين الأولى والثانية، وصولاً إلى الحروب المتلاحقة بين "إسرائيل" والمقاومة الفلسطينية. ومما لا شك فيه أن ما روي أقل بكثير مما لم يروَ، آلاف القصص ماتت مع أصحابها الذين استشهدوا في المواجهات المتلاحقة منذ خمسة وسبعين عاماً إلى اليوم، أو ممن بقي حياً لكنه آثر الصمت واحتفظ بحزنه وألمه بعيداً عن وسائل النشر والإعلام، ولا ننسى الآلاف ممن لم يطرق أحد باب دارهم ليسمع قصصهم المفجعة.ا
تأريخ من نوع آخر
لا شك بأن النكبة الفلسطينية مستمرة ولا يمكن تقسيمها، بدأت النكبة فعلياَ منذ وعد بلفور ولن تنتهي إلا بتحرير فلسطين، وأخالني أجد كلمة "نكبة" تعبيراً بسيطاً لا يرتقي إلى حجم المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون إن كان في الداخل أو في الضفة الغربية وخصوصاً في غزة التي تؤرّخ إبادتها أمام العالم على البث المباشر، كاميرات ثابتة تنقل مشاهد الصواريخ وهي تتساقط يوماً بعد آخر، أكثر من 34 ألف شهيد سمعنا صوت احتضارهم ووصاياهم الأخيرة من تحت الركام، ما يقارب 175 ألفَ مبنى سكني؛ أي ما يوازي 60% من المباني السكنية في غزة دُمر أو تضرّر.ا
بعد تهجير الفلسطينيين عام 1948، كانت المخيمات جاهزة لاستقبالهم، كان بإمكانهم أن يجلسوا تحت سقف خيامهم ليفكروا في يومهم التالي. أما اليوم فالخيمة أصبحت حلماً، أو بنداً في أوراق عمل التفاوض. المقاومة الفلسطينية تفاوض على دخول 200 ألف خيمة كسكن مؤقّت يقي أهل غزة الشتاء والمطر، و"إسرائيل" ترفض ذلك أمام مرأى ومسمع العالم.ا
في وقت سابق، بدأ بلال خالد (فنان ومصوّر فلسطيني) بتلوين صور نكبة 1948 في محاولة لتخليد الذكرى، أما اليوم فلا حاجة للتلوين على الإطلاق، المشاهد موجودة على اليوتيوب وبجودة عالية أيضاً، ما يُقارب السبعة أشهر من الإبادة الجماعية. ا
Related Posts
كاتب لبناني