وما يعقد خريطة التناقضات والصراعات أيضاً ان بعض الأنظمة العربية الرسمية، مثل الأردن والعراق ومصر والسعودية والإمارات، غير مرتاحة بالمطلق لحكم التيارات الإسلامية النيوعثمانية في سوريا، إذ لا يتماشى أحمد الشرع مع مصالحهم، بل ويعتبرونه خطراً على انظمتهم
عَلَم جديد، مشاكل قديمة
مع سقوط بشار الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، اعتمدت الحكومة الانتقالية العلم الأخضر بنجومه الثلاث كعلم رسمي للبلاد، وهو ذات العلم الذي اعتُمد مع نزول القوات الفرنسية إلى السواحل السورية واللبنانية عام 1918، مع احتلال الجنرال هنري غورو لدمشق عام 1920 حيث ظل معتمداً حتى جلاء المستعمر في نيسان 1946. رسمياً، تم اعتماد العلم الأخضر بنجومه الثلاث رسمياً عام 1932، فيما رمزت ألوانه الثلاثة إلى ثلاث مراحل: دولة الخلافة الراشدية، الدولة الأموية، والدولة العباسية. وتعود دلالات النجوم الثلاث إلى دويلات الاتحاد الفيدرالي السوري الذي أسسه الانتداب الفرنسي في أواخر عهد الجنرال هنري غورو وشملت: دولة دمشق وحلب (التي ضمت في حينها لواء الاسكندرون)؛ ودولة جبل الدروز (السويداء وجبل العرب)؛ ودولة العلويين (اللاذقية وطرطوس).
عام 1946 وبعد الجلاء الفرنسي، اعتُمد العلم الأخضر رسمياً من قبل الجمهورية السورية الأولى كرمز وطني للاستقلال. وبعد قيام الوحدة بين سوريا ومصر عام 1958، اعتُمد علم جديد للجمهورية العربية المتحدة يتألف من 3 ألوان: الأحمر من الأعلى، فالأبيض، والأسود، وفي المنتصف نجمتان باللون الأخضر في ترمزان إلى الإقليمين الشمالي والجنوبي (سوريا ومصر). توقفَ استخدام علم الوحدة بعد الانفصال سنة 1961، وأعيد اعتماد الأخضر لمدة سنتين حتى تم تغيره من قبل حزب البعث سنة 1963 لصالح اعتماد علم الوحدة مجدداً مع إضافة نجمة ثالثة كرمز للاتحاد بين سورية ومصر والعراق، ثم أعيد اعتماد علم الوحدة الأحمر بنجمتين من قبل الأسد الأب سنة 1980.
مع بداية الثورة، حمل المتظاهرون السوريون العلم الأحمر بنجمتين، فيما رفع المعارضون المشاركون في مؤتمر أنطاليا، وأغلبهم من الإسلاميين، في 1 حزيران/ يونيو 2011، العلم الأخضر بثلاث نجوم كرمز للاستقلال عن النظام والقطع مع كل رموزه. وقام الجيش الحر، التابع لتركيا، برفع العلم الأخضر بثلاث نجوم في المناطق "المحررة" من النظام. شاركه في ذلك بعض الكتائب الإسلامية المسلحة (التي اعتمدت القتل الوحشي، والطائفية والتكفير، والدعم المالي والعسكري من دول الخليج وتركيا والناتو). وهكذا تغيرت دلالة العلم الأخضر بثلاث نجوم من رمز للاستقلال إلى رمز للطائفية والتكفير والإرهاب.
هذا التاريخ المقتضب لعلم سوريا هو دليل على كم الصراعات والحروب والانقلابات والتقلبات التي شهدها الشعب السوري. والقادم أعظم. اليوم، أمام السوريين والحكومة الانتقالية مسار من التحديات المتشابكة والمتعددة المستويات، ضد الكتائب التكفيرية والانفصالية، وضد الاحتلالات الإسرائيلية والأميركية، وضد تدمير كافة مقومات ومقدرات الجيش، وضد التدخلات الاستخباراتية، والمصالح الإقليمية والدولية، وضد الاشترطات الخارجية وحصار قيصر، وعلى وقع الغارات العدائية الإسرائيلية والأميركية، ومن أجل ضمان الاستقرار والسلم الأهلي، وعودة المهجرين من خارج سوريا، ومن أجل التنمية والإعمار، ولصالح صياغة دستور مبني على مفهوم المواطنة والمساواة والعدالة الاجتماعية والهوية الوطنية الجامعة واحترام التعددية.
فكيف لهذا المشروع أن تتحق أهدافه في الاستقلال والسيادة والمواطنة الديموقراطية والتنمية، وسوريا تعيش احتلالاً إسرائيلياً يتمدد بنشوة نتنياهو، مع اقتراب لحظة تتويجه كجالوت لشرق أوسط جديد قائم على عزل أهم حلقة من حلقات الوصل في محور المقاومة، والتي تشكل الحبل السري للمقاومة الفلسطينية في غزة والضفة؟
وفي ظل لحظة الفرح الشعبية بسقوط حكم الأسد، ومن دون إغفال نضالات الشعب السوري المتراكمة على مدى اكثر من ثلاثة أرباع قرن ما بعد الاستقلال، فإن المطلوب من القوى اليسارية والوطنية والقومية ألا يتناسوا أن سقوط حكم الأسد لم يكن على يد الشعب، ولا بفعل القوى الشعبية الوطنية، بل من خلال زحف هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع، المعروف سابقاً بأبي محمد الجولاني، وقواته المجهزة بأحدث أنواع العتاد والسلاح والطائرات المسيرة التركية والأوكرانية، ناهيك عن التكنولوجيا وأجهزة التشويش المتقدمة. أحمد الشرع هذا الذي وجد فيه الثالوث الناتوي (تركيا وأميركا و"إسرائيل") حصان طروادة لدك باب دمشق في استثمار لظروف حرب الإبادة على غزة، والعدوان على لبنان، والغارات على مدى سنة ونيف على سوريا واليمن والعراق، وكنتاج لسياسة اغتيال قادة محور المقاومة، والشبكة الهائلة من التداخلات المخابراتية، والصفقات الدولية، ومخطط عملية الإستلام والتسليم مع النظام، بالإضافة إلى غربال التبييض الإعلامي (الغربي والخليجي) لصورة أحمد الشرع وخطابه.
اللافت في المشهد أيضاً، شن "إسرائيل" خلال 48 ساعة من بعد "فتح" دمشق، أضخم عملية نفذها سلاح جوها منذ عام 1973، بأكثر من 480 غارة لتدمير قدرات سوريا العسكرية والتسليحية من صواريخ استراتيجية، ودفاعات جوية، وردارات ودبابات، وقوات بحرية وموانئ ومطارات، ومراكز البحث العلمية. لقد استباحت الدبابات الإسرائيلية سيادة سوريا براً، واحتلت عشرات وربما مئات الكيلومترات المربعة من أراضي سوريا في المنطقة العازلة في الجولان وجبل الشيخ، وتسع قرى في ريف دمشق. ومخطئ من يعتقد أن "إسرائيل" ستكتفي أو ستتوقف عند هذا الحد من التوغل والاحتلال، بل ستواصل غاراتها واحتلالها للأراضي السورية لثلاثة أهداف:
الهدف الأول: تدمير وتجريد سوريا من كافة المقدرات الهجومية والدفاعية للجيش السوري.
الهدف الثاني: محاصرة حزب الله من ناحية الحدود السورية مع البقاع اللبناني، بالإضافة إلى تدعيم موقف "إسرائيل" في ممارسة الانتهاكات المستمرة لاتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب اللبناني.
الهدف الثالث: انشاء "ممر داوود" بهدف ربط الحزام "الأمني" الجنوبي الذي تقيمه "إسرائيل" بدويلة الشمال الكردية في الحكسة عبر منطقة التنف حيث القواعد الأميركية. ويخدم ممر داوود هذا الهدف الإسرائيلي المرحلي باختلاق منطقة عازلة تفصل جغرافيا سوريا عن الأردن والعراق، كما يتداخل مع الهدف الصهيوني الاستراتيجي في التوسع الجغرافي لتحقيق فكرة “إسرائيل الكبرى" - المملكة اليهودية التي وعد بها سفر التكوين، والتي تمتد من النيل إلى الفرات، وتشمل كل فلسطين، وأجزاءً من الأردن ولبنان وسوريا والعراق ومصر. بدأت ارهاصات هذه المشاريع بسياسات الأمر الواقع التي فرضت السيادة الإسرائيلية على "القدس الكبرى" والجولان وغور الأردن، وتطالب بالسيادة على كامل الضفة الغربية، وترفض الانسحاب من شمال قطاع غزة ومحور فيلادلفيا، وتسعى لفرض انسحاب حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني.
وتجدر الإشارة هنا ان "ممر داوود" يتضمن منابع وروافد نهر اليرموك الذي ينبع من جبال حوران في جنوب غرب سوريا، ويجري قرب الحدود بين سوريا وفلسطين، ثم يتدفق بالاتجاه الجنوبي الغربي حتى يلتقي بنهر الأردن، ليصب في غور الأردن في البحر الميت. كما يشمل "ممر داوود" 6 حقول للنفط وحقل للغاز في محافظة الحسكة، و4 حقول للنفط في محافظة دير الزور، يخضعون لمناطق سيطرة قسد، التي عمل الأميركي على إقصائها بشكل نسبي من معادلة السيطرة على النفط وإنتاجه وإدارة بيعه.
في مقابل هذا المخطط الصهيوني التوسعي، صرح أحمد الشرع: "إننا لسنا في صدد الخوض في صراع مع إسرائيل، ولا حمل معركة ضدها". ولم يأتِ الشرع على ذكر الإسرائيلي في فقه أولويات عدائه لبشار والحزب وايران، بل طمئن ان سوريا في عهده "غير مستعدة لخوض أي حروب أخرى غير الحرب على النظام" وبعد صلاة "الفتح" في المسجد الأموي، غابت الجولان المحتلة تماماً من خطبته. واكتفت الحكومة الانتقالية بإرسال رسالتين إلى مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن طريق سفير سوريا لدى الأمم المتحدة، قصي الضحاك، مطالبة بالتحرك لإجبار "إسرائيل" على الوقف الفوري لهجماتها على الأراضي السورية والانسحاب من المناطق التي توغلت فيها، في انتهاك لاتفاق فض الاشتباك المبرم عام 1974.
ومن المرشح أن أحمد الشرع والحكومة الانتقالية سيقايضون الأميركي والإسرائيلي والتركي لضمان بقائهم في الحكم، وإزالة تصنيف هيئة تحرير الشام عن لوائح الإرهاب، ورفع حصار قيصر والڤيتو الأميركي على رفع العقوبات وتمويل إعادة الإعمار بالتنازل عن سيادة سوريا ووحدة أراضيها. والسيناريوهات المرشحة هي:
أ: الإبقاء آنياً عن مناطق انتشار القواعد العسكرية الأميركية ونقاط تواجدها في شرق الفرات، وإحكام سيطرتها على شرق سوريا، بما يقطع طريق إيران نحو غرب سوريا ولبنان.
ب: الابقاء على قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية وقاعدة طرطوس البحرية، بالرغم من مطلب الفصائل سحب جميع القوات الروسية والإيرانية، وما تبقى من قواعدهما العسكرية ونقاط المراقبة.
ج: عودة الأكراد إلى كنف الحكومة الإنتقالية، مقابل منحهم نوعاً من الحكم الذاتي في المناطق ذات الأغلبية الكردية فقط، أو قضاء تركيا على الجعبتين الكرديتين على حدودها في الشمال.
د: الإبقاء على "ممر السلام" التركي، الذي يشمل قوات ونقاط مراقبة وقواعد عسكرية في ثلاث مناطق في شمال غرب سوريا، وتوسعه ليشمل كل الحدود مع تركيا وجنوباً لحلب.
هـ: العجز العسكري عن مواجهة احتلال "إسرائيل" لأراضي ومكونات شعبية (الدوز وبعض العشائر العربية) التي تعيش ضمن أراضي "ممر داوود".
لو أخذنا ان سوريا هي ساحة صراع في وضع دولي يتسم بعودة أجواء الحرب الباردة بين روسيا والناتو، وتصاعدها لحرب ساخنة بالوكالة، سنجد ان السيناريوهات السابقة لن تتعايش بدون تنافسات وتعارضات وتناقضات وتصراعات في المنطلقات والمصالح بين الأقطاب الإقليمية والدولية، وتداخلاتهم وتشابكاتهم وتعقيداتهم الداخلية، بالذات فيما يخص مستقبل النفوذ الروسي والقاعدتين العسكريتين في اللاذقية وطرطوس، ومسألة الأكراد في شمال شرق الفرات، ومصير الكتائب المسلحة المنتشرة على كامل الجغرافيا السورية، وبالذات داعش التي تنشط في البادية السورية. وتبقى أولوية تركيا هي بعدم السماح بإقامة دولة للأكراد على حدودها، وتركيا مستمرة في توسيع عملياتها ضد قسد، وهذا سيعقد العلاقة بين تركيا والقوات الأميركية التي توفر الحماية العسكرية لقسد في شرق الفرات. أما الأميركي والإسرائيلي فلهما مصلحة في نشوء جغرافيا سياسية تكون أطرافها متوازنة فيما بينهما، على ألا ترجح كفة تركيا ولا تطلق يدها كلياً في الداخل السوري. فيما تبقى مصلحة تركيا في تقليص، وليس القضاء على، التواجد الروسي لموازنة التواجد الأميركي في شرق الفرات وحماية مصالح تركيا السياسية والاقتصادية الكبيرة مع روسيا.
وما يعقد خريطة التناقضات والصراعات أيضاً ان بعض الأنظمة العربية الرسمية، مثل الأردن والعراق ومصر والسعودية والإمارات، غير مرتاحة بالمطلق لحكم التيارات الإسلامية النيوعثمانية في سوريا، إذ لا يتماشى أحمد الشرع مع مصالحهم، بل ويعتبرونه خطراً على انظمتهم. هذا حتماً سيعقد من فرص توفير الدعم المالي الخليجي المطلوب ليس فقط في ملفات الإعمار وإصلاح البنية التحتية والتنمية، بل والأهم في قدرة الحكومة الانتقالية على الاستجابة الفورية لمطالب الشعب الذي يعاني من معدلات بطالة تصل في بعض المناطق من 40% إلى 80%، في الوقت الذي تبلغ فيه معدلات الفقر 80%. وأكثر من 13 مليون سوري بحاجة لمساعدات إنسانية، هذا دون عودة اللاجئيين الذي يقدر عددهم بأكثر من 5 مليون يقيمون في دول الإقليم المجاورة لسورية أو القريبة منها. كل هذا سيفاقم الوضع الاقتصادي المتدهور أصلاً، في ظل تهديد بتعليق إمدادات القمح الروسية إلى سوريا بسبب ضبابية العلاقة بين الروس والحكومة الإنتقالية ومشكلات تتعلق بالدفع.
بالمحصلة، تمر سوريا الآن في مرحلة تطغى عليها تحديات ومعضلات كبيرة بسبب سرعة التحولات التي تفرز واقعاً معقداً جداً، وتجعل محددات أي سيناريو ممكن أيضاً أمراً في غاية التعقيد. ولا بد من أن نتوقع مزيجاً من السيناريوهات المحتملة ومن المفاجآت، فسوريا لا نزال في عين عاصفة إقليمية ودولية سيكون لها هزات ارتدادية وصدمات إضافية. ولكن هذا لا ينفي أن الركيزة لكل هذه الاحتمالات هو أن سيادة سوريا ووحدة أراضيها على المحك. والسؤال بالتالي: هل هناك أفق لتشكل حكومة دستورية تستجيب لتطلعات الشعب السوري في الديمقراطية والتنمية في ظل دولة منزوعة السلاح ومنزوعة السيادة وأصبحت أراضيها ومقدراتها نهباً للمطامع التوسعية الإسرائيلية والتركية؟ هذا السؤال مطروح على القوى اليسارية والوطنية والقومية التي عليها أن تعي أن سوريا قد ترقص اليوم منتشية بزوال حكم عائلة الأسد وحزب البعث، ولكنها تثمل على شفا حفرة من نار الخراب والتقسيم لأرضها الواحدة السيادية. طبعاً هذا المشهد يفاقمه عاملان:
العامل الأول: هو تاريخ أحمد الشرع وماضيه الدامي في تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين في العراق، وجماعة جند الشام في لبنان، ودولة العراق الإسلامية في نينوى العراق، وجبهة النصرة وجبهة فتح الشام في سوريا، وكأمير هيئة تحرير الشام، التي بسطت سلطتها على معظم محافظة ادلب، وتحكمها مع حكومة الإنقاذ بإدارة محمد البشير سابقاً وسط اتهامات بالتلاعب بنظم الحكم، وقضايا الفساد والرشاوي وسرقة المعونات والأتاوة، وإخضاع الناس لأنواع مختلفة من القمع والقسوة والاضطهاد والإرهاب. كل هذا يجعل من مصداقية أحمد الشرع وحكومته مسألة رمادية ومعقدة فيما يخص تأهيل مشروعية الدولة السورية في تحقيق السلم الأهلي وضمان الأمن العام، ومخاوف احتمال عودة الاستبداد وترسيخه بما يعيد عجلة الدكتاتورية إلى الدوران. وعلى الرغم من سياسة الانفتاح وخطاب طمأنة "الأقليات" التي ينتهجها أحمد الشرع والحكومة الانتقالية، إلا ان الأيام الأخيرة شهدت مغادرة عدد كبير من العائلات العلوية والشيعة والمسيحية إلى لبنان، وهذا سيعقد مشهد التحولات السياسية في سوريا بتحولات وتغيرات ديموغرافية.
العامل الثاني: هو تواجد مجموعات تقدر بـ" 17 كتيبة" (أكبرها هيئة تحرير الشام، وثانيها الجيش الوطني)، تختلف مشاربها ومآكلها الفكرية والعقدية والسياسية، من الاسلامية المتنوعة الى العلمانية، ولا رابط بينها إلا هدف اسقاط بشار الأسد. المحتمل أن الجيش الوطني (وهو ائتلاف ميليشيات تابعة لتركيا، فيها من بقايا الجيش الحر، والتركمان، والاخوان، وفيلق الرحمن، وجيش الإسلام، وغيرهم من الكتائب المسلحة في مناطق السيطرة التركية في شمال سورية)، سيبرم اتفاق مصالحة مع الحكومة الانتقالية بضمانة تركية. ولكن هناك سؤال عن باقي الكتائب المسلحة (ميليشيات الجنوب، وأبناء التسويات في أرياف دمشق وحمص وحماة، وداعش)، وماذا ستكون ردة فعلهم على قرار الحكومة الانتقالية للميليشيات الأجنبية بمغادرة سوريا، وجمع سلاح كل الكتائب والانضواء تحت راية وزارة الدفاع والقوات المسلحة؟ هل سيبادرون بابرام اتفاقات مصالحة مع الحكومة الانتقالية، أم سيبدؤون بالإقتتال والتناحر مع الحكومة الانتقالية على تقاسم كعكة النفوذ والمناصب والمناطق، والمنافع الشخصية لقادتهم، والمزاودة على بعضهم البعض في تحالفات داخلية خارجية؟
هذا الحجم من التدخلات والتعقيدات المحلية والإقليمية والدولية، وهذا المشهد الغني بشتى الاحتمالات والانفجارات لا يخص سوريا وحدها، بل سيعيد هندسة وتشكيل العالم العربي برمته، وله تبعاته وتداعياته على حرب الإبادة في غزة، وعلى كل فلسطين والقضية الفلسطينية، وعلى فصائل المقاومة في لبنان والعراق واليمن ومحورها، وعلى الشعوب العربية، وحتى على الأنظمة العربية الرسمية.
في سلم أولويات القوى اليسارية والوطنية والقومية قد لا يكون شكل ولون العلم السوري في هذه المرحلة مهماً. إلا ان مشهداً طرأ بظهور علم تحرير الشام إلى جانب العلم الأخضر بثلاث نجوم في مقر رئاسة الوزراء خلف محمد البشير. والسؤال هو: أي مؤشر هو ذا على مستقبل سوريا والمنطقة في ظل بدء وضع حجر الأساس لشرق أوسط جديد يحلم بأن يشيد هيكله الصهيوصليبي على خراب البلاد وجماجم شعوب المنطقة، والسيطرة على كامل المنطقة العربية من خلال احتلال الأراضي والمقدرات، والحروب، وإقامة أحلاف أمنية وعسكرية واقتصادية تضمن أمن وتفوق "اسرائيل الكبرى،"، والحفاظ على مصالح الإمبريالية الأميركية وهيمنتها الأحادية على العالم؟.
لا وقت لسوريا للرقص على أوهام الحاضر، ولا البكاء على عذابات الماضي. ولا سيادة ولا وحدة ولا ديموقراطية ولا تنمية في ظل التبعية للتركي، ومراضاة الأميركي، والتنافع مع الإسرائيلي على القضاء على فصائل ومحور المقاومة. ما تحتاجه سوريا الآن الآن وليس غداً هو تجميع كافة قوي وفعاليات السياسية والاجتماعية، وتوحيد جهودها لاستنهاض مناخ ومشروع تحرري قوامه قطع تأمين المصالح الصهيونية والنيوعثمانية والإمبريالية في المنطقة عبر البوابة السورية. ما تحتاجه سوريا الآن هي قيامة سلطان باشا الأطرش في السويداء، وصالح العلي في اللاذقية، وإبراهيم هنانو في حلب، ومحمد العياش في دير الزور، وفوزي القاوقجي في حماة، وحسن الخراط في الغوطة، ومحمد الأشمر ويوسف العظمة في دمشق. وكلنا أمل وثقة بأن الشعب السوري الحبيب والعظيم هو أهلٌ لها.
Related Posts
كاتبة وباحثة فلسطينية