Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

في مقالها "الحرب الراهنة والفرص جديدة لإسرائيل في سوريا" تحاول كرميت فالنسي – مديرة الملف السوري في "معهد أبحاث الأمن القومي" – تقديم مقاربة للسياسة الإسرائيلية الحالية تجاه الحرب الدائرة في أوكرانيا. تصف كرميت السياسة الإسرائيلية الحالية في ملف الحرب الروسية الأوكرانية بـ"المشي بين النقاط". ينبغي على الإسرائيليين تجنب استفزاز موسكو، تقول كرميت، نظراً للمصالح المتقاطعة بين الطرفين؛ بينما لا تستطيع "إسرائيل" الابتعاد عن واشنطن فالتماهي مع سياسات أميركا والديمقراطيين فيها حبل نجاة حكومة بينيت. يعي بينيت ذلك بشكل كبير، وأكثر، هو يعلم أن خسارة الناتو في كييف سترخي بظلالها على الشرق الأوسط.

هيئة التحرير

إسرائيل في سوريا: على مفترق طرق... تقدير موقف

في مقالها "الحرب الراهنة والفرص جديدة لإسرائيل في سوريا" تحاول كرميت فالنسي – مديرة الملف السوري في "معهد أبحاث الأمن القومي" – تقديم مقاربة للسياسة الإسرائيلية الحالية تجاه الحرب الدائرة في أوكرانيا. تصف كرميت السياسة الإسرائيلية الحالية في ملف الحرب الروسية الأوكرانية بـ"المشي بين النقاط". ينبغي على الإسرائيليين تجنب استفزاز موسكو، تقول كرميت، نظراً للمصالح المتقاطعة بين الطرفين؛ بينما لا تستطيع "إسرائيل" الابتعاد عن واشنطن فالتماهي مع سياسات أميركا والديمقراطيين فيها حبل نجاة حكومة بينيت. يعي بينيت ذلك بشكل كبير، وأكثر، هو يعلم أن خسارة الناتو في كييف سترخي بظلالها على الشرق الأوسط.

تل أبيب أمام توازنات دقيقة بين المصالح والمضار إذاً. الانحياز لواشنطن قد يعود بالضرر على المصالح الإسرائيلية في المنطقة وفي سوريا بشكل خاص. أما "من الناحية الأخلاقية" بحسب قول عاموس يادلين، فما من شك في الطرف الذي ينبغي لإسرائيل الوقوف بجانبه. مكان "إسرائيل" الطبيعي هو بالانحياز للولايات المتحدة والغرب يردف قائلاً. مكانة "إسرائيل" لدى الدول الغربية مصلحة استراتيجية وحيوية بالنسبة للإسرائيليين. العلاقة مع واشنطن وأوروبا هي إحدى كبريات أرصدة "إسرائيل" الدبلوماسية. تقدم تل أبيب نفسها باعتبارها رمزاً "للديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط". وهي تعي أهمية هذه الصورة جيداً في المخيلة الغربية. تتباهى تل أبيب بـ"طابعها الديمقراطي"، وبـ"سيادة القانون" و"حرية الصحافة". وتتماهى بشكل كلي مع منظومة القيم الغربية.

إذن، لماذا والحال هذه تتردد "إسرائيل" في حسم خياراتها تجاه كييف؟ يحسم يادلين: لاعتبارات استراتيجية – أمنية، منها تقييد حركة نشاط سلاح الجو في سماء دمشق. "المعركة بين الحروب" في سوريا لا تزال سارية المفعول سياسياً، وهي تحد من قدرة الطرف الإيراني على التموضع وبناء قواعد له في العمق السوري. "إسرائيل" تسعى جاهدة لضمان استمرار الغطاء السياسي لهجماتها العسكرية في سوريا، وهذا يتطلب انحيازاً بل تفهماً للسياسات الروسية في أوكرانيا طالما أنها لا تمس بالمصالح الإسرائيلية.

ومع ذلك، تتضاءل أهمية عمل سلاح الجو الإسرائيلي في سوريا لصالح استراتيجية أكثر أهمية هي العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة. "يواجه بايدن اليوم أكبر اختبار يهدد الغرب. نحن على شفى حرب نووية. حسناً لا داعي للحيرة أو التردد. على إسرائيل التركيز على الوقوف دون تردد إلى جانب الولايات المتحدة"، يقول يادلين. فإسرائيل تتمتع منذ عقود بدعم أميركي متعدد المستويات ويطال كل جوانب الأمن القومي؛ في المحافل الدولية تؤمّن الولايات المتحدة دعماً سياسياً مطلقاً لتل أبيب يحول دون عزلتها. على المستوى الأمني، تقدم الولايات المتحدة ضمانات ومساعدات "لإسرائيل" لمواجهة التهديدات الأمنية الخطرة، وضمان تفوق الأخيرة العسكري والنوعي.

في المقابل، ترى الولايات المتحدة في التفوق العسكري الإسرائيلي رصيداً استراتيجياً لها، وهو أحد أسباب الاستقرار الإقليمي في الشرق. إذ تعزز قوة "إسرائيل" وتفوقها النوعي صورة الردع الأميركي في بيئة الشرق المعادية. كما أن محافظة تل أبيب على تفوقها أعواماً طويلة يشجع الدول العربية، بالتدريج، على الاعتراف بأن "إسرائيل هنا لكي تبقى". وهذا الاعتراف صار منذ الستينيات مكوّناً مركزياً في قرارات الإدارة الأميركية. وكل هذه النقاط تصعّب الوصول إلى توازن دقيق بين المضار والمصالح في "إسرائيل".

 

كيف تتطلع "إسرائيل" إذاً لميزان المصالح والمضار في علاقتها الراهنة مع كل من الولايات المتحدة الأميركية، أوروبا، روسيا، وانعكاسات شبكة العلاقات المعقدة هذه كلها على وضعها الراهن، سياسياً وعسكرياً؟

1-      على مستوى العلاقات مع الولايات المتحدة:

يدرك بينيت أن ثمة تحالفاً بينياً بينه وبين الديمقراطيين في الولايات المتحدة. وأن نجاح/فشل أي منهما يحتّم نجاح/فشل للطرف الآخر. فشبكة العلاقات بين الطرفين طوال أربعة عقود (بوساطة الآيباك والمؤسسات المؤسسات الأخرى) قد جُيّرت في السنوات الأخيرة لصالح كل من الليكود في "إسرائيل" والجمهوريين في أميركا. مع بداية حكم بايدن، ومع فوز نفتالي بينيت في رئاسة الحكومة بدا أن الطرفان يتطلعان لنوع من "الصياغة الجديدة" للعلاقات وحدودها بينهما. المساعدات الأمنية المضافة التي أقرها بايدن في أيار من العام الماضي كانت بمثابة "مبادرة حسن نوايا" تجاه "إسرائيل الجديدة". إذ شملت المساعدات على "ذخائر الهجوم المباشر المشترك" المعروفة باسم  JDAMS  لتحويل القنابل "الغبية" إلى صواريخ دقيقة التوجيه، كما ولتقنيات تطوير المنظومة الاعتراضية للقبة الحديدية. وهذا ما لا يريد جيش الاحتلال ولا حكومته خسارته، بعد أن سجل مجلس الشيوخ الأميركي اعتراضات على هذه المساعدات.

2-      على مستوى العلاقات مع روسيا:

على المستوى الاستراتيجي، شكل الدخول الروسي إلى الشرق الأوسط تحولاً استراتيجياً ضخماً للإدارة الإسرائيلية، بعد أن ابتعدت موسكو عن المنطقة منذ أواسط السبعينيات. هكذا، وفجأة، وجد الإسرائيليون أنفسهم أمام واقع جديد. الأمر الذي تطلب تنسيقاً أمنياً وعسكرياً وسياسياً على أعلى المستويات بين موسكو وتل أبيب. على المستوى الدولي، أيّد الروس في مجلس الأمن الدولي قرارات معادية لإسرائيل، كما شهدت الساحة السورية نوعاً من الكباش الإسرائيلي - الروسي حول "حدود المسموح به روسياً" في سوريا. وبالرغم من أن روسيا لم تمنع "إسرائيل" من شن ضربات جوية ضد الإيرانيين هناك، إلا أنها سمحت لإيران وأذرعتها بنقل قدرات عسكرية ضخمة، والتمركز في مناطق قريبة من "إسرائيل".

واستكمالاً لهذا الإطار، باعت روسيا أعداء "إسرائيل" كإيران وسوريا منظومات سلاح متطورة، كصواريخ الكورنيت المضادة للدبابات، وصواريخ بر - بحر استراتيجية، ومنظومات دفاع جوي متطورة، وغيرها. كما أن ضعف الرقابة الروسية على المستخدمين النهائيين لهذا السلاح وغضّ نظر موسكو عن الأمر، سمحا بـ"انزلاق" جزء من هذه المنظومات إلى أيدي حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي الذين استخدموها بشكل فتاك ضد الإسرائيليين. هكذا تُثبت الخطوات الروسية أنها ليست حليفاُ لإسرائيل، وإن لم يتخذ الروس خطوات تصعيدية كأعداء محتملين للإسرائيليين.

3-      في الجانب العملياتي في سوريا:

تدرك "إسرائيل" قدرة روسيا على تحجيم دور سلاح الجو الإسرائيلي في سوريا. وهو ما سيجعل من الجبهة الشمالية منطقة لهيب ساخن ينذر بما لا تُحمد عقباه بالنسبة للإسرائيليين. في المقابل، تدرك روسيا جيداً قدرة "إسرائيل" على زعزعة الاستقرار الذي تسعى موسكو لتحقيقه منذ أمد بعيد في دمشق. بالنسبة للإسرائيليين، فإن معادلة الردع بين الطرفين هناك متبادلة. وفي هذه المرحلة بالذات، لا نية لموسكو لتوسيع الخلاف بين الطرفين.

من جهة أخرى، يرى الإسرائيليون أن الهجمات الجوية ضد أهداف إيرانية تعود بالنفع على موسكو ولو بشكل غير مباشر، إذ تعزز هذه الهجمات من نفوذ الروس قبالة الإيرانيين في ظل تنافس بين الطرفين على إحكام قبضة كل طرف منهما على القرار السياسي في دمشق، كما تعزز الضربات الإسرائيلية حاجة جميع الأطراف لروسيا.

موسكو بدورها، كانت قد أعلنت في شهر شباط/ فبراير أن التنسيق مع إسرائيل في المجال الجوي السوري سيستمر. لكن المشهد تغير بعيد الرابع والعشرين من شباط المنصرم.

مشهد العمليات بعد 24 شباط:

فاجأت موسكو العالم بهجومها المباغت. وبالرغم من عشرات التقارير الغربية التي كانت تتحدث عن قرب الهجوم الروسي، إلا أن الخبراء العسكريين في كييف ظلوا مصرين أن القوات الروسية تحتاج ما بين العشرة أيام إلى أسبوعين لاتخاذ وضعية هجومية. المفاجئ أكثر كان في القسمة الحادة بين محورين على مستوى العالم. أعلن بشار الأسد تأييد الإجراءات الروسية في أوكرانيا بشكل مطلق، وفي محادثة هاتفية مع نظيره الروسي، قال الأسد إن روسيا لا تدافع عن نفسها فحسب بل وعن العالم بأسره. بينما أعلنت الخارجية الإسرائيلية وقوفها في الطرف المقابل. يعي الطرفان الإسرائيلي والسوري أن للحرب الروسية - الأوكرانية انعكاسات حتمية على الميدان السوري. التقديرات تختلف فقط في قياس حجم ومدى تلك الانعكاسات.

1-      بالنسبة للسوريين:

قد تتولد مخاوف في دمشق من تغير قد يطرأ في المصالح الروسية بعد القطيعة الغربية الكبيرة لروسيا، الأمر الذي من الممكن أن يوصل موسكو إلى تسوية تقتضي بتخفيف دعمها للطرف السوري، مقابل كسب مشروعية أكبر لعملياتها العسكري في أوكرانيا.

في الجانب الاقتصادي، تكابد سورية منذ سنة 2009 أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وتعاني من نقص حاد في القمح والنفط. روسيا هي مصدّر القمح الأكثر أهمية إلى سورية، (بما يزيد عن مليون طن في السنة). وقد دفع التوجس من وقف معونات القمح من روسيا الحكومة السورية إلى عقد اجتماع استثنائي عشية بدء العمليات الروسية في أوكرانيا في 24 شباط/ فبراير المنصرم للبحث في آثار الحرب على الوضع الاقتصادي السوري.

في الجانب العسكري، سيؤدي التوتر بين الإسرائيليين والروس إلى تهديد استقرار المناطق الآمنة في سوريا، لا سيما في الجنوب السوري عامة، وفي مناطق الحافة الحدودية (بين فلسطين وسوريا) وصولاً إلى ضواحي دمشق الجنوبية. ولا شك في أن مثل هذا التطور لن يكون في مصلحة النظام السوري الذي يصارع لترسيخ الاستقرار في أنحاء الدولة.

2-      بالنسبة للإيرانيين:

تأخذ إيران في الحسبان احتمال إقدام إسرائيل على استغلال انشغال الروس في أوكرانيا لتكثيف غاراتها الجوية في سوريا. في المقابل، تتخوف إسرائيل من أن يستغل الإيرانيون الوضع المتوتر بين الإسرائيليين والروس لإحداث تحول في "توازنات الجو" السورية. الطرفان – الإيراني والإسرائيلي – يعرفان أن ثمة تغيير ما سيحدث، وربما تحمل الأيام القادمة مؤشرات دالة في هذا الخصوص.

3-      بالنسبة للروس:

تشير بعض التقارير بتجنيد قوات سورية من الفيلق الخامس العامل تحت الإمرة الروسية، استعداداً للمشاركة في عمليات حربية ضد أوكرانيا. المخاوف الغربية الأكبر تكمن في أن تبادر روسيا إلى إطلاق صواريخ من قواعدها في سورية ضد أهداف أوكرانية. سيكون لمثل هذه الصواريخ معانٍ خطرة، إذ ستنذر أن شرر الحرب قد وصل إلى الأناضول والحافة الشرقية للمتوسط. والأخطر، أن مثل هذه الخطوة ستخيف كل القوى الغربية والمتحالفة مع الناتو في البلقان لوقوعهم في دائرة مدى الصواريخ الروسية في سوريا.

صحيفة الخندق