تزج الولايات المتحدة بأكبر حاملات الطائرات في أسطولها لتساند العدوان الإسرائيلي بينما تشارك بريطانيا بقطع بحرية وطائرات تجسس، وبمجيء وزير الخارجية الأميركي إلى فلسطين المحتلة ليعلن "لا تضامن بلاده مع الكيان الغاصب" فحسب ولكن يعلن كذلك تماهيه معه ويقول "أنا هنا كيهودي ابن يهودي" يكون الانخراط الأميركي والبريطاني في الحرب كاملاً
حرب العالم على غزة؛ حرب غزة لتحرير العالم
تزج الولايات المتحدة بأكبر حاملات الطائرات في أسطولها لتساند العدوان الإسرائيلي بينما تشارك بريطانيا بقطع بحرية وطائرات تجسس، وبمجيء وزير الخارجية الأميركي إلى فلسطين المحتلة ليعلن "لا تضامن بلاده مع الكيان الغاصب" فحسب ولكن يعلن كذلك تماهيه معه ويقول "أنا هنا كيهودي ابن يهودي" يكون الانخراط الأميركي والبريطاني في الحرب كاملاً.
ويشن إعلام الغرب حرباً دعائية حقيقية وفجة لا على المقاومة فحسب بل على سائر العرب والمسلمين. وتتحرك أنظمة الغرب لتشديد تجريم التعاطف مع فلسطين – وفي بعض البلدان تشدد أجهزتها القمعية من بطشها لهذا التعاطف بينما نرى في أماكن أخرى تهديدات بالقتل من أطراف معلومة ومجهولة تصل إلى المتضامنين مع فلسطين؛ ويدخل الغرب بشكل واضح في الحرب ضد المقاومة.
بينما يجتمع في يد المقاومة، عن قصد أو بتصاريف القدر، عدد غير معلوم حتى الآن من الأسرى الأميركيين والأوروبيين، جاءوا سائحين أو مستوطنين أو متطوعين في جيش العدو.
وسواء خططت المقاومة لذلك أم لا، فهؤلاء الأجانب هم عبء وترف: هم يؤكدون على تورط المقاومة من البداية في مواجهة مع أميركا وإن تجنبتها، وهم يمنحون المقاومة ما تضغط به على قوى الاستكبار القادمة لدعم العدو. وسواء خططت لذلك أم لا فإن عناصر مواجهة دولية ما بين قوى الاستكبار العالمي، أو "الإمبريالية"، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، وبين قوى التحرر وعلى رأسها كتائب عز الدين القسام قد بدأت تتجمع في المنطقة.
قد يعلم القارئ سلفاً ما تعيد الأحداث تأكيده: أننا كلّما أوغلنا في العدو وجدنا أميركا؛ وجدنا ثقافتها وسياحها ومستوطنيها والمعجبين بالحضارة الاستيطانية التي تشبهها، ووجدنا تعزيزاتها العسكرية وآلتها الدعائية؛ ووجدتنا شبكة الإمبريالية وحقيقة الاستكبار العالمي سافرة!
وكلما ظننا أننا نستطيع تحييد أميركا في مرحلة معينة أكدت لنا المراحل أن الاستعمار الغربي ليس مجرد داعم للصهيونية بل هما امتداد لبعضهما. ولو زحفت قوات المقاومة إلى تل أبيب لوجدت الجيش الأميركي، بقطعه الحربية وبعتاده بل وربما بمرتزقته وجنوده، يدفعهم عنها. ولو أن قوى المقاومة حررت فلسطين وأقامت فيها دولة العدل فستحاصرها أميركا وتخيرها إما أن تخون بعد التحرير مصالح شعبها لمصلحة الاستعمار، أو تبقى تحت حصار أميركا ومؤامراتها.
ولكن كيف ينتصر نفر قليل محاصرون في زاوية ضيقة من هذه الأرض على مستكبري العالم؟
أحرار العالم وحلف المستضعفين
في خطابه الذي أعلن فيه عن بدء عملية طوفان الأقصى، ناشد القائد محمد الضيف، فيمن ناشد، من أسماهم بأحرار العالم. المصطلح، على حد علمي، يعود إلى أدبيات اليسار الفلسطيني في الستينات والسبعينات: أيام كانت الثورة الفلسطينية في طليعة جبهة عالمية، عسكرية وسياسية وثقافية، ضد الإمبريالية. وبينما يمكن للمصطلح أن يعني أشياء شتى، فقد كان يشير بشكل ما إلى ذلك التحالف الواسع ضد الإمبريالية، والذي امتدّ مروراً بحركات في مناطقنا وبحركات السود والسكان الأصليين في أميركا وببعض أطراف اليسار العالمي التي أخذت مواقف واضحة في التضامن مع القضية أو حملت السلاح في صفوفها.
عبقرية المصطلح، أنه بينما لا يترفع عن مخاطبة سائر العالم، لا يخاطب في هذا العالم "رأيه العام" ولكن "أحراره": القائد الضيف، الواعي بالظروف السياسية للمعركة كما يليق بالقادة، لم يخاطب "المجتمع الدولي" ولا "الشرعية الدولية" ولا حتى "الرأي العام العالمي": هو يخاطب الأحرار: الذين يقاتلون هم من أجل حريتهم ضد قوى الاستكبار العالمي، أو الذين يؤمنون مثلنا بالحرية.
وباستعادة القائد الضيف لهذا المصطلح "اليساري" في هذه اللحظة الفارقة، فقد أعاد كذلك للحركة الإسلامية خطاب نصرة المستضعفين الذي كان ذات يوم خطاب الحركات الإسلامية على اختلافها، ووضعه في قلب المعركة.
ولكنه يضعه كذلك في ظروف جديدة؛ في عالم تسرق فيه النيوليبرالية من الناس قضاياهم وتسلعها أو تغلفها بغلاف فردي، وفي نفس الوقت مع ظهور حركات احتجاجية جديدة سيتفتح وعيها على هذه المواجهة الحاسمة.
وقد رأينا في الأيام الأخيرة الفرز الذي حدث في العالم الغربي مع تنامي شراسة قوى الاستكبار ضد كل من يتعاطف مع فلسطين.
ثمة يسار إمبريالي مائع يريدنا أن نخضع نضالنا لمصالحه ومعاييره، وثمة يسار يتضامن معنا ومع مقاومتنا. ثمة رأي عام تحركه الإمبريالية ضدنا وثمة مهمشون في كل العالم يشاركوننا حنقنا على الاستكبار العالمي ويدفعون مثلنا ثمنه ومنهم من نزل للمظاهرات بالآلاف دعماً لقضيتنا. وثمة شعوب تعاني من قبضة الإمبريالية ممن ينهب الاستعمار مواردهم ويمزقهم بالحروب الأهلية في أفريقيا ومن أصحاب الأرض من أهل أمريكا الشمالية والوسطى والجنوبية الأصليين؛ ومن المهاجرين واللاجئين والكادحين وأحفاد المستعبدين.
بحلف المستضعفين هذا ندخل الحرب ضد قوى الاستعمار (ونكسبها على المدى الطويل إن شاء الله).
المسألة ليست بسيطة أو واضحة: لا يمكن في هذه الظروف أن نترك المجال لأي نوع من "التحالف الذيلي" حتى مع الفئات التي تدعمنا: آلة الإمبريالية الدعائية وسياسات الهوية النيوليبرالية تشكل وعي الناس – بمن فيهم المتضامنون معنا بل وبعضنا -، ولو تركنا أنفسنا لخطابات التضامن الجوفاء فسنرى المزيد ممن لا يتضامنون معنا إلا ونحن ضحايا. لا بد أن تكون مقاومتنا في موقع الطليعة والقيادة والمثل الأعلى من هذا الحلف.
ولهذا (وقد يبدو الأمر ضرباً من خيال ولكن المقاومة أثبتت في الأيام الماضية أن للخيال دوراً في تخطيطها وأنها قادرة على أن تجعل الخيال حقيقة) فإني من هذا الهامش أقترح على كتائب عز الدين القسام وسائر قوى المقاومة في غزة أن تفاوض الأمريكيين، مقابل بعض من في يدها من أسرى، على إطلاق سراح أقدم سجين سياسي في الولايات المتحدة: ليونارد بيلتييه، المقاوِم والقيادي في حركة أصحاب الأرض الأصليين المعروفة بـ"الحركة الهندية الأمريكية" والذي تعتقله سلطات الاحتلال الأمريكية منذ العام 1977 على خلفية تصدي الحركة لعدوان من قبل "المباحث اليفدرالية" الأمريكية على إحدى مناطق "الحكم الذاتي" في العام 1975؛ وأن تكون هذه بداية لحلف سياسي وأخلاقي جديد.
Related Posts
باحث وأستاذ جامعي مصري