Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

إن الانفتاح على الأمة بات هو المطلوب اليوم، حيث أن الأمة تواجه الأعداء من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها

موسى عمر

من وحدة الساحات إلى ميثاق الثغور

شكّلت معركة سيف القدس في شهر رمضان من عام 2021 شرارة معرفة مدى ضعف العدو الصهيوني، وقوة المقاومة الفلسطينية في المقابل. فاشتعال ساحات غزة والقدس والضفة وأراضي الـ48 جعل العدو في موضع حرج أُرغِم فيه على إيقاف الحرب خلال أيام معدودات. آنذاك، تم تداول مصطلح وحدة الساحات في محور المقاومة الممثّل بكل من حماس وحزب الله والحرس الثوري الإيراني وفصائل المقاومة العراقية. أدى المفهوم وظيفة ردعية في تلك الفترة، ومع ذلك أظهر طوفان الأقصى أن العدو كان قد هضم مفهوم الردع في وحدة الساحات عبر إجراءات مهمة. ففي الضفة والقدس تم هضم المفهوم عبر سلسة من الإجراءات التي كان أثرها واضحاً في برود هذه الساحات اخلال الطوفان. أما ساحة الـ48 فقد عمل العدو على تقوية قبضة الدولة الأمنية في مواجهة فلسطينيي الداخل من خلال ردع أي فكرة للمشاركة في عمل جماهيري أو انتفاضي مستقبلي. هذا في الساحة المباشرة لمواجهة العدو، أما في ساحة الإسناد الرئيسية في لبنان، فقد تم مواجهة الحزب بطريقة اربكت حساباته وجعلته خارج معادلة التأثير، هذا بالاضافة إلى أن الهجمات الصاروخية الايرانية خلال عام 2024 لم تردع العدو أو تمنعه من استمرار عدوانه على غزة ولبنان، وبالنتيجة فان العدو استفاد من وحدة الساحات لجعلها "وحدة السيطرة على الساحات"، ما عدا ساحتي اليمن وغزة حتى الآن. وعليه، بات من المؤكد أن العدو ومن خلفه الشيطان الأميركي لن يتوقف عن مشروعه الجديد في المنطقة ولو فتحت جبهات جديدة كما تم الاعتقاد سابقاً.

إن هذا التوضيح ليس تخذيلاً عن نصرة المسلم لأخيه المسلم، بل هو وضع للنقاط على الحروف في مواجهة الأعداء (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال). ولإيضاح كيف أن سقوط الأمة في الاستضعاف المستمر لما يقرب من قرنين وأكثر، وغياب الشوكة التي تحمي الفئات المرابطة على ثغور الأمة وتوفير الانحياز اللازم لها في لحظات الضعف والانكسار، يجعل حافز اللجوء إلى التفكير في الحلول المطلوبة من الأمة أكبر، وأن فشل مفهومٍ كوحدة الساحات لا يعني الهزيمة بل يعني تطوير هذا المفهوم للعمل على انجاحه وايقاظ الطاقات وتفجيرها خدمة للأمة، من قبيل ما اقترحه الشهيد السنوار من مثل إنشاء اتفاقية دفاع مشترك تضم وحدة الساحات، وأكثر.

والملاحَظ أن وحدة الساحات جاءت لاحقة لمصطلحات متقاربة من جبهة الصمود والتصدي في القرن الماضي، وجبهة الممانعة ومن ثم حديثاً محور المقاومة، حيث أن التشظي في الأمة والذي تم توجيهه بالخصوص مع الثورات العربية مع ما رافقه من استغلال للانقسام الطائفي، جعلت وحدة الساحات مفهوماً غير متفق عليه، أو بمعنى أدق هو وحدة ساحات محدودة التاثير و"لطائفة من الأمة وليس للأمة جمعاء"، وهو ما استغله الأعداء في اللعب على الانقسامات الطائفية والمذهبية والقومية، بمثل ما فعله الأعداء من قبل مع مفهوم القومية العربية والطورانية في الحرب العالمية الأولى والتي انتهت بتقسيم البلاد العربية والإسلامية.

في هذا السياق، فإن الانفتاح على الأمة بات هو المطلوب اليوم، حيث أن الأمة تواجه الأعداء من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، وأن ثغور المواجهة التي لم تندرج كلها من قبلُ في وحدة الساحات وأدت إلى عدم نجاح الفكرة مدعوة اليوم إلى ميثاق في ما بين هذه الثغور، وحين نستخدم مصطلح الثغور فهو يشمل من يسعى لنهضة الأمة - وباستقلال ولو جزئي عن النظام الدولي بقيادة امريكا والصهيونية -، حيث ان الثغور الرئيسية الآن هي كما يلي:

الثغر الأول: فلسطين بقيادة حركة المقاومة الإسلامية حماس.

الثغر الثاني: سوريا بعد التحرر من النظام البعثي بقيادة هيئة تحرير الشام.

الثغر الثالث: شمال اليمن بقيادة انصار الله.

الثغر الرابع: أفغانستان بقيادة طالبان.

الثغر الخامس: الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

تمتاز هذه الثغور الرئيسية بسيطرة على الأرض واستقلال في القرار يمكّنها من التفكير خارج العواطف أو التاثير الموجّه، كما أن دخول أفغانستان سيوازن إيران ويخرج الذرائع الطائفية. كما أن هذه الثغور مرشّحة للزيادة في الغرب الليبي وشرق السودان واليمن، أما الدول ذات السيادة مثل تركيا فإنها تعتبر من الثغور الرئيسية ولكن دخولها في ميثاق الثغور يتطلب منها مواقف اكثر استقلالية قد لا تقدر على دفع أثمانه حالياً من مثل انسحاب تركيا من حلف الناتو.

إن الحديث عن هذه الثغور ليس حديث الأحلام أو التفكير الأسطوري، بل هو حديث عن ظروف متشابهة واعداء موحّدون متيقّظون، ولنأخذ على سببيل المثال سوريا بعد التحرير؛ إن الحديث عن سوريا والنصح لها بسياسة النأي عن النفس عن معركة طوفان الأقصى هو حديث الأحلام، فكيف لبلد محتل من العدو الصهيوني ابتداءً والأميركان ووكلائهم حديثاً في الشرق والجنوب أن يتحدث بلغة النأي بالنفس عن المشاكل الاقليمية، ولناخذ التاريخ بعبَره المفيدة، فبعد انقلاب عمر البشير الإسلامي عام 1989 كانت الظروف مشابهة لاستلام الشرع لسوريا، من حيث اللحظة التاريخية في حينه والتي ترافقت مع تفكك الاتحاد السوفياتي، فعملت أميركا على استغلال النظام الجديد لجعله مدجّناً مهضوماً في النظام الإقليمي والدولي، فأدخلوه في حرب استنزاف وهمية في الجنوب أمام ميليشيات شتى في حرب متجددة لا نهاية لها.أما دعوى حفظ الدولة فقد انتهت بتجزئتها، كما استغلوا قدراته في قلب نظام الحكم في أثيوبيا والتي تحوّلت - للمفارقة - إلى خنجر في ظهر الأمة (مصر بالتحديد)، كما أنهم قزّموا تجربته بأن انقلب النظام على مفكّره الدكتور حسن الترابي.

ولعل الدليل الأميركي يعاني من الضعف وعدم الإبداع لتشابه اليوم بالأمس، فالثغر السوري بعد التحرير يُراد له السير على الطريقة السودانية من خلق أعداء في حرب متجددة في الساحل ومع لبنان، وبذلك فإن هذا الثغر سيتم هضمه مع الأيام إن لم يتم استدراك الأمر، على الرغم من الأثمان التي يمكن أن تُدفع، لناحية العقوبات وغيرها.

لقد تعاملت أميركا خلال الحرب الباردة مع الكتلة الشرقية بنفس الطريقة؛ أي بالاستفراد والتشتيت، فتحالفت مع السوفيات خلال الحرب العالمية الثانية ومن ثم حاربتهم بعد تفكك النظام النازي، ومن ثم تحالفت مع الصين في مواجهة السوفيات، واستمرت على هذا المنوال حتى تفككت الكتلة الشرقية وبذلك انتهت أفكار الكتلة الشرقية من الوجود.

إن الاعداء صرحاء في عداوتنا فلا أقل من مصارحة العداوة والاتفاق عليها بين الثغور. كما أن الثغور كفكرة تمثل أساساً مقدمة الأمة في مواجهة أعدائها، ولكن لحسرة زماننا فان هذه الثغور هي قلب الأمة، كما أن هزيمة أو هضم أي ثغر كهضم الثغر اللبناني او الفلسطيني، ليعتبر ضربة لا يمكن تعويضها بسهولة. وإن من نعم الله علينا أن هذه الثغور تقف الآن عزيزة بعد تجارب خاضتها تمكنها من تجاوز أزمات وتحديات الماضي. كما أنها تمثّل أهم المناطق الجغرافية في المنطقة والعالم، فالثغر اليمني يمسك بممرات الملاحة البحرية، والثغر الفلسطيني يمثل الأرض المقدسة والرابط بين بلاد الشام ومصر، أما الثغر السوري فهو القوة الضاربة البرية المستقبلية، ولا ننسى الموقع الجغرافي المميز لثغر افغانستان وايران في وسط آسيا وشرقها والخليج.

إن فكرة الأمة الإسلامية تُحارب اليوم بنفس الطريقة. فلا أقل من أن نحارب أعداءنا بثغورنا على قلب رجل واحد وبميثاق يجعل هذه الثغور ثغراً واحداً إذا اشتكى منه عضو تداعى له الباقي (بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ)، حيث تكون أهداف ميثاق الثغور واضحة في حفظ استقلال وإسلام الثغور ومساعدة بعضها بعضاً وعدم الاعتداء بين أطراف الميثاق، وأن يتم السعي لزيادة وتوسيع أطراف الميثاق، وان تكون النصرة للأمة فقط، كما أنه مفتوح لأطراف أخرى، حتى لو كانت من غير الشعوب المسلمة، مثل جنوب أفريقيا وكوبا وفنزويلا، وهو ما يجعل ميثاق الثغور تطويراً على المفاهيم السابقة التي لم تنجح حتى الآن، على أن تكون هذه الثغور المستقبل الممهد لاستقلال الأمة وبناء نهضتها المستقبلية (ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا).

Read More

كاتب فلسطيني