Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

ثمة نُكتة عن "cop 27" تقول: يتساءل أحدهم عن أهم مقررات الـ"cop 27"، فيجيبه صديقه أنهم حددوا موعد الـ "cop 28". تنعقد مؤخراً قمة "cop 27" في إطار مكافحة التغيّر المناخي (الخطر الداهم على حياة البشرية وجميع الكائنات الحيّة على كوكب الأرض). يعتقد البعض أن الكلام عن التغير المناخي نوع من ترفِ الحديث، في ظل أزمات الحروب والجوع التي يعاني منها العالم، أما الحقيقة فمعكوسة.

حمزة محيي الدين

المبادرة الفردية في مكافحة التغير المناخي

ثمة نُكتة عن "cop 27" تقول: يتساءل أحدهم عن أهم مقررات الـ"cop 27"، فيجيبه صديقه أنهم حددوا موعد الـ"cop 28". تنعقد مؤخراً قمة "cop 27" في إطار مكافحة التغيّر المناخي (الخطر الداهم على حياة البشرية وجميع الكائنات الحيّة على كوكب الأرض). يعتقد البعض أن الكلام عن التغير المناخي نوع من ترفِ الحديث، في ظل أزمات الحروب والجوع التي يعاني منها العالم، أما الحقيقة فمعكوسة. في منتصف الصيف المنصرم صدر بيان "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ - IPCC" المنبثق عن منظمة المناخ العالمية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة. تحدث البيان عن ضرورة اتخاذ إجراءات قاسية وجذرية لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والحؤول دون تدمير الكوكب. رغم ذلك، ما زالت السياسات البيئية للدول متواضعةً ويشوبها الكثير من التقصير والخلل. في البيان، حذّر الخبراء أن الإنسان هو المسبب الأول لما يحدث من تسارع في ذوبان الجليد وارتفاع حرارة المحيطات وموجات الحر القاسية.

حين نتحدث عن التغير المناخي فنحن لا نتحدث عن ارتفاع الحرارة فقط، بل عما قد نتج ويمكن أن ينتج عن ارتفاع الحرارة من كوارث، وتداعياتها على مستوى الأمن الغذائي.

في دراسة صدرت عام 2020، تحدث باحثون عن خسران حوالي 50% من المحاصيل الزراعية وسط أوروبا عام 2018 والذي كان عاماً طبيعياً إذا ما قارنّاه بالعام الجاري أو بالمتوقع للأعوام المقبلة. يتوقع (الباحثون) أن يؤثّر التغيير المناخي على إمكانية الوصول للموارد المائية والغذائية في دول فقيرة عدة نتيجة موقعها الطبيعي (المفارقة السمجة أنّ شعوب هذه الدول لم يكن لها أي يد في التسبب بالكارثة). تخيَّل "يا رعاك الله"، أن دول غرب أفريقيا (حيث الفقر المدقع) ستدفع ثمن استعمارها وسرقة مواردها الطبيعية مرة أخرى بشكل أقسى، كما أن تلك التي تستهلك لحوماً أقل بكثير من دول الترف الغذائي لسنين ستعاني أكثر ممن أوصلنا إلى هذاالوضع الراهن.

تعهدت الدول الغنية في الـ"COP 27" بمساعدة وتمويل الدول الفقيرة لمواجهة التغيير المناخي ومواجهة الأضرار الناجمة عنه. لم يكن هذا التعهد الأول من نوعه. فقبل عقد تقريباً تعهدت تلك الدول بذلك، لكن كل تعهداتها بقيت حبراً على ورق ولم يهتم أحدٌ بها. كانت مبادرات يتيمة، ولو دققنا فيها سنرى تمويل الخبراء الأجانب وقد أخذ حيّزاً مهماً من موازناتها.

كثيرة هي الحلول التي توضَع لأجل تفادي ما هو أعظم، وتتنوع في شتى المجالات، فيما تحتل الاستراتيجيات الزراعية الثقل الأكبر من هذه الحلول.

واقع الأمر، لا يكفي لهذه الاستراتيجيات والحلول أن تكون على مستوى عالٍ، وعلى سياسات موجهة من الدول ومنظمة الأمم المتحدة، بل يجب كذلك أن نتحرك على مستويات فردية وجماعية، بدءًا من كل فرد إلى أهل الحي، إلى الجمعيات الأهلية والمحلية الى البلديات وصولاً إلى رأس الدولة وهلم جر. وكون بلادنا في الشرق الأوسط من الأكثر تأثراً، سنتطرق في هذا السياق لبعض الأساليب الزراعية الممكنة التنفيذ على مستويات فردية وشبه جماعية للمساهمة في تفادينا على المستوى الجمعي كوارث لا يمكن تحمّلها.

1-زراعة كل مساحة متاحة:

إعطاء غطاء أخضر للتربة من خلال زراعات متعددة، بغض النظر عن جدواها المادية قريبة الأجل، الأمر الذي سيعزز خصوبة التربة وسيكون مفتاحاً أساسياً لأرض صحية ودورة بيو - جيوكيميائية سليمة للأرض. إن صحة التربة عامل أساسي في دورة المياه الطبيعية، وأي تأثير سلبي عليها سيؤثر بشكل غير مباشر على دورة المياه الطبيعية ويُضعف الموارد المائية. ونتيجة لهذا الأمر ستتضاءل قدرة الوصول إلى الماء العذب مع تدنّي مستويات وفرته، ومع تفاقم أزمة الغذاء. لذلك من المهم جدًا على المستوى الفردي، زراعة أية مساحة متاحة بأي شيء ممكن. فلنقل مثلاً البرسيم، عوضاً عن ترك أرضك بوراً جرداء، ازرعها بالبرسيم، بِع البرسيم الذي يُزرع مرة واحد لثلاث سنوات كعلف لمربِّي المواشي، وهكذا تكون أنت ومربي المواشي رابحَين بالأمد القريب والمتوسط والبعيد. بعد، جميعنا يملك مساحات ضيقة وأحواض صغيرة، فلتزرع بالخضار التي نحتاجها بشكل يومي. هذا يؤدي إلى ما نسميه تضافر كمّي في التقليل من الحاجة لسوق العرض والطلب ويؤدي إلى مدّنا بشيءٍ من حاجتنا وتخفيض الأسعار في السوق إذا كان تضافراً كمياً نوعياً. هنا، أحبّ دائماً أن أذكر أن التجربة الكوبية العظيمة في الزراعة الطبيعية والبيولوجية بدأت من هنا، من زراعة الأحواض في المدن والرجوع إلى أساليب الأجداد وأجداد الأجداد في الزراعة.

2-تناوب المحاصيل (crop rotation) والزراعات الوسطية:

هذه النقطة معطوفة على النقطة الأولى. إن تناوب المحاصيل أساس لضمان صحة التربة وضمان خصوبتها بشكل مستمر. أي، ينبغي علينا ألا نزرع نفس نوع الزرع ونفس المحصول كل عام وفي كل المواسم. نحن نقتل أرضنا ونقتل محصولنا بهكذا فعل. لا بد من تدوير الزراعة كي نرفع إنتاجنا ونحفظ صحة التربة. أما الزراعات الوسطية فهي فقط للإبقاء على غطاء أخضر للأرض بين زرعين في موسمين، وذلك لإعادة تنشيط التربة وتحضيرها للزرع المقبل. نحن لا نعي ما قد يحصل للتربة في حال بقيت جرداء أو دون زرع، قد نقتل التنوع الحيوي في باطنها، والذي من شأنه أن يؤثر سلباً على التنوع الحيوي من فوقها، ثم يمكن أن يؤدي إلى زيادة في أمراض الزرع وخسارة في المحصول، وعناء لا تُحمد عقباه على المدى الطويل.

3-الزراعة الحرجية:

بشكل مختصر، الزراعة الحرجية أسلوب قديم أثبتت الدراسات الحديثة جداوه في مكافحة الاحتباس الحراري. سابقاً، استُخدم أكثرها في تسوير البساتين والأراضي الزراعية بشجر، يحول دون قوة الرياح على الزرع الأساسي. اليوم، دخل هذا الأسلوب أكثر الى الزراعة عبر زراعة الأشجار بين الحقول. أي أن نزرع خطوطاً من شجر معيّن (مثمر أم غير مثمر) بين محاصيل الزراعات المتعددة كالقمح والشعير، أو حتى زراعات الخضار. يقوم الشجر بدور تعزيزي لدورة المياه الطبيعية ووفرته للزرع الأساسي، ويخفف من حدة الحرارة على الزرع في الحقل (تبريد نسبي) كما أنه يسهم في عدم هدر كميات كبيرة من السماد الزراعي الكيميائي وتسربه إلى الآبار الجوفية. يمكن زراعة أشجار سريعة النمو للتحطيب، كالحور مثلاً، أو أشجار مثمرة كالجوز. أيضاً، يمكن استغلال البستان المشجّر والزراعة بشكل بسيط بين الأشجار، بشرط ألا يكون الزرع في مكان مظلّل من الشجرة بشكل دائم.

4-أساليب الري:

يجب إعادة النظر بشكل جدّي بأساليب الري في بلادنا، خاصة في لبنان. نحن نملك ثروة مائية هائلة مهدورة، وجزء كبير منها يروح هدراً في الري. الهدر في الري يؤثر على صحتنا بشكل غير مباشر على الأمد القصير، وعلى الأمد الطويل، نحن نرمي ما يجب أن يشربه أجيالنا القادمة.

ختاماً، لا بد من تضافر الجهود المجتمعية والمتخصصة. أي يجب أن يتقرب الناس أكثر من المهندسين الزراعيين ومن الحسن أن يبادر المهندسون الزراعيون للتطوع في تنظيم الزراعة للناس. الهيئات الأهلية والحزبية قد تكون حلقة وصل تجمع وتنظم، في ظل غياب الدولة وانعدام ترف الوقت، كل ما بإمكانه أن يخدم هدفاً سامياً يجب استغلاله والإضاءة عليه حتى نحصل على جهد نوعيّ وكميّ مفيد.

 

باحث وأستاذ جامعي