لسنين طوال، رفضت سوريا أن تكون ممراً لهذا المشروع لأنه يتعارض مع مصالح روسيا (الحليف الأكبر لسوريا) التي تعتمد على تصدير الغاز إلى أوروبا كأداة نفوذ اقتصادي وسياسي. في المقابل، عملت دمشق على مشروع بديل لنقل الغاز الإيراني عبر العراق وصولاً إلى أوروبا
هل يعود مشروع خط الغاز التركي القطري؟
أصبح الغاز الطبيعي في هذا القرن محوراً للتنافس الجيوسياسي بين القوى العالمية، حيث تسعى الدول الغنية بالغاز مثل روسيا وقطر والولايات المتحدة، للسيطرة على أسواق الطاقة واستغلالها لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية. ومع تصاعد أهمية الغاز كأداة ضغط عالمي، برز مشروع خط الغاز التركي القطري كأحد أبرز المشاريع التي أثارت جدلاً سياسياً واستراتيجياً.
نبذة عن مشروع خط الغاز التركي القطري:
هو مشروع نقل الغاز القطري عبر الأراضي السورية، ومنها إلى تركيا فأوروبا. وُضع على الطاولة عام 2009، بميزانية تصل إلى 10 مليارات دولار، ويمتد على مسافة 1500 كيلومتر. ينطلق المشروع من حقل الغاز الضخم "جنوب فارس/الشمال" في قطر، ويمر بالسعودية، الأردن، سوريا، ثم تركيا. كان الهدف الأساسي من المشروع تقليل اعتماد أوروبا على الغاز الروسي وتحويل تركيا إلى مركز استراتيجي لتوزيع الغاز. ومن شأن هذا المشروع – فيما لو تحقق - أن يمنح تركيا حصة كبيرة من غاز الشرق الأوسط، مكملاً دورها كممر رئيسي للغاز عبر مشروع "تاناب"، الذي ينقل الغاز من بحر قزوين إلى أوروبا. ومن المتوقع أن تزيد قدرة "تاناب" الإنتاجية إلى 60 مليار متر مكعب سنوياً بحلول عام 2026.
ولسنين طوال، رفضت سوريا أن تكون ممراً لهذا المشروع لأنه يتعارض مع مصالح روسيا (الحليف الأكبر لسوريا) التي تعتمد على تصدير الغاز إلى أوروبا كأداة نفوذ اقتصادي وسياسي. في المقابل، عملت دمشق على مشروع بديل لنقل الغاز الإيراني عبر العراق وصولاً إلى أوروبا عبر البحر المتوسط. يقول مؤلف كتاب "الدول الفاشلة والبيئة والاقتصاد"، الدكتور نفيذ أحمد، أن الأمير بندر بن سلطان اعتبر خطة إنشاء خط غاز بين إيران والعراق وسوريا "صفعة في الوجه" لخطط قطر، وسيرفع من نفوذ إيران بشكل واسع في المنطقة. يقول الكاتب: حاول الأمير السعودي رشوة روسيا طالباً منها عدم السماح بتطبيق هذا المشروع، إذ أبلغ الرئيس الروسي بوتين أن "أي نظام سيأتي بعد" الأسد، سيكون في أيدي الرياض بالكامل وأنها ستحافظ على المصالح الروسية في سوريا، وعندما رفض بوتين، تعهّد الأمير بعمل عسكري ضد سوريا.
في تموز/ يوليو 2011، وُقّعت مذكرة تفاهم بين إيران، العراق، وسوريا لتنفيذ هذا المشروع، الذي كان سيمنح سوريا دوراً استراتيجياً في تصدير الغاز الإيراني إلى أوروبا، لكن الحرب السورية التي اندلعت في نفس الفترة أدت إلى تعطيله تماماً.
عودة لمشروع الغاز القطري، لم يرضِ الموقف السوري الرافض للمشروع القوى الغربية بطبيعة الحال، وبالخصوص أوروبا التي دعمت هذا الخط، فعملت على الإطاحة بالنظام مستغلة "الربيع العربي". تصريحات وزير الخارجية الفرنسي الأسبق رولاند دوما، عن أن بريطانيا كانت تخطط للإطاحة بالنظام السوري ودعم المعارضة المسلحة تأتي في هذا السياق.[1] "التهاوش على الصيدة" باستعارة من وزير الخارجية القطري الأسبق حمد بن جاسم ال ثاني تحت شعارات الحرية والديمقراطية، كان في حقيقته تهاوشاً من أجل الغاز.
سوريا: البوابة الجديدة
مع نهاية نظام الرئيس بشار الأسد وحزب البعث، وخروج سوريا من التحالف الإيراني - الروسي ودخولها، حتى الآن، في الفلك التركي - القطري، عاد الحديث عن مشاريع إعادة الإعمار واستغلال الموارد الطبيعية إلى الواجهة. وفي ظل هذا التحول، تبرز الفرص أمام دول الاتحاد الأوروبي التي قللت اعتمادها على الغاز الروسي منذ الحرب في أوكرانيا. فقد انخفضت حصة الغاز الروسي المنقول عبر خطوط الأنابيب من 40% في عام 2012، إلى حوالي 8% في عام 2023. أما بالنسبة لإجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز، بما في ذلك الغاز المسال، فقد شكلت روسيا أقل من 15% وفقاً لبيانات المجلس الأوروبي. ورغم اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز الأحفوري الأميركي إلا أن قدوم الإدارة الجديدة في البيت الأبيض قد يغيّر من الساسات الخارجية الأميركية تجاه الاتحاد الاروربي في موضوع الغاز، بسبب توجهات ترامب الحمائية والانعزالية. المخاوف مؤخراً وصلت إلى حد التخوّف من قطع أو خفظ تصدير الغاز الأحفوري الأميركي لتركيا. ومن هنا، فإن تحقيق الاستقرار في سوريا يشكل فرصة ذهبية لإحياء مشاريع الطاقة والإعمار.
فيتو سعودي؟
في ظل التنافس السعودي – الإماراتي - الأردني من جهه، والقطري - تركيا – السوري (الإدارة الجديدة في سوريا) من جهه أخرى، قد يتعطل هذا المشروع مجدداً من طرف الائتلاف الإقليمي السعودي وليس من دمشق، خاصة أن السعوديه منزعجة من تفرّد قطر وتركيا في سوريا وتريد لنفسها موطئ قدم بانَ في لبنان مع عودتها الى الساحة اللبنانية تدريجياً، أملاً في أن يكون لبنان خطاً للولوج إلى سوريا سياسياً.
ومع ذلك، وعلى الرغم من وجود مشاريع أحسن جودة وأقل كلفة، كخط الغاز الروسي التركي عبر جورجيا وخط الغاز الأذري التركي إلا أن الموضوع بدأ بالعودة إلى الواجهة هذه الأيام، لا في الإعلام فحسب، بل وفي بعض التصريحات كتصريح وزير الطاقة التركي قلب ارسلان الذي أشار لصحف ووسائل إعلام محلية مؤخراً أن المشروع يمكن أن يمضي قدماً مع تحقيق الاستقرار في الأراضي السورية، مؤكداً الحاجة إلى توافر الأمن أولاً. كما كشفت أنقرة عن رغبتها في المساهمة بزيادة إنتاج النفط والغاز الطبيعي في سوريا، وهي خطوة من ضمن مجموعة خطوات لتعميق مشاركتها في إعادة إعمار البلد الذي دمرته الحرب، بحسب ما قاله وزير الطاقة التركي قبل أيام. هل ينجح المشروع أو يفشل، لا أحد يمكنه الحسم، لكن الأيام كفيلة للإجابة عن هذا السؤال.
Related Posts
ناشط سياسي و طلابي تونسي، وطالب قانون عام في جامعة قرطاج