Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

لسنوات طويلة، تعرض القانون الدولي لانتقادات شديدة من قبل الخبراء القانونيين وجمعيات حقوق الإنسان، باعتباره أداة تُستخدم لخدمة المصالح الغربية، وتعد الإبادة الجماعية الصهيونية المستمرة بعدوانها ضد الشعب الفلسطيني في غزة مثالاً صارخاً على هذا الانحراف، مما يؤكد صحة هذه الانتقادات

نذير محمد

دعوة لتحرير القانون الدولي

لسنوات طويلة، تعرض القانون الدولي لانتقادات شديدة من قبل الخبراء القانونيين وجمعيات حقوق الإنسان، باعتباره أداة تُستخدم لخدمة المصالح الغربية، وتعد الإبادة الجماعية الصهيونية المستمرة بعدوانها ضد الشعب الفلسطيني في غزة مثالاً صارخاً على هذا الانحراف، مما يؤكد صحة هذه الانتقادات، و إنَّ رفض الولايات المتحدة الأميركية لقرارات المحكمة دليل على ذلك، ودليل على ازدواجية المعايير في تطبيق القاعدة القانونية التي من المفروض أن تكون عامة ومجردة. أما السؤال الذي يطرح نفسه ها هنا، فهو: إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على انتهاك القانون الدولي والتغاضي عن جرائم الحرب التي ترتكبتها وحلفاؤها، فما فائدة هذا القانون أصلاً؟

مشروع القانون الجديد ومذكرات المحكمة الجنائية الدولية:

في أيار/ مايو من هذا العام، تقدّم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بطلب إصدار مذكرات اعتقال ضد رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يوآف غالانت، متهماً إياهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لم يكن هذا الأمر مفاجئاً لمن تابع الأحداث، فلقد تم تدمير غزة بالكامل، واستُهدف العاملون في المجال الطبي والصحفيون، وأُعدِم الأطفال، واُستخدم الفسفور الأبيض، ونُقل السكان قسراً إلى "مناطق آمنة" تم قصفها لاحقاً. ولطالما أشار الخبراء القانونيون أنها مجرد مسألة وقت قبل محاسبة الساسة الصهاينة. إلا أن سياق الأمور لم تجرِ بمثل هذا النحو.

تاريخ من اللاعدالة:

تأسست الأمم المتحدة عام 1945 بهدف الحفاظ على السلم والأمن الدوليين وتعزيز حقوق الإنسان، وكان من المفترض أن تحاسب المحكمة الجنائية الدولية، التي تأسست عام 2002، بموجب نظام روما الأساسي، الأفراد على جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، ولكن منذ تأسيس المحكمة لم يعاقب أيّ سياسي غربي، بينما عوقب الكثير من القادة وأمراء الحرب الأفارقة، أمثال زعيم "حركة الرب المقاومة" الأوغندي جوزيف كوني، ورئيس السودان الأسبق عمر البشير، لدرجة أنّ البعض يسمونها  "محكمة أفريقيا الجنائية".

جرائم الحرب الأمبركية والإفلات من العقاب:

تتجلى مقاومة الولايات المتحدة للقانون الدولي في جرائم الحرب الواسعة النطاق التي ارتكبتها، من فيتنام إلى أفغانستان والعراق والباكستان وسوريا وليبيا واليمن والصومال، للذكر لا الحصر، من خلال عجز المحكمة، إذ تفتقر المحكمة الجنائية الدولية إلى آليات إنفاذ مستقلة وتعتمد على تعاون الدول في الاعتقالات والتحقيقات، مما يجعلها عرضة للضغوط وعدم الامتثال، خصوصاً من الدول القوية مثل الولايات المتحدة. و يحتوي نظام روما الأساسي، الذي أسس المحكمة الجنائية الدولية، على أحكام مثل المادة 98، التي استخدمتها الولايات المتحدة لتأمين اتفاقيات الحصانة، وضمان عدم تسليم مواطنيها إلى المحكمة.

عدم جدوى القانون الدولي:

بالنظر إلى الأدلة الواضحة على الإبادة الجماعية الإسرائيلية وانتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي، فمن غير المرجح أن يُقدَّم القادة الصهاينة إلى العدالة من قبل المحكمة الجنائية الدولية. إن التطبيق الانتقائي للقانون الدولي لا يخدم سوى تعزيز الهيمنة الغربية، بدلاً من تحقيق العدالة الحقيقية، وطالما استمر تفادي المساءلة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، سيبقى وعد العدالة الحقيقية بعيد المنال.

وعلى الرغم من التحديات التي تواجه تطبيق القانون الدولي، يبقى هذا الأخير أداةً أساسيةً، ويجب على الشعوب المضطهدَة الاستفادة منه لحماية حقوقها في السلام والأمن، وأحد الوسائل لتقرير مصيرها. إذ يمثل القانون الدولي أيضاً وسيلة فعالة للكشف عن تجاوزات الكيان الصهيوني ضد القانون الدولي والقانون الإنساني (قانون الحرب) والقوانين والمواثيق والقرارات الدولية الأخرى، ومع دخول العالم حقبة جديدة من التعددية القطبية، فإنني، كطالب قانون، أؤمن أن هناك فرصة لتحرر القانون الدولي من هيمنة قوة عظمى أو القوى الكبرى عامة، مما يعزز العدالة العالمية… وهذا ما نأمله.

 

ناشط سياسي و طلابي تونسي، وطالب قانون عام في جامعة قرطاج