بعد أن شرعنا في العدد الفائت من صحيفة الخندق بتناول بعضا من السيرة السياسية للرئيس اللبناني الراحل رفيق الحريري، متوقفين عند دوره في الحرب الأهلية ودخوله إلى السياسة اللبنانية من عام 1982، إلى تثبيت حضوره في الساحة السنية. نخصص القسم الثاني من المقال في هذا العدد للتحدث عن ولادة الجمهورية الثانية بعد اتفاق الطائف وبناء مغارة الهدر والفساد بل ومأسستها.
هو من قاد لبنان إلى الموت (2)
بعد أن شرعنا في العدد الفائت من صحيفة الخندق بتناول بعضا من السيرة السياسية للرئيس اللبناني الراحل رفيق الحريري، متوقفين عند دوره في الحرب الأهلية ودخوله إلى السياسة اللبنانية من عام 1982، إلى تثبيت حضوره في الساحة السنية. نخصص القسم الثاني من المقال في هذا العدد للتحدث عن ولادة الجمهورية الثانية بعد اتفاق الطائف وبناء مغارة الهدر والفساد بل ومأسستها.
مع ولادة الجمهورية الثانية بعد اتفاق الطائف وانتهاء الحرب الأهلية، ظن اللبنانيون أنهم قادمون على بناء وطنهم الذي سيعوضهم عم حرب استمرت على مدى جيل بكامله، ولكن ليس هذا ما أظهرته الأيام الأولى لهذه الجمهورية، فمع انتخاب الرئيس الياس الهراوي، وتشكل الحكومة الأولى، برئاسة الرئيس الراحل عمر كرامي، كانت الصدمة الأولى، بتحول زعماء الميليشيات الذي اعتدوا وقتلوا وشردوا اللبنانيين ودمروا لبنان على زعماء سياسيين شركاء في الحكومة، وكانت الصدمة الثانية بقيام هذه الحكومة نفسها، بتحويل الدولة اللبنانية إلى مؤسسة خاصة يملكها رفيق الحريري من خلال إيكال معظم (إن لم نقل كل) المراكز الحساسة فيها إلى أشخاص من موظفي الحريري ، مثل: - كهرباء لبنان: مارون الأسمر لمجلس الإدارة ومهيب عيتاني مديرًا عامًا.
- صندوق المهجرين أنطوان اندراوس وعبد الحميد ناصر نائب للرئيس.
- دائرة المحفوظات الوطنية: رياض طبارة.
- رئيس مجلس إدارة سكة الحديد: ربيع عماش.
- حاكم مصرف لبنان: ميشال الخوري (مرشحه الأول لرئاسة الجمهورية) ومن ثم رياض سلامة (مستشاره وحامل حافظة توظيفاته المالية).
- رئيس هيئة الرقابة على المصارف: محمد بعاصيري.
- مدير التنظيم المدني: سعد خالد.
- رئيس مجلس المشاريع الكبرى لمدينة بيروت: نور الدين الغزيري
- رئيس مجلس إدارة المشاريع الإنشائية: محمد فواز.
- رئيس صندوق الضمان الاجتماعي: هيام ملاط.
- مدير المؤسسة الوطنية لضمان الاستثمارات: عمر حلبلب.
- محافظ مدينة بيروت: نقولا سابا.
- محافظ جبل لبنان: سهيل يموت.
- رئيس مجلس الإنماء والأعمار: نبيل الجسر.
- مدير مؤسسة أوجيرو: يوسف النقيب، وعبد المنعم يوسف مدير عام للصيانة والاستثمار والمواصلات السلكية واللاسلكية في وزارة الاتصالات.
وبعد تعيين السيد ميشال الخوري حاكمًا للبنك المركزي، يقول نحاج واكيم في "الأيادي السود"، بدأنا نلمس لعبة خبيثة للتأثير على سعر صرف العملة الوطنية من أجل إسقاط حكومة الرئيس كرامي في الشارع، وبعد تدهور الوضعين الاقتصادي والمعيشي كان ذلك من أجل رفع معاناة المواطنين إلى مدى خطير تمهيدًا لمجيء المنقذ رفيق الحريري.
وسادت مع هذه الجمهورية الثانية، ومنذ العام 1992 القيم المادية والمضاربات المالية والعقارية وبيع أجمل العقارات للأغنياء من رعايا دول الخليج. ومنذ نهاية السبعينات، كان رفيق الحريري قد اتبع بنفسه سياسة شراء نشطة للعقارات لحسابه الخاص أو لحساب عاهل المملكة العربية السعودية. وكان خلال سنوات الحرب، قد بادر إلى امتلاك كل ما كان معروضًا للبيع بأسعار بخسة من مصارف وشركات تأمين ومحال تجارية كبرى وأروع العقارات التي تملكها الدولة الفرنسية في أحياء بيروت الجميلة وقد لجأ إليه كل شخص عانى من مشاكل السيولة والملاءة المالية، ليجد فيه "منقذًا" أرسلته العناية الإلهية. لقد شكّل السيد رفيق الحريري، كما يقول جورج قرم في كتابه لبنان تاريخ ومجتمع، صورة واعدة بإمكانية تحقيق الحلم القديم بتحويل لبنان إلى مونت كارلو العالم العربي وإلى جنة مالية، وكازينو كبير، ومركز للسياحة، وسوق تجارية فخمة للأثرياء العرب، إذا كان "المشروع" السياسي المسيحي التقليدي قد خسر بالتأكيد حرب الخمسة عشر عاما، فقد شعر تلقائيا، أنصار هذا المشروع المهزومون بأن رفيق الحريري هو أكثر من يجسّد أحلامهم الاقتصادية والسياسية القديمة.
واعتبر رفيق الحريري أن مسار السلام القادم في المنطقة، سيساعد على تحقيق هذا الحلم، فتركز مشروعه على بناء وسط بيروت، وتفعيل قطاع المصارف والسياحة والخدمات، على حساب تنمية الأطراف وتنمية قطاعات الصناعة والزراعة، بل سعى إلى تدمير منهجي لهذين القطاعين، واعتبر أن العجز في ميزان المدفوعات الذي سوف يحلّ بمزيد من تدفق الأموال من الخارج. إذ عندما يأتي المستثمرون والسياح سيجدون البنية التحتية بانتظارهم وسيتحسن الاقتصاد فيتلاشى العجز في ميزان المدفوعات.
وبعد انهيار محادثات السلام مع إسرائيل عام 1999، وتحرير الجنوب عام 2000، بدى للرئيس الراحل رفيق الحريري، أن المنطقة تسير بخلاف مشروعه الذي أسس وحضَر له، وبدأ الهدر والفساد يتفاقم في الدولة اللبنانية، بسبب سياسة المحسوبيات والصناديق التي كان هو سبب أساسي في إرسائها، فلم تحقق حكومة الحريري النهضة الاقتصادية الموعودة. وانفجر الدين العام في عام 2000، بسبب سياسة الحريري في المبالغة في إصدار سندات الخزينة لدعم الإمساك بالليرة وما رافق ذلك من فوائد مرتفعة وخدمة دين متعاظمة. وهنا أصبح تعديل ميزان المدفوعات يعتمد لا على السياحة ولا الاستثمار بل على استجرار الديون، وبدأ لبنان مع رفيق الحريري يدخل في دوامة الديون المتراكمة، وبدأ يخضع لشروط النيوليبرالية للحصول على الأموال والقروض، فذهب إلى باريس 1 ولم يعد سوى بـ 458 مليون دولار، وهو ما لم يرضه وجعله يبدأ بالاستعداد للعمل على باريس 2 مع طموحه بالحصول على مبلغ 5 مليارات دولار وهذا ما لم يحصل.
وأمام الانهيار الذي بدأت ملامحه تظهر واضحة، لم يكن لدى الرئيس الراحل رفيق الحريري أي خطة اقتصادية فعلية تنهض بالوطن من جديد، إن كان في تفعيل القطاعات الإنتاجية وتوفير فرص عمل من خلالها، أو في وضع نظام ضرائبي عادل يحافظ على الطبقة الوسطى ويحمي الفقراء، ويحد من التنامي الفاحش لثروة القلة الأثرياء... لم يكن هناك من خطة سوى الاقتراض والاقتراض والمزيد من الاقتراض وكتابة أول كلمة في قصة انهيار نعيش خواتمها اليوم.
"
Related Posts
كاتب وإعلامي لبناني