Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

يُفلسف كمال جنبلاط فكَي الوجود. يضع الأنا بينهما. يورِّث وليد "بيك" الزعامة. يورثه السياسة. ويورثه منظومة فلسفية تحكم رؤية الأخير الواعية واللاواعية للمسار الكوني، لتتجلى في ممارسته الحياة، الفن، السياسة، الجنس، والوقوف بثبات دائم على حافة الهاوية. عن طقس وليد بيك النفسي، واستخدامه الفن للتعبير عن فضاءه اللاواعي، عن هوية الصفات لأناه، يتحدث مقالنا

غنى قصير

صورٌ من عالم جنبلاط النفسي

"هي مسؤولية الحياة أو الموت، فعلى الحياة أن تدمرنا إذا شاءت، وأن تعزلنا إذا شاءت، فنحن لم نبخل بأنفسنا يوماً في صراع الوجود".

يُفلسف كمال جنبلاط فكَي الوجود. يضع الأنا بينهما. يورِّث وليد "بيك" الزعامة. يورثه السياسة. ويورثه منظومة فلسفية تحكم رؤية الأخير الواعية واللاواعية للمسار الكوني، لتتجلى في ممارسته الحياة، الفن، السياسة، الجنس، والوقوف بثبات دائم على حافة الهاوية. عن طقس وليد بيك النفسي، واستخدامه الفن للتعبير عن فضاءه اللاواعي، عن هوية الصفات لأناه، يتحدث مقالنا.

***

 

يُلحظ لدى جنبلاط إرفاق مجمل تغريداته بلوحات فنية (غالبها من مجلة NEW YORKER)، ينتقيها بشكل عشوائي، غيرمتصل بالمضمون الكتابي. وهذا يطرح عدة أسئلة استفهامية: لماذا ينتقي هذه الصور بالتحديد؟ وما هو النمط المعتمد في اللون والخطوط والطقس النفسي المسيطر على هذه اللوحات؟ وهل انجذابه لنوع خاص من الفن عشوائي أو معياري؟

اتفق الفلاسفة على أن الفن فعل انفصال عن الطبيعة والحياة. ما يضعه الفنان من خطوط وألوان وزوايا ما هو إلا عصارة نفسية للرسام، يرى فيها الواقع بشكل منقح، يُسقط فيها أجوائه النفسية التي يستقبلها ويعرفها المتلقي صاحب الحالة نفسها بالعقل اللاواعي.

يختار جنبلاط لوحات فنية لأربعة رسامين هم: وسلي ألسبروك/ Wesley Allsbrook، فايث رينغولد/ Faith Ringgold، دادو شن/ Dadu Shin، ماكس لويفلر/ Max Loeffler.

فهم انتقاء جنبلاط هذا لا يمكن فهمه دون فهم مرجعية جنبلاط السياسية. إنها نظيرة جنبلاط (جدة وليد جنبلاط لناحية الأب). لم تزين "نظيرة جنبلاط"، سيدة القصر، دار المختارة بواحدة منها، بل كانت بقوتها وحنكتها كإمرأة تدخل معترك السياسة - تمسك زمام القصر في وقت الانتداب، وتحافظ على الإرث الزعامي لآل جنبلاط -، حجر أساس في تكوين لاوعي وليد جنبلاط النفسي. نظيرة جنبلاط بهذا المعنى هي المحرك الرئيس لتماهي وليد مع رسوم Faith Ringgold الحقوقية السياسية وما تمثله المرأة في هذا المجال.

أما  لوحات دادو شن/ Dadu Shin، فتتمحور بشكل مجمل حول موضوع الوحدة والكآبة الباطنية والتناقضات. جنبلاط بهذا المعنى باطني الذائقة غربي المِراس. هي مفارقة متناقضة تشبه إعجابه بتمثال الحرية في نيويورك "كأجمل تمثال في العالم" على حد قوله، في بلد بعيد كل البعد عن الحرية وممارستها. هنا نستطيع فهم ما يجذب جنبلاط من فن يعكس تناقضات داخلية.

يحضر هذا الأمر بشكل كبير من خلال لوحات ماكس لويفلر/ Max Loeffler صاحب الحضور الأكثر كثافة في مدونة جنبلاط الافتراضية. يستهزأ لويفلر من خلال لوحاته وألوانه بشكل متجهم ومرير بالغموض والرتابة وضراوة الحياة السياسية المعاشة. يرسم لويفلر العين بشكل تكراري اعتقاداً منه أنها البطل الذي يقتحم كافة اللوحات ويكون بمواجهة المواقف المرسومة. من وجهة نظره، تبدو رسومه ملجأً للحاضر المربك. يسيطر عليها فضاء مظلم ثقيل يحوي الكثير من الظلال والأشياء الشائكة.

يرى وليد جنبلاط نفسه العين المتقمَصة في كل زمان ومكان، تواجه ببطولة، بحنكة، بذكاء الأسلاف وتجاربهم، بروح الحكمة لدى الأشخاص "الروحانيين" في طائفته لا "الجسمانيين الجهال".

تؤكد آراء علماء النفس التحليليين، وجود رابط بين اللوحة والرائي، وإن لم يكن رابطاً معيارياً مقنناً. إلا أنه يمكن رصده بتحليل زوايا ومتممات الصورة من خطوط وألوان.

وبذلك، وحسب المدرسة التحليلية النفسية، فإن انتقاء وليد بيك للوحات محددة لا ينبع من فراغ بل من محرِك ضمني يطال سلم الإنفعالات والطقس النفسي له. لدى جنبلاط فضاء لاواعٍ يتسم بالكآبة والوحدة الثقيلة، ولديه جانب مستقى من الطفولة، مكافح و مناضل ومناصر للتحرر والتخلص من العبودية والقيود وإن اختلف فهمه للتبعية والسيادة. هو بحسب التحليل القائم على اللون المهيمن في لوحاته شخص شهواني يميل إلى العنف في اكتساب مبتغاه بشكل عام، ورمادي في مواقفه الحياتية من مجمل الوقائع التي يجابهها. هو ديبلوماسي في آلية إعطاء العاطفة وتلقيها كذلك. تمثل له أناه البطل المفقود في الساحات السياسية والاجتماعية، ويرى نفسه من الأجاويد المجابهين للظلم، على "الضفة" المقابلة لفكره دائماً.

 

اختصاصية في التربية المبكرة للأطفال