ما بين حزيران 1991، ونيسان 1992، بدأ الاتحاد اليوغسلافي في التفكك. لم يكن تفكك وحدة الدولة يجري بنحو مرن البتة. في غضون بضعة سنين كان أكثر من 130 ألفاً من الشعب اليوغسلافي يلاقي حتفه. غرقت يوغسلافيا في السلاح يقول الخبراء الغربيون. يعيد كثيرون المسألة إلى استراتيجيات جوزيف تيتو العسكرية نفسها التي كانت تتحذر من اجتياح سوفياتي بعيد نهاية الحرب العالمية الثانية. لكن إمعاناً بالأرقام والمعلومات يفيد أن يوغسلافيا أُغرقت بالسلاح بشكل منهجي
سلاح القوّات: "كابوس داروين" المستمر
في فيلمه "كابوس داروين - Darwin's Nightmare" (2004) يحاول المخرج النمساوي هوبرت ساوبر تظهير خلل العلاقة بين المستعمِر والمستعمر. الفيلم الذي رُشح لجائزة الأوسكار عام 2006، يحاول ساوبر من خلاله عرض المقايضة الأوروبية الأفريقية في تانزانيا من خلال حرفة الصيد في بحيرة فيكتوريا. "مقايضة الأسماك بالأرواح" تلك هي حرفة يمتهنها الأبيض في علاقته بالقارة السمراء. من على طائرة إليوشن Il-76 السوفيتية يعرض المخرج للخلل المستتر في علاقة دفتي هذا العالم الشمالية والجنوبية. تحط طائرة الإليوشن في مطار موانزا في تنزانيا بالقرب من بحيرة فيكتوريا لشحن شرائح سمك الفرخ النيلي المصيد. لم يكن هذا السمك حالة طبيعية في بحيرة فيكتوريا. لقد جاء به الأوروبيون يوماً، وكان سبباً في انهاء الحياة البيئية في البحيرة الأكبر في أفريقيا.
من خلال جملة مقابلات مع طاقم الطائرة الروسية - الأوكرانية، وأصحاب المصانع المحلية، والصيادين القرويين، يناقش الفيلم آثار إدخال سمك الفرخ النيلي إلى بحيرة فيكتوريا. الفيلم يُظهر الفصام الأوروبي في أعلى مدارجه. تضخ أوروبا المساعدات إلى إفريقيا من ناحية، ومن ناحية أخرى تضخ السلاح. تغذي أوروبا اقتصاديات الموت من خلال شحن كميات لامتناهية من الذخائر والأسلحة من قبل تجار الأسلحة الأوروبيين. المفارقة أن هذه الأسلحة غالباً ما كان يتم تناقلها على نفس الطائرات التي تنقل شرائح سمك الفرخ النيلي إلى المستهلكين الأوروبيين. مما يغذي النزاعات ذاتها التي يتم إرسال المساعدات "لمعالجتها". وكما تقول مهندسة الراديو لطاقم الطائرة الإليوشن في الفيلم: أطفال أفريقيا يتلقون أسلحة لعيد الميلاد، وأطفال أوروبا يتلقون العنب للأعياد. وبالرغم من أهمية الفيلم وإمكانية اعتباره نوعاً من التجربة "المابعد استعمارية" في السينما التوثيقية، إلا أن ما يعنينا من الفيلم هاهنا شخصية تاجر الموت الروسي فيكتور أناتوليفيتش بوت الذي كان الدافع الرئيس لإنتاج الفيلم. مرة جديدة تجد المفارقة طريقها من خلال السينما والواقع، ففيكتور أناتوليفيتش صديق سيرج ساغانوليان، والأخير كان ملهماً للمخرج أندرو نيكول، الذي جسد شخصية سوغاناليان في فيلم "سيد الحرب" السينمائي، من خلال شخصية يوري أورلوف (نيكولاس كايج). سوغاناليان وأناتوليفيتش كانا ملهمين للكثير من الأعمال وقصص النجاح الدموية. وكانا سببين من أسباب تأجيج الحرب الأهلية الدموية في لبنان بين عامي 1975 و1990. سيرج ساغانوليان أحد أبرز تجار الموت. يتاجر بالأسلحة ابتغاء الربح. هو يبحث كصديقه عن الأسماك التي يشتهيها الأوروبيون، ويعود علينا كصديقه بالموت محملاً بشحنات السلاح.
ولد سيرج ساغانوليان في لواء الإسكندرون من عائلة من أصل أرمني، قبل أن يغادر مسقط رأسه إلى لبنان عام 1939. لمع اسم سيرج (إسمه الحقيقي سركيس غارابت ساغانوليان) مع بدء عمله مع فيكتور أناتوليفيتش بوت. سيرج ساغانوليان هو أحد أكبر تجار الأسلحة في العصر الحديث. مول صدام حسين خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات (وفي حرب صدام ضد إيران). في أمريكا اللاتينية، زوِّد بالأسلحة لثوار نيكاراغوا ضد نظام الساندينيستا (في ما عُرف بنيكاراغوا كونترا)، وكان مشاركاً في الإطاحة بالرئيس البيروفي ألبرتو فوجيموري أواخر التسعينيات. في الإكوادور ظهر اسمه أيضاً وفي إفريقيا إلى جانب جوزيف ديزيريه موبوتو (زائير الكونغو كينشاسا).
مرة جديدة، ما يعنينا في حياة هذا الرجل، بشكل خاص، دوره المظلم الذي قام به في بيروت. ظهر اسم الرجل فجأة في سوق السلاح في لبنان عام 1973، بعد غياب قرابة ثلاثين عاماً من هجرته إلى الولايات المتحدة. بعيد توقيع اتفاقية ملكارت (2 أيار/ مايو 1973) عمل الرجل في تسليح "الميليشيات المسيحية" استعداداً لقتال الفلسطينيين. ومن مقر إقامته في فلوريدا في الولايات المتحد، نظم ساغالونيان أول عملية تسليم أسلحة إلى لبنان عام 1973. أرسل الرجل خمس طائرات شحن محملة بأسلحة من جميع العيارات، من جميع الأنواع، إلى لبنان لتسليمها إلى مليشيا الكتائب عن طريق المكتب الثاني للجيش (وبإشراف من جوني عبده).
تم تمويل الدفعة الأولى من قبل بطرس الخوري. أما الدفعة الثانية تكفل بها ناصيف جبور. كانت الأسلحة تتدفق من كل مكان إلى لبنان بمعرفة وإشراف ودعم وكالة المخابرات المركزية الأميركية. وبتنسيق مع خليل الخليل سفير لبنان لدى إيران - الشاه، ونجل كاظم الخليل (نائب كميل شمعون رئيس حزب الوطنيين الأحرار). نسق ساغانوليان كذلك نقل كميات كبيرة من الترسانة العسكرية الإسرائيلية إلى "المليشيات المسيحية" (نحو 400 طن من الأسلحة) بعيد عام 1982.
أما إسم سمير جعجع في هذا المجال فلا يظهر إلا في وقت متأخر من أواسط الثمانينيات. بحسب تقديرات المخابرات الأميركية في تلك المرحلة، كانت خلافات جعجع مع الكتائب ومن بعدها مع الجيش اللبناني، بالإضافة للظروف الإقليمية المتأزمة، قد دفعت الرجل لولوج عالم التجارة الدولية الأسود. في كتابه "الصلة اللبنانية: الفساد، الحرب الأهلية، وتجارة المخدرات الدولية" ينقل جوناثان ف. مارشال عن أحد تقارير استخبارات وكالة المخابرات المركزية وصف الأميركيين لجعجع بالقول: "طموح، لا يرحم، يتمتع بشخصية كاريزمية عالية وتكتيك عسكري ممتاز" ذو صلة بـ"الجناح المتطرف للمجتمع المسيحي". كان تحت إمرته ستة آلاف مسلح، مع قوة تصل إلى ضعف هذا الحجم في حالة التعبئة العامة.[1]
كانت قضايا المخدرات المدخل إلى شبكات تهريب السلاح. استفاد جعجع من علاقات بعض العائلات المسيحية مع عائلات الجريمة والمخدرات الإيطالية التي تتخذ من مونتريال مقراً لها. فرانك كوتروني ونيك ريزوتو - زعيما عالم مونتريال السفلي وأقوى رجال العصابات في كندا - كانا مفتاحين رئيسيين في تلك العلاقة المظلمة. عام 1986، ظهر لدى مكتب مكافحة المخدرات الكندي اسم ابن فيتو ريزوتو، كمتورط في صفقة مع سمير جعجع وقادة آخرين من الكتائب في استيراد 24 طناً من الحشيش، بقيمة تزيد عن 60 مليون دولار. تم اتهام فيتو فيما بعد باستيراد ستة عشر طناً من الحشيش اللبناني عام 1987 قبالة ساحل نيوفاوندلاند – كندا – ثم مرة أخرى بتهمة استيراد 32 طناً عام 1988.
كانت قبرص محطة رئيسية في انتقال المخدرات اللبنانية إلى كندا وأميركا الشمالية. كما كانت محطة لتطوير علاقات المخابرات الأميركية والقوات اللبنانية. كان بديل المخدرات من جهة الأميركيين السماح للمافيا الكندية تزويد الكتائب و"القوى اليمينية المسيحية" بكميات كبيرة من الأسلحة، بما في ذلك بنادق أمريكية من طراز M16 وذخيرة مسروقة من مستودعات أسلحة في بوسطن الأميركية.
بنهاية الحرب الأهلية في لبنان عام 1990، عاد اسم ساغانوليان للظهور مجدداً. هذه المرة من خلال نقل السلاح من لبنان إلى يوغسلافيا عبر قبرص. وهذه المرة أيضاً كان اسم ساغانوليان مرتبطاً برئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بشكل رئيس.
***
كان لقمة هلسنكي عام 1974، أثر كبير يتجاوز شرق أوروبا وصولاً إلى البلقان. في يوغسلافيا تحديداً، ظهر عشية قمة هلسنكي مصطلح "يوغسلافيا الثالثة" مع دستور الدولة الجديد عام 1974. ومع هذا التطور أعطيت كوسوفو وفويفودينا حكماً ذاتياً موسعاً وتحولتا إلى وحدتين فدراليتين متساويتين مع الوحدات الفدرالية الأخرى (البوسنة والهرسك، كرواتيا، مقدونيا، الجبل الأسود، صربيا، سلوفينيا) في ما عُرف آنذاك بـ6+2. جاء ذلك بُعيد الاعتراف بحق البوشناق في التعبير عن أنفسهم كشعب على قدم المساواة مع الشعوب الأخرى سنة 1968. ومع بدء سياسات الخصخصة والاستدانة إنقاذاً لاقتصاد البلاد منذ نهاية السبعينيات، أخذ التنافس القومي يعلو تحت وطأة اقتصاد مرهون للقروض الخارجية الأوروبية.
ما بين حزيران 1991، ونيسان 1992، بدأ الاتحاد اليوغسلافي في التفكك. لم يكن تفكك وحدة الدولة يجري بنحو مرن البتة. في غضون بضعة سنين كان أكثر من 130 ألفاً من الشعب اليوغسلافي يلاقي حتفه. غرقت يوغسلافيا في السلاح يقول الخبراء الغربيون. يعيد كثيرون المسألة إلى استراتيجيات جوزيف تيتو العسكرية نفسها (باني الوحدة اليوغسلافية بعيد الحرب العالمية الثانية وأحد مؤسسي تحالف دول عدم الانحياز) التي كانت تتحذر من اجتياح سوفياتي بعيد نهاية الحرب العالمية الثانية. وزع تيتو السلاح ووحدات الجيش على مساحات واسعة من البلاد ما جعل السلاح في متناول يد الناس فور سقوط مؤسسات الدولة. لكن إمعاناً بالأرقام والمعلومات التي رافقت انهيار الدولة اليوغسلافية يفيد أن ثمة أمر مختلف بعض الشيء. لقد أُغرقت يوغسلافيا بالسلاح بشكل منهجي. وكان إغراق الدولة في السلاح شبيهاً برحلات "الإيلوشن إلى بحيرة فيكتوريا". أوروبا تريد أسواقاً أكثر استهلاكاً في البلقان. القومية المرهونة للصناديق الأوروبية تلبي المأمول. حسناً، هذا يفسّر سياسات إزكاء الهوية في البلقان، وإغراق يوغسلافيا بالسلاح. وهو ما سنراه جلياً منذ أواخر عام 1990.
***
في تقرير لداسكو دودر في صحيفة بالتيمور صن الأميركية في الأول من أيلول عام 1991،[2] كان سلاح الجو اليوغوسلافي يعترض الطائرات العابرة مجال يوغسلافيا الجوي سواء المتجهة إلى الجبل الأسود، المجر، أو حتى رومانيا، لخوفه من أن تكون محملة بالسلاح. أواخر حزيران من ذلك العام، كان كثير من الطائرات يحط في زغرب أو البوسنة لأسباب فنية طارئة. يذكر الكاتب كيف حطت أواخر آب من العام 1991 طائرة بوينج 707 - تابعة للخطوط الجوية الأوغندية - اضطرارياً في ليوبليانا بحجة التزود بالوقود، قبل اكتشاف السلطات اليوغسلافية أن الطائرة تحمل 19 طناً من الأسلحة والذخيرة.
طيلة عام 1991، تم الكشف عن كثير من عمليات تهريب السلاح. لم تكن المطارات معبر السلاح الوحيد. لموانئ سبلت، ربيكا، بار، دورها أيضاً. والأسلحة المكتشفة في الحقيقة لم تكن غير جزء ضئيل من الأسلحة غير القانونية لكثير من الفصائل المتحاربة في يوغوسلافيا. بحسب داسكو دودر كانت شحنة واحدة من الأسلحة المضبوطة في حزيران/ يونيو 1991 في يوغسلافيا تزن 35000 طن. بحسب الكاتب، كانت بيروت مصدر تلك الأسلحة، وقد تم الاستيلاء عليها في ميناء بار على ساحل الجبل الأسود جنوبي يوغوسلافيا. شملت الشحنة ما لا يقل عن ثماني طائرات هليكوبتر، وأكثر من 50 دبابة T-72، بالإضافة لصواريخ مضادة للطائرات وأسلحة فردية، وبلغت قيمتها التقديرية 325 مليون دولار. بحسب فيتزروي ماكلين، رئيس المهمة العسكرية البريطانية في يوغوسلافيا آنذاك، تجاوز السلاح المُرسل إلى يوغسلافيا حينها نصف الأسلحة التي قدمها الحلفاء لجوزيف تيتو خلال الحرب العالمية الثانية. من الميليشيات اليمينية في بيروت وحدها، بلغ حجم الأسلحة الفردية (دون احتساب الأسلحة الثقيلة) المقدمة للصرب نحو 14 ألف طن وصل أغلبها قبل فترة وجيزة من دخول حظر الأمم المتحدة لتوريد السلاح إلى يوغسلافيا حيز التنفيذ بحسب تحقيق أجراه ستيفن إنغلبرغ وإريك شميت في صحيفة النيويوك تايمز، بتاريخ 5 تموز/ يوليو سنة 1992.[3]
يقول ستيفن إنغلبرغ: تعود أصول تلك الأسلحة إلى أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، عندما اشترتها منظمة التحرير الفلسطينية من دول أوروبا الشرقية (بولندا وتشيكوسلوفاكيا ورومانيا)، لكن الأسلحة عرفت طريقها إلى "الميليشيات الكتائب والقوات اللبنانية" بعيد دخول "إسرائيل" عام 1982. إذ قامت الأخيرة ببيع بعضها للولايات المتحدة للقيام بعمليات سرية، فيما سلمت باقي الأسلحة إلى المسيحيين المدعومين من "إسرائيل" في بيروت. ينقل إنغلبرغ عن مسؤول كبير في ملف مشتريات الأسلحة الأمريكية السرية قوله: أن حجم الأسلحة المقدمة من "الميليشيات المسيحية" في لبنان إلى الصرب بلغت نحو 10 أضعاف ما تم توفيره لمتمردي الكونترا في نيكاراغوا، المدعومين من الولايات المتحدة، بين عامي 1985 و 1986.
لبنانيون تحت التعذيب في صربيا:
صبيحة التاسع عشر من كانون الثاني سنة 1991، كشفت صحيفة الحياة خبراً مفاده أن ميليشيات لبنانية زودت الصرب والكروات في يوغوسلافيا بالسلاح. قالت الصحيفة آنذاك، إن قوات صربية قامت بتعذيب "مسيحيين لبنانيين" سلموا الصرب أسلحة بعد أن علموا أن مسيحيين لبنانيين آخرين كانوا يمدون القوات الكرواتية بالسلاح.[4] لقد تعرض عناصر من القوات اللبنانية للضرب والتعذيب، بعد أن تناهى لمسامع الصرب بإرسال أحد الأطراف المسيحية اللبنانية سفينة تحمل اسم "زنوبيا 1"، محملة بثلاثة أطنان من الذخيرة وقاذفات صواريخ وقطع المدفعية والرشاشات إلى خصومهم الكروات من قِبل أحد التنظيمات المسيحية اللبنانية. وقالت الحياة إن الصرب أطلقوا سراح عناصر من "قوات سمير جعجع" بعد أن كشف تحقيق عن أن جماعة مسيحية لبنانية منافسة هي وراء شحنات السلاح للكروات. وقالت الحياة "أن اثنتي عشرة سفينة تجارية يعتقد أنها مملوكة لقبارصة نقلت الإمدادات العسكرية من مينائي جونيه وبيروت اللبنانيين".
بحسب تحقيق ستيفن إنغلبرغ وإريك شميت آنذاك، قال تاجر أسلحة مقرب من "الميليشيات المسيحية" في مقابلة في بيروت إن تهريب السلاح تم من خلال شركة تعمل كواجهة في نيقوسيا القبرصية. فيما تُنقل المدفوعات من الجانب الصربي، والتي تتراوح بين 50 مليون دولار و 70 مليون دولار لكل شحنة إلى أحد البنوك في باريس.
***
عشية الخامس والعشرين من آب/ أغسطس بدأت القوات الصربية بفرض حصار خانق على مدينة فوكوفار الكرواتية (الكاثوليكية) في سلافونيا الشرقية. دام الحصار قرابة الثلاثة أشهر وانتهى باقتحام القوات الصربية المدينة في 18 تشرين الأول/ نوفمبر 1991.
تم الدفاع عن فوكوفار من قبل 1800 جندي بالأسلحة الخفيفة من قبَل منتمين إلى الحرس الوطني الكرواتي وبعض الأهالي المتطوعين ضد 36000 جندي صربي. خلال المعركة اعتمد الصرب سياسة "الأرض المحروقة". أطلق الصرب على المدينة نحو 12000 قذيفة وصاروخ في اليوم لثلاثة أشهر. كانت فوكوفار أول مدينة أوروبية كبرى تدمّر تماماً منذ الحرب العالمية الثانية.
عندما سقطت مدينة فوكوفار في 18 تشرين الثاني 1991، ذبح المئات من الجنود والمدنيين على يد القوات الصربية وتم ترحيل ما لا يقل عن 31000 من السكان المدنيين. لم تكن الأسلحة المرسلة من "ميليشيا القوات" بمنأى عما وقع في فوكوفار. للسلاح القواتي أدوار شتى في تلك الحرب. إحداها ما قام به الصرب من خلال هذا السلاح بافتعال مجزرة سربرنيتشا سنة 1995. عشية الحادي عشر من تموز، بدأت وحدة العقارب شبه العسكرية التابعة للقوات الصربية في البوسنة والهرسك بقيادة راتكو ملاديتش هجومها على مدنية سربرنيتشا - المُحاذية لنهر درينا شمال شرق البوسنة والهرسك - في واحدة من أكبر الإبادات الجماعية بعد الحرب العالمية الثانية. ما بين الحادي عشر من تموز/ يوليو والثاني والعشرين من تموز من ذلك العام قتل في سربرينتشا نحو 8372 رجل وامرأة وطفل. كان جل القتلى من من مسلمي البوشناق. وقد لا يعنينا في هذا المقام السلاح القواتي بقدر ما يعنينا، عرض فصول من "كابوس داروين" المستمر. ثمة ارتهان تمتهنه بعض الجماعات لإرادة "الغرب"، ولو كان هذا الارتهان بحجم الثروات الأفريقية، ولو كان هذا الارتهان بحجم أحلام أطفال ونساء وشيوخ "فوكوفار وسربينتشا".
[1] Jonathan V. Marshall, (2012), “The Lebanese Connection, Corruption, Civil War, and the International Drug Traffic”, Stanford University Press Stanford, California. P. 108.
[2] Dusko Doder, Illegal arms traders train sights on Yugoslavia, Baltimore Sun, Sep 01 - 1991, https://www.baltimoresun.com/news/bs-xpm-1991-09-01-1991244034-story.html
[3] Stephen Engelberg and Eric Schmitt, Serbs Easily Outflank U.N. Arms Embargo, https://www.nytimes.com/1992/07/05/world/serbs-easily-outflank-un-arms-embargo.html
War crimes in war crimes in Bosnia – hercegovina, august 1992, a Helsinki watch report, a division of human rights watch. P. 158.
Related Posts
أسرة تحرير الخندق