Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

كنت أحاول الاتصال بزوجي ليحمل ابنتي إلى المستشفى، فالـ "كريزا" دامت أكثر من دقيقتين، لم يعلّق الاتّصال والكهرباء كانت مقطوعة. كدت أن أفقد ابنتي لولا لطف الله"، تقول نور، أمّ لفتاة مصابة بمرض الصرع، أن فقدان الاتّصال بالشبكة في البقاع كاد يؤدي الى مشكلة كبيرة في صحة ابنتها

محمد مهدي عبد الكريم

قطاع الاتصالات: الموت المدولر

"كنت أحاول الاتصال بزوجي ليحمل ابنتي إلى المستشفى، فالـ "كريزا" دامت أكثر من دقيقتين، لم يعلّق الاتّصال  والكهرباء كانت مقطوعة. كدت أن أفقد ابنتي لولا لطف الله"، تقول نور، أمّ لفتاة مصابة بمرض الصرع، أن فقدان الاتّصال بالشبكة في البقاع كاد. يؤدي الى مشكلة كبيرة في صحة ابنتها. بدأ فقدان الإرسال في عدّة مناطق في لبنان منذ حوالي الستّة أشهر تدريجيّاً حتى وصل الآن إلى العاصمة,هذه الحال الذي يعيشه اللبنانيّون اليوم بالنسبة لقطاع الاتّصالات، ولا تفريق بين خدمة اتّصال لغنيّ أو فقير، لأن الشركتين المسيطرتين على قطاع الاتصالات حذّرَتَا منذ أكثر من سنة أن الخدمة ستضعف تدريجيّاً خاصة في عدم توفر مادة المازوت المشغلة للمبنيين ولعواميد الإرسال، بل إن رفاهية الاتصال "العادي" أصبحت معدومة عند الجميع بعد فقدانهم لنوعية الإنترنت الجيد منذ فترة.

كان اقتراح زيادة الـ 6 دولارات على خدمة الواتساب في أواخر الـ 2019 كفيل باستفزاز عدد لا بأس به من الناس ليعترضوا في الشارع على كل أشكال المعيشة القاسية، وامتد الأمر لتكوّن وعي كاف لمدة أيضاً لا بأس بها أجمع بها اللبنانيون على حقيقة اهتراء النظام السياسيّ واستهزائه بحقوق المواطن.

 

تاريخ قطاع الإتصالات:

تحوّل قطاع الاتصالات وفواتيره الى فواتير مدولرة لذلك تجب العودة قليلا لتاريخ هذا القطاع، خاصة أن الشركتين المشغلتين قد نشرتا على حسابهما على تويتر الأسعار الجديدة بالدولار والتي ستحتسب على منصة صيرفة.

الاتصالات خدمة من الخدمات التي تؤمنّها الدولة للمواطن، وهذه الخدمة لها كلفة تشغيل، وكانت صلاحية الإتصالات وتقديم الخدمات على عاتق الدولة اللبنانية منذ وجود قطاع الاتصالات و قوننته في عام 1959، إلى سنة الـ 2002حين صدر قانون الاتصالات ورفع حصرية هذه الخدمات عن عاتق الدولة. دمّرت الحرب الأهلية البنى التحتيّة القديمة للاتصالات، التي كانت في الأصل تقليديّة، قائمة على الاتّصالات الأرضية، ولذلك أرادت الدولة تطوير القطاع وإعادة انتاجه من جديد في الـ 1991 بعد الحرب. يقول موسى خوري محامٍ مختص قي مجال الاتصالات ، في مقابلة له مع حركة مواطنون ومواطنات في دولة نشرت منها الحركة مقاطعاً على تويتر، أن الدولة وقفت أمام قرار إعادة إصلاح القطاع حائرة، لأنه في حينها بعد سنة ظهرت تقنية جديدة في الاتصالات وهي تقنية الهاتف المحمول، التي كانت تشكل هاجساً نوعاً ما، فهذه التقنية لم تزل غير واضحة من ناحية بيع الخدمة وانتاجها. فاختارت الدولة حينها أن لا تتكلف في إنشاء مشروع شبكة هواتف خليوية، وبدل ذلك أن تلزّم شركتين أجنبيّتين، فرنسية وفنلندية، لاستثمار القطاع وهما: "سيليس" و "ليبان سيل"، وقد كان التلزيم يصب في مصلحة نجيب ميقاتي الذي كان يملك 33% من شركة "سيليس".

وحسب خوري، استثمرت الشركتين القطاع تحت عقد "bot"، أي أن الشركتين تنشآن الشبكة وتديرانها حتى انتهاء العقد، وبعد انتهائه تُسلم الشبكة للدولة اللبنانية مع طاقمها الذي اكتسب الخبرة في المجال لتكمل الاستثمار. كان العقد فعلياً لمدة عشر سنوات وبدأ في الـ 1994، وكانمن المفروض أن ينتهي في الـ 2004. حين استثمرت هاتين الشركتين في لبنان، كان الاستثمار لا شك في العملة الأجنبية، الدولار، وكان الشرط من الشركتين أن تستوفيان أثمان الخدمة بالدولار الأميركي. وفي فترة هذا العقد، الذي كان يجبر اللبنانيين على الاشتراك بالعملة الأجنبية، قامت الدولة بفرض ضريبة على الإتصالات وارتفع حينها ثمن الإتصال من 5 سنت الى 11 سنت، وكانت المرة الأولى التي تفرض فيها الدولة ضريبة بعملة اجنبية على المواطن.

انتهى العقد لأول مرة، ولكن الدولة اللبنانية لم تتخلى عن المصدر الوحيد (بعد مطار بيروت) الذي يدخل لها دولاراً أميريكيّاً –شركتي الاتصالات- التي تطلب منهما لدولة حينها ابقاء الاستيفاء بالدولار الأميركي. فالدولة تجبي ضرائبها ورسومها بالليرة اللبنانية، لكنها كانت بحاجة لمصادر بالدولار الأميركي بعد أزمات الفيول المتتالية وأزمات الكهرباء، خاصة أن شركة كهرباء لبنان تجبي رسومها بالليرة اللبنانية وهي بحاجة للدولار لاستقدام الفيول من الخارج. فعلياً، كانت الدولة تجبي في السنة من ضرائب الإتصالات ما يزيد عن مليار ونصف مليار دولار.

 

إنجازات الحكومة الميتة:

رفضت الحكومة قبل يومين من تحولها حكومة تصريف أعمال إلاّ أن تقر خطة التعافي الإقتصادي التي لم يوافق عليها نواب الثنائي ما عدا علي حسن خليل وزير المالية وتحفظ وزير التربية عباس الحلبي عن التعليق عليها، والخطة بحسب بيان ميقاتي "تتضمن الإصلاحات الأساسية في البنية الاقتصادية والمالية ووقف النزيف المالي الذي يسببه قطاع الكهرباء، إضافة إلى إعداد مشاريع قوانين جديدة". وعلى الرغم من أن ميقاتي أعلن منذ الشهر العاشر من السنة الفائتة بداية تحضير الخطة المزعومة ل "دفش" البلد اقتصادياً إلا أن الخطة أُعلِنت قبل موت حكومته وعلى يديها آثار تضخم مالي كبير وسيطرة المصارف تحت عناوين عريضة أشهرها حفظ أموال المودعين.

كان أبرز كوارث هذه الخطة بحسب الخبير الإقتصادي محمد زبيب هو إعطاء الفرصة لإعادة بناء رأس المال المصرفي بالقوة، لأن الخطة في نفس الوقت الذي تجعل فيه المصارف طرفاً مستفيداً من الأزمة، تُخفض الإنفاق العام وترفع الدعم وتقلل فاتورة الأجور. وللمفارقة فإن خطة التعافي هذه أقرّت خطوات جديدة لقطاع الإتصالات بتعاون يُشهد له بين رئيس الحكومة، وزير الإتصالات، والشركتين المحتكرتين لقطاع الاتصالات (mic1, mic2) على الرغم من انتهاء عقديهما في استثمار القطاع. فقد وافق رئيس الحكومة ضمن خطة التعافي على اقتراح وزير الاتصالات جوني القرم، الذي يقضي بتعديل، أو رفع التعرفة ابتداءاً من أول تموز، وتخفيض حوالي 42.65 مليون دولار أميركي من تكلفة شبكتي الخلوي.

 

خطة الإتصالات وآلية التخفيض:

شرح الخطة:

منذ استلام الدولة لقطاع الاتصالات وإلى اليوم، لم تتشجع الدولة بمصارحة المواطنين على الأقل بكلفة الإتصالات التي فرضتها هي على نفسها وعلى المواطن، فالمواطن كان قبل أزمة الدولار يدفع بالدولار من دون أن يعرف وقريباً سوف يعود الى نفس الحال من غير أن يعلم فعلياً لماذا. فمع ازدياد التدهور الاقتصادي سوف تزداد تكلفة الاتصالات بالليرة اللبنانية لأن سعر الدولار في تصاعد دائم، مع العلم أن دراسات الأمم المتحدة قبل تفاقم الأزمة تقول أن 60% من الشعب اللبناني وقع تحت خط الفقر. ولذلك يتبين أن هذه الخطة كانت اقتصا­دية بحتة، لم تُدرس فيها الآثار الإجتماعية والبيئية، بل كيفية احتساب الأرباح بالدولار الأميركي . وكل هذا لأن الاتصالات مصدر مربح و"فريش" لا يتخلى عنه اللبناني وإن كان صعباً عليه تسديد تكاليفه، وللتهرب من هذا الموضوع تم وضع ما يسمّى "رزم لذوي الدخل المحدود"، الذي لم يوجد له أصلا تعريف بعد على المستوى اللبناني، فمن هم ذوي الدخل المحدود؟ وما هي أنواع هذه الرزم؟

 

خطوات الإقرار:

قبل رفع خطة الاتصالات الى الحكومة ضمن خطة التعافي صرح وزير الإتصالات جوني القرم أن الخطة تتمثل بزيادة التعرفة مقابل تحسين الخدمة في الوقت الذي تم إلغاء شبكة 2G للتخفيض من الكلفة. ويؤكد القرم هدوءه لأحد المواقع العربية[1] المعروفة عدة مرات وعدم تخوفه من اندلاع ثورة أو تحرك كما حصل في 17 تشرين 2019، والكلام هذا كان تحت عنوان عدم الزيادة الفعلية للأسعار لأنها سوف تحتسب على منصة صيرفة، أي أنها بذات القيمة - بالنسبة للدولار- كما كانت عليه سابقاً. هذا الحديث الدائم عن السعر الذي يُعتبر مثالياً لا بل بقيمة الأسعار القديمة، ينُمّ عن عدم دراسة فعالية هذه الخطة في ظل الحالة الإقتصادية اللبنانية التي لم تعُد أمراً استثنائياً.

وتحت ذريعة أن الخيارات أمام مجلس الوزراء ضئيلة، تمإقرار خطة الاتصالات ورفع الأسعار، بحجة أن القطاع أمام خيارين: إما التوقف نهائياً عن العمل أو جعله مدولراً. وبحسب ندى أيوب، صحفية في جريدة الأخبار، فإن الإجرائات كانت على الشكل التالي: توقيف شبكة الجيل الثاني، وتوقيف 80% من شبكة الجيل الثالث في كل من "ألفا" و"تاتش"، بهدف تخفيض 42.65 مليون دولار نقدي من تكلفة تشغيل شبكتَي الاتصالات خلال السنوات الثلاث القادمة، استناداً إلى دراساتٍ أعدّتها شركتا ألفا وتاتش. وهنا، تلقي الخطة عبئاً كبيراً على المواطنين، فتوقيف شبكة الجيل الثاني تحتم عليهم شراء هواتف تعمل عليها شبكة الجيل الثالث وما فوق، ولذلك يقف المواطن أمام خيار فقدانه لـ"ترف" الاتصالات أو دفع كلفة اختيار الوزير، خاصة العاملين بالسلك العسكري أو الدولة الذين لا تزيد أجورهم عن 50 دولاراً بحسب منصة صيرفة، عدا عن أن هواتف العمل الخليوية المستخدمة في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية أغلبها قديم يدعم الجيل الثاني من الشبكة فقط، وبالتالي فإن الدولة تكلف نفسها والمؤسسات الأخرى تجديد الهواتف واستخدام هواتف ذكية. وبالإضافة إلى هذا، رداءة جودة الإتصال لأن شبكة الجيل الثاني تؤمن الاتصالات أما الثالث والرابع فهي للبيانات الهاتفية.

خدمة الاتصالات هي خدمة من المفترض أن يحصّلها جميع القاطنين على أرض وطنٍ محدد، وأن تكون أكلافها تشغيليّة وأرباحها معقولة نظراً لحاجة المواطن الدائمة لها. ولكن في وطن متروك لم يدرس القيّمون عليه وضعَه الاجتماعيّ والاقتصادي، يتمّ استغلال هذه الخدمة لسحب عملة أجنبية من جيب المواطن الى الخزينة، بدعم وزير اتصالاتٍ يعتقد أن الأسعار سوف تبقى كما كانت عليه سابقُا لأنها بنفس القيمة بالدولار.

بدأت حيلة الوزير القرم، وجشع الدولة، وتشجيع رئيس الحكومة الميتة لهذه الحيلة تحت ذريعة إكمال سير هذا القطاع. هل يتّجه القطاع الى الخصخصة بالكامل؟ هل سنعيد تجربة توتش وألفا ومن يشغلهما بسيناريو أقسى؟.


[1] موقع العربي الجديد: https://bit.ly/3nyx8jA