في ليلة من ليالي صيفيات 'عز'" السين سين، حينما كانت السياحة على أوجها في لبنان حيث كانت جموع العرب ولا سيما الخليجيين تملأ شوارع وسط بيروت وعاليه وبحمدون وغيرها، حدث أن توجهنا مع مجموعة من الأصدقاء إلى مدينة عاليه للتنزه ليلاً. كان من بين الأصدقاء فتاة متمرسة في رياضة الملاكمة، ولسوء حظ أحد السياح الخليجيين أنه تحرش بها بطريقة لا أخلاقية فعاجلته بلكمة على أنفه لم يستيقظ منه إلا بعد مرور وقت"
في نقد سياسة انبطاح الدولة
في ليلة من ليالي صيفيات "عز" السين سين، حينما كانت السياحة على أوجها في لبنان حيث كانت جموع العرب ولا سيما الخليجيين تملأ شوارع وسط بيروت وعاليه وبحمدون وغيرها، حدث أن توجهنا مع مجموعة من الأصدقاء إلى مدينة عاليه للتنزه ليلاً. كان من بين الأصدقاء فتاة متمرسة في رياضة الملاكمة، ولسوء حظ أحد السياح الخليجيين أنه تحرش بها بطريقة لا أخلاقية فعاجلته بلكمة على أنفه لم يستيقظ منه إلا بعد مرور وقت ليس بقليل. المفارقة أن عناصر بلدية المنطقة سارعوا إلى مهاجمتنا واتهامنا بالإساءة للسياحة في البلاد، لولا تدخل والد صديق آخر كان مقرباً من القوات السورية العاملة في لبنان، فعالج الأمر بسرعة مشابهة لسرعة تشكيل الحكومات في وقتها.
اعتُبر لبنان ملاذاً للسياح العرب (الخليجيين خاصة) بعد تدفق أموال النفط في الخليج العربي، فكانوا يرون في مناخه المعتدل وشعبه المضياف سبباً للقدوم إليه للاستجمام. لبنان الذي كان قوياً بسياحته وبقطاعاته الخدمية والإنتاجية تحوّل بعد الحرب الأهلية واتفاق الطائف إلى بلد يقوم على اقتصاد ريعي بحت، مما جعل دول الخليج وعلى رأسها السعودية راعية اتفاق الطائف وقدوم رفيق الحريري بأفكاره الاقتصادية المدمرة للاقتصاد الوطني، ذراع طولى في البلاد قادرة على فرض سياسات، كما والتدخل في تفاصيل العمل السياسي الوطني.
لم يقتصر التدخل السعودي في لبنان على السياسة والاقتصاد بل تخطاه الى تدخل أمني لا يتسع الوقت لذكر كل تفاصيله. يمكن العودة كمثال إلى عام 1985 حين موّلت السعودية عملية التفجير الآثم في بئر العبد محاولةً اغتيال العلامة السيد فضل الله بالاشتراك مع حكومة أمين الجميل والعدو الصهيوني والمخابرات المركزية الأميركية، كما لا يخفى على أحد تمويلها (غير المباشر) للتفجيرات التي استهدفت لبنان إبان الحرب الكونية على سوريا منذ عام 2011.
يمكن أن يعتقد البعض أن للسعودية فضل مادي على لبنان، وكأن الأموال التي يحولها الموظفون اللبنانيون في السعودية هي أموال "صدقة جارية" في حين أن هؤلاء يتقاضون أجوراً مقابل أعمال يقدمونها تحتاجها المؤسسات والشركات السعودية للاستمرار؛ أما الودائع السعودية في لبنان التي تسحب حين الحاجة فهي ليست استثمارات من دون ربح والكل يعرف الفوائد الخيالية التي وضعتها السياسات المالية على سندات الخزينة والتي كانت عامل جذب للاستثمار الخارجي فيما كانت تؤسس لتدمير الاقتصاد الوطني.
لم يكن مستغرباً زحف بعض المسؤولين اللبنانيين بالأمس إلى خيمة نصبها السفير السعودي معتذرين عن بضع كلمات حق قالها وزير خارجية لبنان، فاللاهثين نحو الخيمة صنفان؛ صنف مستعد أن يتحالف مع أي طرف خارجي دون قيد أو شرط للانقضاض والاستقواء على شركائه في الوطن، وبعض المتربعين في خيمة البخاري قد شوهدوا قبل سنوات في خيمة غازي كنعان. أما الصنف الآخر فهم اللاهثون خلف المال من أي جهة أتت، فقلوبهم وأقلامهم وسيوفهم هي رهن لمن يدفع أكثر.
ربما أخطأ الوزير شربل وهبة في الأعراف الدبلوماسية حين سمح لصحافي باستفزازه، وربما كان هناك وسائل أخرى للرد على اساءة الصحفي السعودي لرئيس جمهورية لبنان، إلا أن كلامه هو تعبير عن واقع لم يتجرأ الكثير على قوله خوفاً أو مداراةً.
في سجل العلاقات بين الدول هناك محطات ايجابية ومحطات سلبية، واذا أردنا تقييم العلاقات السعودية اللبنانية، فالشعب السعودي بلا شك هو شعب عربي شقيق وهذه ثابتة إيجابية لا تتغير، أما تصدير الإرهاب وقتل الأبرياء وتفجير البلاد وتوريد نهج اقتصادي قد كان له الوقع الأسوأ على تدمير الاقتصاد الوطني فهي غيض من فيض المحطات السلبية التي أغدقتها علينا المملكة.
تُرك الوزير وهبة وحيداً في معركته الديبلوماسية مع من أهان رمز البلاد مما دفعه لطلب الإعفاء من مهامه؛ فيما انبطحت الدولة بكل أركانها حرصاً على مشاعر "طال عمره"، أما اللبنانيون فهم كعادتهم؛ منهم من يعشق الذل ولا يرى فيه عيباً، ومنهم من يرفضه ويقول الحق ولو بكلمة أو بلكمة في أنف متعجرف نزق.
"Related Posts
كاتب لبناني