Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

لا يُشكك أحدٌ في نوايا الأعم الأغلب من المعارضين لسد بسري المقتنعين بخطورة آثاره السلبية لكن أداء الفريق المحرك للتحركات الذي تُسخر له الامكانيات والتمويل العابر للحدود وتُفتح له ساعات البث المباشر وينعم بأضواء وسائل الاعلام على اختلاف مشاربها هو ما يثير الريبة

هيئة التحرير

سد بسري: دراسات بسمنة وأخرى بزيت

"

يُقال إن اللبناني "لا ينامُ على همٍّ قديم" فكلُ يومٍ جديد يحمل له "همروجةً" تستنزفه بضجيج السجالات حولها وتقوده إلى اصطفافٍ جديد يُضاف إلى سلسلة الاصطفافات التي لا حصر لها في بلدٍ اكتسبَ فجأة مليون عالم هيدروجيولوجي، ومثل ذاك العدد خبراء في الجيولوجيا والجيوتكنيك ممن حولوا وسائل التواصل الاجتماعي إلى منصات لتبادل الدراسات، والدراسات المضادة، لإثبات وجهات نظرٍ متفاوتة في قضية "سد بسري" ودون أي إلتفات إلى أن الخلاف البيئي في لبنان غالباً ما يكون صدىً لصراع القرابات السياسية على الريع الناتج من أحد المشاريع، والبيئة مجرد تفصيل للتعمية.

لم تتوقف خلال السنوات الماضية حملات الاستهزاء بشعارات الكرامة وتسخيف مقاومة العدو الإسرائيلي والتكفيري باعتبارها خارج أولويات المواطن التي تكاد تنحصر في الغذاء والماء والكهرباء والطبابة والتعليم، وباتت صورة الثلاجات الفارغة هي الرد المعلّب المعتمد على أي طرح فيه "شبهة" مواجهة ثقافة الاستهلاك والاقتصاد الريعي، بل بلغ الأمر حد تجاهل  البيئين أنفسهم فرض عقوبات على جمعية أخضر بلا حدود اللبنانية في أيار الماضي من قبل الولايات المتحدة (المنتج الأكبر للنفايات والمنسحب الأول من إتفاقية المناخ) لمجرد أن هذه الجمعية تتبنى نفس الشعارات التي تتعارض مع الراعي الرسمي الممول لعموم الجمعيات البيئية... وفجأةً باتت البيئة تتقدم على الحاجات الأساسية للمواطن وصارت حيوانات سهل بسري أكثر أهمية من مليون وستمئة ألف مستفيد من مياه المشروع باتوا يطالبون بأن يُنظر إلى حيواتهم باعتبارها مهمةٌ أيضاَبنفس قدر أهمية كائنات السهل على الأقل!

لا يُشكك أحدٌ في نوايا الأعم الأغلب من المعارضين لسد بسري المقتنعين بخطورة آثاره السلبية لكن أداء الفريق المحرك للتحركات الذي تُسخر له الامكانيات والتمويل العابر للحدود وتُفتح له ساعات البث المباشر وينعم بأضواء وسائل الاعلام على اختلاف مشاربها هو ما يثير الريبة فعلى مدى سنوات كان الملف البيئي يطفو على السطح عند اختلاف السياسيين حول المغانم ويخبو حين يتفقون على الحصص. على مقربةٍ من سد بسري تنهش آليات معمل سبلين للاسمنت طبيعة ساحل الشوف وتقتلع أشجارها المعمرة وتنفذ مداخنه دخان الموت دون أي اعتراضٍ معتدٍ به ولا مسيرات ولا مخيمات ولا ندوات عند مداخل المعمل ولا يافطات منددة على جدرانه رغم إمعان مالكي المعمل في بيع الترابة للمواطن اللبناني بأغلى الأسعار عالمياً ورغم عدم وجود أي نية لديهم لإعادة تشجير المنطقة المنكوبة على عكس مشروع سد بسري الذي يتضمن زرعاً لما يفوق 1.8مليون شجرة في محيطه. بالتوازي تقوم السفارة الأمريكية في عوكر بتوسعة مهابط الطيران ومهاجع الجنود والمستودعات والمباني على حساب أحراج الصنوبر الخضراء المحيطة فتقتلع الأشجار وتدمر البيئة دون أي إعتراض من أي منظمة بيئية وطبعاً دون حملات اعلامية ومخيمات وقطع طرق بل صمت مطبق تماماً كالصمت الذي رافق ارتكاب نائب الشمال هادي حبيش مجزرته البيئية بقطع 1000 شجرة حرجية (على الأقل) لشق طريق إلى "دارته" في القبيات بعكار عام 2016، ومر ذلك مرور الكرام بل المؤسف أن بعض رموز ثورة تشرين آزروه في اقتحامه الشهيرة لمكتب القاضية غادة عون أواخر العام الماضي.

تكثر الدراسات العلمية التي تتحدث عن الأثر السلبي لسد بسري على البيئة وتكثر بالمقابل الدراسات  العلمية عن جدوى السد وأهميته بغض النظر عن الأضرار البيئية الجانبية التي لا يخلو منها أي مشروع حيوي في العالم، وبين هذا وذاك مواطنٌ لبناني يشكو العطش ويرى في سد بسري المشروع المائي الوحيد الممول في ظل العجز عن تمويل أي مششروع آخر، ودعوةٌ للنظر إلى النصف الفارغ من الكأس والانتقال من استراتيجية "النق" الهدام إلى استراتيجية إعطاء الحلول المنطقية المتوافقة مع ظروف البلد وإمكانياته بعيداً عن النكد السياسي.

"

صحيفة الخندق