تزاحمت القطع البحرية العسكرية قبالة بيروت عقب الإنفجار - الكارثة في الميناء، وبدا غريباً وصول حاملة مروحيات ومدمّرات عسكرية غربية في مهمة إنسانية لإيصال مساعداتٍ كان من الممكن بل ومن الطبيعي أن تصل عبر سفن شحنً مدنية، وبحضور وزراء خارجية الدول المعنية، لا وزراء دفاعها وقادة جيوشها.
دبلوماسية البوارج مجدداً في بيروت
تزاحمت القطع البحرية العسكرية قبالة بيروت عقب الإنفجار - الكارثة في الميناء، وبدا غريباً وصول حاملة مروحيات ومدمّرات عسكرية غربية في مهمة إنسانية لإيصال مساعداتٍ كان من الممكن بل ومن الطبيعي أن تصل عبر سفن شحنً مدنية، وبحضور وزراء خارجية الدول المعنية، لا وزراء دفاعها وقادة جيوشها.
ليس لبنانُ استثناءً في مثل هذه الحالة، لكن التجارب المشابهة تدعو لكثيرٍ من الريبة فالقوات الأميركية التي انتشرت في هاييتي (تحت قيادة البنتاغون والقيادة الجنوبية العسكرية "ساوثكوم" وليس وزارة الخارجية) عقب الزلزال الشهير عام 2010 للمساعدة في عمليات الإغاثة والانقاذ ما تزال هناك بعد عشرة سنوات على الكارثة، حيث إنتشر 9000 جنديٍ أميركي آنذاك دون تفويض من الحكومة المحلية مستغلين إنهيار الدولة بفعل الزلزال وسيطروا على المطار والمرافق الحساسة لاستكمال سلسلة من التدخلات الأميركية تبدأ منذ إحتلال عام 2015 ولا تنتهي بانقلاب عام 2004، تماماً كالقوات الأميركية التي انتشرت في ليبيريا لمواجهة فيروس إيبولا عام 2015، ولم يكن ممكناً تفسير إرسال جنودٍ ببذات مرقطة بدل الأطباء والممرضين لمواجهة فيروس إلا باعتباره امتداداً لعقود من أجراءات تثبيت الجذور الأميركية التاريخية في مستوطنة العبيد المحررين العائدين من الضفة الغربية للأطلسي.
لا يختلف الفرنسيون كثيراً في استثمار الظروف السياسية والانسانية لتحصيل مكاسب بلادهم ففرنسا الاستعمارية لم تتغير إلا بالقدر الذي فرضته التبدلات الدولية في النصف الثاني من القرن الماضي، وليس سراً أنها تدير عمليات النهب المنظم لثروات أفريقيا منذ عقود بحجج ومبررات جمّة كسرقتها ذهب جمهورية مالي تحت أنف الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ومراكمة احتياطاتها من الذهب رغم أنها لا تملك منجماً واحداً على أراضيها فيما لا تزال مالي تفتقر إلى أي احتياطيٍ ذهبي رغم تصنيفها كثالث أكبر منتج للذهب فب القارة السمراء، وكل ذلك بحجة حماية الأمن الأوروبي ومواجهة المجموعات الإرهابية التي نفذت انقلاب عام 2012 علماً أن مالي لا تملك حدوداً مع القارة الأوروبية ولا تُطل على البحر المتوسط.
راق لبعض اللبنانيين الحالمين الذين يتملّكهم الحنين لفرنسا أن يتخيلوا وصول البوارج الفرنسية والإنكليزية مقدمةً لتدخلٍ عسكريٍ غربي يُطيح بالمقاومة اللبنانية ويفرض نزع سلاحها بالقوة بما يتيح لقوىً بعينها أن تعيد فرض سيطرتها على البلد وتعود لممارسة دورها التاريخي كوكيل استعماري "مودرن" في شرقي المتوسط في خضم الصراع الدولي والإقليمي المحتدم على هذه المنطقة الواعدة بالغاز الطبيعي. وكان السفير الروسي في بيروت ألكسندر زاسبكين قد توقع في التاسع من تشرين/أكتوبر من العام الماضي اهتزازً استقرارِ لبنان ودخولِه في الفوضى ضمن خطةٍ أميركيةٍ لضرب خصوم واشنطن في لبنان، كما نقل الخبير في الشؤون العسكرية النائب العميد الوليد سكرية قبل تفجير المرفاً بأشهر عن مصادر روسية أيضاً معلوماتٍ عن مخطط أميركي لإنزال قوات أميركية في المنطقة المسيحية وتمكين حلفاء واشنطن المسيحيين من السيطرة على "الجبل المسيحي" لتطويق حزب الله من الداخل والخارج. تُرجمت توقعات السفير الروسي حرفيا بعد أقل من أسبوعين على تصريحه خلال انتفاضة 17 أكتوبر، وظهر جنودٌ غربيون في محيط مرفأ بيروت عقب تفجير الرابع من آب ما أعطى التوقعات/الأمنيات بإمكانية التدخل العسكري الأميركي في لبنان مصداقيةً لدى البعض دون الأخذ بعين الاعتبار أولوية مصالح واشنطن في العراق وحرصها الشديد على بقاء قواتها وحلفائها في موقع القرار ببغداد وهذا ما لا يمكن الحفاظ عليه نهائياً إذا ما نشبت أي مواجهةٍ مباشرة في لبنان، ودون أي التفات إلى أن ضباط البوارج الغربية التي رست في بيروت يعلمون تماماً أن مدى القوى البحرية الصاروخية للمقاومة يزيد عن المئة كيلومتر بحسب التقديرات الإسرائيلية وفي أفضل الظروف فإن المدى المتيقن هو المدى الذي أصيبت ضمنه البارجة الاسرائيلية ساعر 5 في حرب تموز أي أربعين كيلومترا وبالتالي فإن أي راغبٍ بمواجهة عسكرية لا يمكن أن يضع قطعه الربية في مرمى نيران "الخصم" المحتمل.
سريعاً تبخرت الأماني بتدخلٍ غربي مباشر وتراجعت الآمال بتعديلٍ في صلاحيات قوات الطوارئ الدولية يجعلها سيفاً مسلطاً على رقبة المقاومة وغادرت البوارج العسكرية بعد "العراضة" المملة التي نفذتها قبالة بيروت وبدا أن حزب الله بقي متفرجاً ولم يلعب أياً من أوراقه فيما استنزف الخصوم كل طاقاتهم بما فيها التحريض الطائفي ووضع السلم الأهلي على المحك دون وازع أو رادع.. عادت الأمور إلى المربع الأول وعاد البلد إلى فترة ما قبل تشكيل حكومة حسان دياب في أكثر المراحل حاجةً للوقت الذي ينزف من بين يدي اللبنانيين ويُقرّبهم أكثر فأكثر من المجهول دون أي نيةٍ من المقامرين بمصير البلد في وضع أطماعهم ورهاناتهم جانباً ولو للحظة..!
"Related Posts
كاتب لبناني