Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

فتحت بضعةُ حوادثٍ مستجدةٍ النقاشَ مجدداً حول سلاح ميليشيا القوات اللبنانية، فالعرض شبه العسكري للقوات في ذكرى اغتيال بشير الجميل وإصابة لاعب فريق الأنصار محمد عطوي برصاصة طائشة في الرأس بالتزامن مع تشييع أحد ضحايا إنفجار الرابع من آب/أغسطس وما تناقلته وسائل التواصل من انكشافٍ مفترض لمخزن أسلحة في منطقة الأشرفية صدفةً بفعل الإنفجار عينه، أعاد الحديث عن سلاحٍ متفلتٍ غير شرعيٍ بعيد كل البعد عن المقاومة وخارج منظومتها كلياً.

علي حمية

حين يصبح سلاح الميليشيا عابراً للقارات

"

فتحت بضعةُ حوادثٍ مستجدةٍ النقاشَ مجدداً حول سلاح ميليشيا القوات اللبنانية، فالعرض شبه العسكري للقوات في ذكرى اغتيال بشير الجميل وإصابة لاعب فريق الأنصار محمد عطوي برصاصة طائشة في الرأس بالتزامن مع تشييع أحد ضحايا إنفجار الرابع من آب/أغسطس وما تناقلته وسائل التواصل من انكشافٍ مفترض لمخزن أسلحة في منطقة الأشرفية صدفةً بفعل الإنفجار عينه، أعاد الحديث عن سلاحٍ متفلتٍ غير شرعيٍ بعيد كل البعد عن المقاومة وخارج منظومتها كلياً.

يتركز الحديث بشكل خاص عن جهاتٍ شغلها الشاغل ومحور نشاطها السياسي هو المطالبة بنزع أي سلاحٍ غير سلاح الجيش، وفي مقدمتها حزب القوات اللبنانية الذي اعتمدَ منذ عدة سنوات تقليداً مستفزاً – في تناقض واضح- بإطلاق النار الكثيف خلال المناسبات التي تخص مناصريها وعناصرها أو ترى القوات مصلحةً في إظهار حضورها الميليشياوي خلالها، وقد ظهر جلياً خلال تشييع الراحل إيلي سكاف في زحلة  عام 2015 ثم في معظم جنازات منطقة البقاع الشمالي، وأخيراً في تشييع ضحايا انفجار المرفأ حيث تعمّد القواتيون الظهور بأسلحتهم وإطلاق كميات كبيرة من الرصاص الحي فوق الأحياء السكنية في الوقت الذي تبلغ فيها قيمة الرصاصة الواحدة نصف دولار أي أن قيمة الممشط الواحد الذي ينطلق في الهواء بضغطة زناد تقارب المئة ألف ليرة (الحد الأدنى للأجور في لبنان 680 ألف ليرة) ويتم تصوير ذلك وتوثيقه وإبرازه عمداً على صفحات القوات اللبنانية الالكترونية إلى جانب فيديوهات لما يُشبه المناورات والدوريات المسلحة في أعالي السلسلة الغربية.

يذكر معظم اللبنانيين مشاهد استلام الجيش اللبناني لثكنات ميليشيا القوات اللبنانية وآلياتها وأسلحتها الثقيلة عقب انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية وبدء العملية السياسية التي نتجت عن تسوية الطائف، لكن سياق الأحداث الأخيرة يقودنا إلى التساؤل الذي يطرحه باستهزاء "قدامى القوات" واللبنانيون بشكل عام: هل فعلاً تم تسليم جميع أسلحة القوات إلى الجيش عام 1990؟ ماذا عن السلاح الذي بيع إلى أوروبا الشرقية؟ وهل يتم تخزين المتبقي منه بطريقة آمنة وبعيداً عن الأحياء السكنية؟ ولماذا يتفادى الجميع الحديث حول هذا الموضوع إلى درجة إلغاء حلقة عنه في برنامج تلفزيوني لأسبابٍ مجهولة؟ والأهم ما مصدر السلاح الجديد ودوره المستجد خصوصاً أن معظم الأسلحة الظاهرة من طرازات أحدث من تلك التي كانت رائجة خلال الفترة العسكرية العلنية لميليشيا القوات، أي أن معظم هذا السلاح استُقدم إلى البلد مؤخراً وليس من بقايا الحوادث اللبنانية، وهو أمرٌ لم يعد مستبعداً فقد صادر الجيش عام 2010 أسلحةً للقوات مدموغةً بعبارات عبرية، تتضمن رشاشاً ثقيلاً من عيار 12.7 وقذائف صاروخية وكاميرات مراقبة ومناظير إلى جانب كمية من المخدرات في منطقة عيون أرغش، وسبق أن صادر الجيش كمية مماثلة في مشروع بريج عام 2001، كما هدد النائب السابق وآمر معبر البربارة السيئ الصيت خلال الحرب الأهلية أنطون زهرا، بإسقاط طائرة مسيرة مفترضة بما يناسبها من الأسلحة، بما يوحي بأن القوات تملك سلاحاً مضاداً للطيران فضلاً عن السلاح  الفردي الإسرائيلي الذي تباهى زهرا بنسخة منه في بلدة القاع عام 2016 حين غزاها انتحاريو تنظيم "داعش" الذي قال عنه الدكتور جعجع قبيل ذاك أنه "مجرد كذبة"!

بصراحةٍ قال مؤسس فرقة الصدم في القوات اللبنانية سابقاً ورئيس الحركة التصحيحية في القوات اللبنانية حالياً حنا عتيق، في مقابلة تلفزيونية مباشرة، أن أموال القوات تقدر بالمليارات بعد بيع السلاح ليوغسلافيا ودولٍ أفريقية، وأن الأموال وضعت في حسابات مختلفة بأسماء عدة أشخاص في النمسا.  أما الأموال التي بقيت في لبنان فيقال أنه تم توزيعها بعد اعتقال جعجع على عدة أشخاص، بينهم البطرك الماروني الراحل نصرالله صفير وأحد كبار تجار المحروقات، واستثمرت بعضها السيدة ستريدا طوق زوجة جعجع في الخارج عبر مشاريع لإخوتها. لكن مدير الصندوق المالي في القوات اللبنانية سابقاً جورج أنطون، الذي يُعتقد أنه كان مشرفاً على جميع الصفقات تفاخر مراراً بأنه أصر في إفادته خلال التحقيق معه في وزارة الدفاع عام 1994 على أنه تم إنفاق مردود بيع الأسلحة على موازنة القوات التي خسرت بعد انتهاء الحرب مداخيلها الرئيسية حيث توقفت ضريبة الـ4% التي فرضتها على أصحاب المؤسسات في المنطقة الشرقية، وتوقف مردود الحواجز والخوّات والدعم الخارجي والتبرعات.

وبالعودة إلى أرشيف تلك الحقبة، نجد فعلاً أخباراً متقاطعةً عن مشاركة "سلاح لبناني" في الصراع العرقي الذي فتت الاتحاد اليوغسلافي، حيث ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية في تموز/يوليو 1991، عن مصدر حكومي يوغسلافي أن ميليشيا القوات اللبنانية باعت أسلحةً لجمهورية سلوفينا عبر تجار أسلحة ألمان بقيمة 330 مليون دولار، قبيل اعلان استقلال سلوفينيا عن يوغسلافيا، واشتملت الصفقة على 4 مروحيات "غازيل" فرنسية وزوارق دورية وأنواع كثيرة من المدفعية وراجمات صواريخ وغيرها من الأسلحة، والتي تم نقلها عبر سبعة سفن يعتقد أنها مملوكة لقبارصة انطلقت من ميناء جونية شمال بيروت، كما ذكرت صحيفة "التايمز الأميركية" أن أسلحةً قادمة من لبنان بقيمة 100 مليون دولار، بيعت إلى الإنفصاليين السلوفينيين والكروات خلال أربعة أشهر فقط، استخدمت في الحرب العرقية الدائرة شمال يوغسلافيا. ونقلت صحيفة الحياة حينها خبراً عن قيام القوات الصربية بتعذيب "مسيحيين لبنانيين" استلمت منهم أسلحة، بعدما علمت أنهم أمدوا الأعداء الكروات بعدة أطنان من السلاح، لكنها أفرجت عنهم لاحقاً بعد أن استطاعت القوات إقناعهم بأن مصدر الأسلحة ميليشيا لبنانية أخرى في شمال لبنان بحسب متحدث باسم القوات.

لا شك أن ما حصل في التسعينات كان مجرد حلقة من مسلسل أميركي لإعادة تدوير الأسلحة حول العالم بحسب رغبة واشنطن، التي اتفق يومها أن انصبت على تفتيت الاتحاد اليوغسلافي، ولا شك أن تلك الأسلحة الملطخة بدماء اللبنانيين استُعملت في المجازر العرقية التي عمّت البلقان، ثم أعيد تدوير ما تم جمعه من المتحاربين إلى وجهات أخرى على رأسها جبهات أفريقيا، لترتكب به مجدداً مجازر عرقية أخرى ويدور في الدوامة الأميركية لتدوير الأسلحة بين أدوات واشنطن في البقاع المشتعلة بأقل قدرٍ ممكن من البصمات الأميركية على طريقة الفيلم الأمريكي الشهير ""Lord of war. أما اللبنانيون فيحدوهم الأمل أن تخرج أوهام الغلبة من أذهان أمراء الحرب كي "تنذكر وما تنعاد".

"

كاتب لبناني