رغم مرور ثمانية أشهر على اغتيال اللواء قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في بغداد، إلا أن موجات الحدث الارتدادية لم تنتهِ بعد، بل تتصاعد وتسخن كل ما اقترب موعد انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية. محورا الصراع مستمران في معركة تثبيت معادلات ما بعد الاغتيال، ووباء كورونا مستمر هو الآخر في إلقاء تبعاته الثقيلة على الطرفين وفرض نفسه عاملاً رئيسياً في عملية صنع القرار واستشراف المستقبل.
جولة في هواجس مراكز الدراسات الإسرائيلية
رغم مرور ثمانية أشهر على اغتيال اللواء قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في بغداد، إلا أن موجات الحدث الارتدادية لم تنتهِ بعد، بل تتصاعد وتسخن كل ما اقترب موعد انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية. محورا الصراع مستمران في معركة تثبيت معادلات ما بعد الاغتيال، ووباء كورونا مستمر هو الآخر في إلقاء تبعاته الثقيلة على الطرفين وفرض نفسه عاملاً رئيسياً في عملية صنع القرار واستشراف المستقبل.
سلسلة الأحداث الأمنية "الغامضة" التي وقعت في نواحي متفرقة من إيران في الأسابيع الماضية كانت مادة بحث إحدى الدراسات الصادرة عن معهد الأمن القومي في تل أبيب؛ التقرير عدّد الغايات وراء تلك الهجمات ومنها: أولاً دفع إيران لردة فعل "متطرفة" ما يولّد بيئة ملائمة لشن عملية عسكرية واسعة ضدها ويجبرها على القبول باتفاق جديد يفرغ الاتفاف الموقع عام 2015 من مضمونه، وبالتالي قطع الطريق أمام تجديد الاتفاق القديم في حال وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض. ثانياً، منع إيران من المضي قدماً في مشروعها النووي أو بالحد الأدنى تأخيرها. أما عن سيناريوهات الرد الإيراني (وهو وارد جداً بحسب الباحث نتيجة تزايد الضغوطات في الداخل) فهي تشمل هجمات سيبرانية، مزيد من التنصل الإيراني من بنود الاتفاق النووي، وعمليات عسكرية - أمنية ضد القوات الأميركية في المنطقة. تجدر الإشارة إلى تقرير آخر عن معهد هرتزيليا للدراسات حول حادث نطنز خلص إلى نفس فرضيات الرد الإيراني لكنه قلل من امكانية إقدامها على أي من هذه الخطوات مراهنةً (حسب الكاتب) على نجاح بايدن في الانتخابات الأميركية وإعلانه نيته العودة إلى الاتفاق الذي ساهم في صياغته في عهد باراك أوباما.
عن المعهد نفسه، صدرت دراسة أخرى محورها الاتفاق العسكري الإيراني-السوري الموقع حديثا. للاتفاق عدة دلالات خاصة على صعيد التوقيت: تثبيت التمركز الإيراني في سوريا بعد تتالي الشائعات عن انسحاب قريب، تأكيد التعاون بين الطرفين رداً على قانون قيصر، تعزيز الدفاعات الجوية السورية مع توقع تصاعد الغارات الإسرائيلية في حال انسحبت القوات الأميركية من سوريا، وختاماً، منح القوات الإيرانية القدرة على استهداف إسرائيل من الأراضي السورية في حال استمرت الهجمات العدوانية الإسرائيلية ضد طهران. الباحث تساءل عن ردة الفعل الإسرائيلية في حال نشرت إيران منظومة الدفاع الجوي باور 373 القادرة على استهداف الطائرات الإسرائيلية في العمق "الإسرائيلي".
مقابل الخطوات الإسرائيلية اللاهثة وراء مكاسب آنية، يعكس الاتفاق الإيراني-الصيني الممتد على خمسة وعشرين عاماً الموقع حديثاً النفس الطويل الذي لطالما اتسمت بها طهران. معهد بيغن-السادات للأبحاث الإستراتيجية التابع لجامعة بار إيلان وصف الاتفاق بغير المسبوق على مستوى نطاقه وتبعاته على الإقليم وتناول أبعاد الاتفاق في ثلاث دراسات متتالية. الاتفاق الذي لم يدخل دائرة التنفيذ بعد من شأنه في حال المضي به تثبيت التواجد الصيني في منطقة الخليج ضمن مشروع الحزام والطريق وتأمين امدادات الطاقة بأسعار مخفّضة للصين التي تستعد للتصدي للنزال الاستراتيجي مع الولايات المتحدة في المحيط الهادئ. على المستوى الإيراني، ما يقلق صناع القرار في تل أبيب أن الاتفاقية بملياراتها الأربعمائة تمثل طوق نجاة للدولة الإيرانية الرازحة تحت سياسة "الضغوط القصوى" الأميركية. المكاسب الإيرانية لا تقتصر على تأمين سوق نفطي بحجم السوق الصيني، بل تشمل استثمارات صينية لتطوير بنيتها التحتية، تفعيل شبكة الجيل الخامس للاتصالات، والأهم توجيه رسالة للولايات المتحدة بأن طهران لم تخضع أمام سياسة العقوبات.
على مستوى الداخل الإسرائيلي، تحديات عدة ما زالت تقلق راحة نتنياهو وائتلافه الحكومي الهش. مدير معهد هرتزيليا اللواء المتقاعد عاموس جلعاد تناول الفشل الحكومي في قضيتين مصيريتين: ضم الضفة وجائحة كورونا. بحسب الكاتب، السلطات في إسرائيل لم تتهيأ للموجة الثانية من الوباء واستعجلت رفع إجراءات الحجر بشكل غير مدروس للتفرغ لعملية الضم. في المحصلة، تزايدت النقمة الشعبية تجاه فشل السلطات الرسمية في التعامل مع الوباء، وأجبر نتنياهو على صرف النظر عن مسألة الضم بعدما أدرك تبعات الخطوة الكارثية لو مضى بها بشكل أحادي.
في الداخل أيضاً، أزمة الكورونا لم توقف فقط عجلة الإقتصاد في إسرائيل بل جمدت خطة رئيس الأركان أفيف كوخافي في إعداد الجيش للتحديات المقبلة شمالاً وجنوباً. مع حلول ذكرى حرب تموز، صدرت دراسة لغال بيرل فينكل منسق برامج الشؤون العسكرية والاستراتيجية في معهد دراسات الأمن القومي تناولت جهوزية جيش الإحتلال. "أداء القوات البرية غير المقنع في حرب لبنان الثانية كشف أن إهمالها كان قراراً مكلفاً، هذه الخلاصة تعززت أيضاُ بعد عملية الجرف الصامد عام 2014". يضيف الكاتب "يجب على إسرائيل تقليص مدة حملاتها المستقبلية وحسمها بسرعة، القدرات الاستخباراتية والأسلحة الدقيقة لا تكفي لحسم المعركة". الجيش الإسرائيلي عالقٌ بين تقليص ميزانيته من جهة، وحاجته الملحة للاستثمار في القوات البرية وتعزيز جهوزيتها للتعامل مع جبهات الضفة وغزة وبشكل خاص لبنان (احتلال الجليل) من جهة أخرى.
"Related Posts
طبيب لبناني