الهوامل والشوامل، هو اسم كتاب مستعار من كتابات أبي حيان التوحيدي وابن مسكويه (وهذا أمر يشير له الكاتب) وإن بدى كمنهج ومخطوط أقرب لمنهج محمد أركون في كتابه 'الهوامل والشوامل: حول الاسلام المعاصر'" لناحية البحث في غائبات الخطاب السياسي. إذ يخوض الكاتب في غمار المسكوت عنه حول سورية، وواقعها، وظواهر '"الانقسام'" و'"التأثيم'" و'"التجريم'" و'"التكفير'" و'"الارتزاق'""
الهوامل والشوامل: الحرب وأسئلة الهوية في سورية
الهوامل والشوامل، هو اسم كتاب مستعار من كتابات أبي حيان التوحيدي وابن مسكويه (وهذا أمر يشير له الكاتب) وإن بدى كمنهج ومخطوط أقرب لمنهج محمد أركون في كتابه "الهوامل والشوامل: حول الاسلام المعاصر" لناحية البحث في غائبات الخطاب السياسي. إذ يخوض الكاتب في غمار المسكوت عنه حول سورية، وواقعها، وظواهر "الانقسام" و"التأثيم" و"التجريم" و"التكفير" و"الارتزاق". وهذه كلها ظواهر أخذت تنهش في جسد سورية منذ بداية الأزمة فيها إلى اليوم.
يقول الكاتب: لقد وصلت الصدمة بكثير من السوريين إلى الشعور بفقدان الذات والمعنى أو تفجرهما، وتفكك المجتمع وعودته إلى حالة "هوبزية" صريحة وبالغة القسوة، وكأن "انهيار سورية" و"نهايتها" صار قاب قوسين أو أدنى.
يعي الكاتب حساسية المخاطرة التي ينطلق بها، وهو يعرف عن كثب معنى الحرب وكونها صانعة للمعنى ومدمرة له. وفي كونها مختبراً لأطياف المعنى وتشكلاته. "في الحرب يكون المعنى القاتل والقتيل" يقول، "حيث تنطلق شرارة المواجهة على صعيد المعنى قبل المواجهة المسلحة". وهو ما يفرض البدء في البحث عن معنى الهوية، والهوية الوطنية، ومعنى "الشخصية الوطنية السورية". إذ صار الحديث عن الهوية حاجة ماسة بل وضرورة وجودية لبلد مثل سورية.
يسأل الكاتب (عقيل محفوض)، عن معنى أن تكون سورياً، ومعنى أن تكون عربياً. ومعنى أن تكون سورية عربية. إن المعنى جزء من نظم القيم والمدارك والأيديولوجيات لدى الفاعل، سواء كان الفاعل فرداً أم جماعة أو دولة... وأن يكون الفاعل (السياسي) حائزاً المعنى - أو مدعياً حيازته - ومتطلعاً إلى ذلك، فهذا يضعه في حالة تفاعل وتجاذب وصيرورة لا نهاية لها.
يلحظ الكاتب المدارك المختلفة للاجتماع السوري منذ ولادته المرتبكة على جغرافيا الأرض السورية. فالدولة منذ نشوئها لم تشمل سوريين كثُراً، كما لم تشمل أجزاء كبيرة من الجغرافيا التاريخية السورية، ما يُفسر بحسب الكاتب شعور الكثير من السوريين بأن الكيان الناشئ "مؤقت" أو "غير مكتمل".
يعرج الكاتب على مرحلة الخمسينيات والستينيات. وما أحدثته من قطع ووصل في الهوية والمعنى السوري. لقد حاولت تلك المرحلة تعميم رؤية للمعنى من منطلق عروبي، رافضة أي منطلق سوري للمعنى إلا بوصفه تعبيراً محلياً لمعنى العروبة، حيث أن سورية ودمشق تمثل "قلب العروبة النابض" ليس إلا. ولم تُصب سورية بعطب كالذي أصابها في العقود الأخيرة.
هنا يمشي الكاتب عند حافة هاوية المعنى والسياسة. هو يجرؤ السير عند حدود لم يمتلك غيره دربة السير لها. كناقد يخط المسافة بينه وبين الواقع معترفاً أن السوريين خلال العقود الأخيرة من تاريخهم القريب لم يُنتجوا الكثير من الأفكار، أو لم يجروا الكثير من المداولات حول "معنى أن يكونوا سوريين". هكذا لم يظهر خلال العقود الماضية الكثير من النقاشات الجادة أو المؤثرة حول "معنى أن يكون المرء أو المرأة سورياً أو سورية" لا بالمعنى السياسي ولا بالمعنى الثقافي أو الانثروبولوجي. وكل ذلك تم بسياسة "ضد – انعزالية" أو "ضد – قطرية"، الأمر الذي أفضى إلى شل كل ما هو وطني وسياسي. حتى عندما راح بعض النقاد والأدباء، كسعدالله ونوس، والماغوط، يخطوا درب النقد في أعمالهم المسرحية والأدبية، كانت جل هذه الكتابات غالباً ما تستحيل ملهاةً عند جمهور المتلقين، ما أفقر البلاد رأسمالها الثقافي والرمزي.
لتحقيب التاريخ السوري في ذهن الكاتب فرادة. إذ سرعان ما يستحيل التاريخ مفهوماً أو عنواناً فوق تاريخي لحقبة زمنية – سياسية. الثمانينيات والتسعينيات كانت عقود الهجرة واختلال الديمغرافيا في سورية. من الشمال إلى الجنوب، ومن الريف إلى المدينة، ثم من الداخل إلى الخارج، يحاول الكاتب إعادة نظم فواعل السياسة ومدارك تهديد الدولة من خلال تحليل هادئ لكل من هذه التحولات؛ كيف أمسى الخليج منوالاً ومثالاً لحياة الأسرة السورية؟ ثم كيف انبنت القيم السياسية الجديدة بمعزل عن الدولة؟ وبعد هذا وذاك، كيف استحالت كل هذه العمليات إلى بدء مسار من التيه مع الحرب السورية. شرائح كثيرة من السوريين اندفعت إلى المَهاجر والشتات حول العالم بفعل الحرب. البلاد تكاد تكون مهشمة بنظرة أبنائها. الأمل يكاد يذبح عند أعتاب سورية. حالة من اللايقين الحاد والثقيل بشأن المستقبل، كل ذلك يمثل خسارة كبرى، لا بل فجيعة.
ما المطلوب وهذا حال سورية؟ يقول الكاتب: إن المطلوب في حالة سورية، واحتواءً لمصادر تهديد متزايدة، هو ارتباط معنى أن يكون المرء سورياً أو المرأة سورية بالوطن أولاً، بما يعني التوافق وطنياً حول مفاهيم الأمة والقومية بأبعادها وتداخلاتها العرقية والثقافية والدينية. وقد يكون من المناسب أو الضروري أن يتم العمل على دائرة تقاطع وتداخل معاني الأمة والهوية بالتمركز حول الهوية الوطنية السورية، بما هي هوية جامعة لمختلف مدارك واتجاهات السوريين.
***
- صدر الكتاب عن مركز دراسات الوحدة العربية في نيسان 2021.
- الكاتب: عقيل سعيد محفوض، أستاذ العلوم السياسية في جامعة دمشق. وعضو الهيئة العلمية في مركز دمشق للأبحاث والدراسات. مؤلف عدد من الكتب منها: كورد نامه: دراسة في أسئلة الثقافة والسياسة والدولة لدى الكرد (2018). خط الصدع: في مدارك وسياسات الأزمة السورية (2017). السياسة الخارجية التركية: الاستمرارية - التغيير (2012).
Related Posts
صحيفة الخندق