ربما لم يكن سعيداً كما يجدر به أن يكون، لكنه على الأقل كان مترقباً أن يأتي يومه بأمرٍ جديد، إذ لا شيء أسوأ من الشعور بالتعفن في مكان واحد. ولأنه مترقب بقدرٍ ما أو ربما متحمس لما ستنتهي إليه الأمور بعد ساعة، لم يتبرّم حين مسّته عصا التفتيش التي مررها الشرطي على فخذه فيما يداه منفردتان
السأم
ربما لم يكن سعيداً كما يجدر به أن يكون، لكنه على الأقل كان مترقباً أن يأتي يومه بأمرٍ جديد، إذ لا شيء أسوأ من الشعور بالتعفن في مكان واحد. ولأنه مترقب بقدرٍ ما أو ربما متحمس لما ستنتهي إليه الأمور بعد ساعة، لم يتبرّم حين مسّته عصا التفتيش التي مررها الشرطي على فخذه فيما يداه منفردتان ورجلاه منفرجتان بل لاحت على شفتيه ابتسامة واهية، سرعان ما اختفت حين أمره الشرطي بأن يعاود المرور عبر الماكينة.
عاد إلى الوراء، مشى ببطء عبرها ولم ترنّ ثانية؛ لقد أصبح آمناً.
- ستترك أغراضك هنا. قال له الشرطي الشاب قبل أن يعلّق بطاقة في عنقه تحمل رقم الزائر 68.
وتابع: تتقدم قليلاً لتجد باب المصعد في الجهة اليمنى، عليك أن تنتظر في الطابق 18 حتى يحين دورك.
بينما كان يعبر الأبواب الزجاجية الثلاثة التي كانت تُفتح تلقائياً كلما وقف أمام أحدها، فكّر بالوقت الذي مرّ وهو ينتظر هذه الفرصة: أربعة شهور بعد طلب الموعد من السفارة؟ ستة شهور بعد إخبار عائلته بأنه مصممٌ على السفر وإن اعتبروا ذلك طيشاً وخياراً غير مدروس؟ سبع سنوات أو أكثر منذ بدء بحثه عبر الانترنت عن برامج جامعية للدراسات العليا في الرياضيات؟
فُتح باب المصعد في الطابق 18.
-من هنا القاعة! قال له رجلٌ لم يتبيّن منه إلا يده التي أشارت إلى باب في الجهة المقابلة.
وقف على عتبة الباب ونظر؛ شابان يجلسان على مقعدين جلديين. أشار أحدهم إلى ماكينة صغيرة معلّقة على الحائط وقال: أكبس على الزر الأحمر، واحصل على رقم.
هكذا صار له رقمٌ، مدونٌ على ورقة صغيرة بحجم عقدة الأصبع: 251.
جلس في الصف الثاني من المقاعد الثلاثة المتوازية، في المنتصف تماماً، بينما كان رفيقاه في الانتظار يكملان حديثاً لم يلتقط خيوطه بعد.
- محترمون جداً نعم، وافقوا على تأجيل الصف الافتتاحي لأن تأشيرتي ستتأخر ولن أكون في الموعد. البروفيسور قال في رسالته إنه آسف لهذا ويتفهّم أن لبنان يمرُّ في ظروف قاسية، وبالتالي سيسمح بإعادة جدولة موعد البدء.
ضحكة هازئة ويكمل:
-نعم، كأنهم محتاجون إليّ. أما هنا، فماسح الأحذية يتجبّر عليك ويُشعرك بأنك نعل حذاء.
كانت هذه كلمات الشاب الضئيل الذي يجلس في الخلف، موجهةً إلى الشاب الأشقر والمكتنز في الأمام، والذي اكتفى بهزّ رأسه والهمهمة بكلمات غير مفهومة.
- يحترمونك حتى لو كنت لا تعرفهم، ما دمت محترماً ومنصفاً معهم بالطبع. القانون سيّد هناك، أما هنا.. فماذا نقول؟ في وزارة التربية، حين كنت أصادق شهاداتي الجامعية، قدّم الموظف السيدات علينا جميعاً. سكتنا لأننا أردنا أن ننتهي من هذه الوقفة المهينة، لن تجد ذلك هناك بالطبع.
هزّ الجالس في المقدمة رأسه، وقال:
- نعم، القانون فوق كل اعتبار.
بدا لصاحب الرقم 251 أن الشابين صديقين، ولهذا اكتفى بالسماع وإن كان راغباً بقول شيء ما.
-إذاً أنت ذاهب إلى بافاريا؟ سأل الشاب في الخلف.
-نعم بافاريا. أقربائي هناك، بينما أدرس في الجامعة سأعمل معهم. 15 يورو في الساعة. يسمحون للطالب بساعات محددة، لكن الرقابة متساهلة إلى حدٍ ما.
- لا أحب هذه المنطقة، فالبافاريون متعصبون مثل القبائل عندنا، قوميون ومحافظون. قالوا لي لا تخطئ مع بافاري. لا أعلم لم أزر المنطقة، هذه المرة الأولى كما ترى.
-لا أعلم. قال الشاب ذو الشعر الأشقر. وأردف:
- المهم أن نصل، وبعد ذلك تصبح الأمور أوضح.
- أوه نعم، الحق معك. قال من خلف.
كانت الغرفة التي أسموها "قاعة الانتظار" صغيرة وباردة، أما جدرانها البيضاء فعارية تقريباً وواطئة. أثاثها بسيط أيضاً: لجهة اليمين وضعت طاولة خشبية صغيرة مخصصة لملء استمارات التأشيرة في حال لم تملء مسبقاً، وفي الزاوية براد ماء يبدو معطلاً، فيما المقاعد مصطفة في وسط الغرفة، وموجهة نحو نقطة المركز؛ عدادٌ الكتروني بأزرار ضوئية حمراء.
-دوري الآن. قال ذو الشعر الأشقر وقد انتصب واقفاً. احتضن ملفه الورقي الممتلئ، وتقدّم في ممر قصير ينتهي بباب.
العداد الالكتروني بات يشير إلى الرقم 249، فيما المطر الغزير حوّل نظر الشابين عنه إلى زجاج النافذة التي جلاها الماء، فبدت السماء لأحدهما ركاماً من الغيوم، وبدت للآخر طوفان اقترب وقته.
- سيضعون التأشيرة على جواز السفر برأيك؟ سأل الذي في الخلف.
- لمَ لا؟ أجاب 251 بعد فاصل من الصمت.
- لا شيء بعض الهواجس. وأكمل:
- صراحةً لا أخاف من حرماني التأشيرة وإنما من العودة في حال ذهبت. لا أعرف إن كان المال الذي معي سيكفيني ريثما أجد عملاً هناك، لا شيء مضمون. في السنوات السابقة كنت ستتمكن من طلب مساعدة بعض أقربائك، تستدين أو تطلب سلفة، أما اليوم فكلٌ مهتمٌ بأموره.
تنفسّ الصعداء ثم أردف:
- لكن أليس ذلك أفضل من العيش هنا؟
- بعض الناس عادوا بالفعل، الأمور في أوروبا لم تعد كما كانت قبل.
- شكراً! ها قد أسعدتني الآن.
ارتبك 251، فهو لم يستطع أن يميّز من لحن صوت محاوره إن كان ساخراً أو جاداً في ما يقول.
وبينما كانا يتبادلان شتات الحوار، كانت الغيوم السوداء تطبق على السماء، ما جعل أرقام العداد الحمراء أكثر إشعاعاً.
- معك ساعة؟ قال الذي في الخلف.
- لا للأسف أخذوها مني في الأسفل. ردّ رقم 251.
- أعتقد أنها الثانية عشر، أسمع صوت أذان ضعيف في الخارج، لكنني لست متأكداً. ربما مضت ساعة وأنا هنا، فهم لا يشتغلون بكامل طاقتهم أترى؟ يمررون طلباً واحداً كل نصف ساعة، بإمكانهم أن يسرعوا لكن لهم أسبابهم طبعاً.
ظلّ 251 صامتاً إذ افتقر إلى ما يعقّب به، أما يداه فكانتا كفأرتين صغيرتين تتحدثان بالإيماء بما لم يقله.
عمل 251 أستاذاً للرياضيات في مدرسة خاصة لعشر سنوات، بعد تخرجه من الجامعة الوطنية بشهادة استغرق حصولها منه ست سنوات أي ضعف ما تقتضي عادةً، لا لأنه كان مشغولاً بتحصيل عيشه أو في مطاردة الفاتنات، وإنما لشعور بعيد الغور في ذاته بالإرهاق كلما اقتربت فترة الاختبار، وهو إرهاق لم يتضح له سببه، ولا أحسن يوماً في وصفه لمن سأله عنه، وإن كان أثره بادياً بغير وصف، إذ كان يرميه في غمرة الشعور بلا جدوى دراسته والإحساس بالضيق لأنه سيمضي عمره معلماً كوالده براتب متواضع وحياة مملة تبدأ في السادسة صباحاً وتنتهي في الرابعة من كل يوم، حتى يتم الرابعة والستين، وحينذاك يكون قد استبدل نصف أضراسه بأخرى صناعية، وصار لزاماً عليه الاهتمام بمعدلات الدهون والسكريات في طعامه، ثم ينتهي إلى العجز الذي لا قيام بعده.
لقد جرّب بعد تخرجه العمل بمهنة غير التعليم، فعمل محاسباً لسبعة أشهر، ومدققاً مالياً لسنة، وحين كره السجلات المالية استقرّ في المنزل، ثم تقدّم بأوراقه إلى مجلس الخدمة المدنية، ولمّا فشل في نيل وظيفة رسمية واستنكر العمل في مهنة لا تشترك ولو بالأقل مع دراسته، تقدّم إلى مدرسة متوسطة فعيّن أستاذاً للرياضيات للصف السابع.
هناك تعرّف على مريم، أستاذة مادة العلوم، وأحسّ بأن حباً قد يجمعهما، لكنه لم يكن متأكداً، فقد كان متردداً في تعيين نوع علاقتهما، أهي حب ناضج أم انجذاب ينتهي بعد ليلة في الفراش. وحين طالت الأمور وهدأت فورة العاطفة التي تفاجأ هو نفسه بها، صار ينظر إلى علاقته بالفتاة، وبكل فتاة على الأرجح، كعائق أمام الخاطر الذي بدأ يراود من وقت لآخر؛ أن يحزم أمتعته ويغيب في بلاد الله.
وبقدر ما كنت فكرة السفر تجذبه كانت تدفعه، فليس في الغربة ما يثير سوى التجديد الذي سيلقاه في عاداته وثقافته وفي تبدّل المكان ووجوه الناس أيضاً، لكنه تجديد ملؤه العناء والسعي للتكيّف مع العالم الجديد وفراق الكسل الذي تضمنه وظيفة المعلم المدرك لكل تفاصيل مهنته.
أما الذي حسم الموقف قبل ستة شهور، ودفعه للتقديم على أي اختصاص جامعي كورقة ضرورية للسفر، كان خصم نصف راتبه ليصير معادلاً لـ300 دولار مع إبقاء شروط العمل ذاتها، وبذلك انتهت حتى فرصة التقاعد بشكل لائق مثل والده، ولعلّه – كما اعتقد – سيكون مجبراً على العمل إلى نهاية عمره من أجل كسب قوت يومه. ومن حسن الحظ، أنه كان مقتراً بحق نفسه، قليل الاهتمام بحاجاته الشخصية، فكان يلبس ما توفر ويأكل ما أعدته أمه ويكاد يكون بلا اهتمام بأي صنف من الطعام يدلل به نفسه وبلا تعلق بنوع من الألعاب والهوايات يبذّر عليها ماله، فغالب وقته كان يقضيه في شقته الصغيرة القريبة من محلّ عمله، أو في المقهى الشعبي الذي يمضي فيه المساءات مع رفاقه، وبالتالي استطاع أن يراكم ثروة قليلة تسمح له بسدّ بعض تكاليف الإقامة في كولونيا. أما والده الذي كان مرتاباً من سفر ابنه ويرى في المشروع خسارة لخبرة التدريس التي كسبها خلال عقد، وتبديداً للمال الذي ينبغي أن يصرف على الزواج وبناء العائلة لا على الدراسة التي فات وقتها بعد اقتراب ابنه من منتصف الثلاثينيات، فأرغم أمام عناد ابنه غير المسبوق على مدّ يد العون له ومنحه بضعة آلاف من الدولارات اقتطعها من تعويضه المالي، وبهذا أمّن معظم تكاليف السكن والدراسة لمدة عامين.
ولعل الكذبة التي صدقها والده هي التي سمحت له بكسب تعاطفه أخيراً، فهو ادعى أنه قُبل في برنامج لدراسة الدبلوم في الرياضيات وأن ذلك سيمكنه من دراسة الدكتوراه لاحقاً، "فأصبحُ أستاذاً جامعياً وربما أشرف على الأطروحات وأنال مكانة وراتباً مرموقين"، فما من شك بأن قوله الحقيقة أي قبوله في برنامج ماجيستر لدراسة التسويق الالكتروني كان سيجعل منه أضحوكة بين أهله وأصدقائه.
- هل علينا الانتظار طويلاً؟ سألت الفتاة بتجهم.
لم يلحظ 251 الفتاة حين دخولها، فقد كانت عيناه لا تزالان معلقتين بالسماء.
- ذلك متوقف على سرعة عملهم في الداخل. أجاب الذي في الخلف على الفور.
ألقى 251 نظرةً على الفتاة التي جلست أمامه، فأنس بوجهها الفتي الممتلئ، وأعجب بشعرها الأسود الطويل المنسدل.
- ذاهبان للعمل أو للدراسة؟ سألت.
- للدراسة. أجابا بتزامن.
- آه نعم. كثيرون يذهبون للدراسة. أمن السهل التقدّم للدراسة هناك؟
- لا يتطلب الأمر إلا المال وجمعٍ ممل للأوراق الرسمية. قال الذي في الخلف ثم ضحك ضحكةً مختلقة.
تثاءبت الفتاة وقالت بصوت جامد:
-أتعرفون؟ أحمل الجنسية الألمانية لكنني لم أفكر بالسفر إلى هناك، فمعظم رفاقي سافروا إلى باريس والحياة في فرنسا أكثر إمتاعاً، وبالتالي ذهبت للدراسة هناك في جامعة شهيرة اسمها ""Sciences Po. أتعرفانها؟
- لا أبداً.
خيّم الصمت لدقائق، قبل أن يبدده صوت الفتاة التي وضّبت أوراقها وهمّت بالقيام.
- لا أعتقد أن عليّ الانتظار، سأدخل لأرى.
وبالفعل غابت في الممر الذي كانت تنيره لمبات بشعاع أبيض واهن.
- معها جواز سفر نبيتي، سينجزون معاملاتها على الفور بلا شك. قال من خلف.
- نعم، أرجو أن تحصل عليه يوماً ما.
- وأنت. ردّ بحماس زائف.
قرقع أصابعه ثم تابع:
- هل تفكر بهذا؟ أتنوي العيش طويلاً هناك؟
- ممم لا أدري، أتمتى ذلك... لكن لا أعرف إن كانت الحظوظ ستجري لصالحي. أجاب 251 بشكل متقطع، لا لأنه لم يفكر بالأمر من قبل بل لعدم يقينه من الأقدار التي ستسوقها الأيام له، ولإحساسه بالقلق من فكرة عيشه نحو عشرة أعوام في مكان واحد بانتظار ورقة.
- أوه أخيراً! هتف الذي في الخلف، وقد أضاء العداد الالكتروني رقماً جديداً: 250.
ها قد أصبح وحيداً في الغرفة، ينتظر دوره الذي تأخر كثيراً، ويراقب السماء التي بدأت ترعد. قام عن مقعده الوثير وتقدّم نحو النافذة، في الأسفل كانت كل الأشياء صغيرة بشكلّ مخيّب. أجال نظره في أرض بوار مشبعة بالماء، تقع غربي مبنى السفارة، جُمعت فيها بقايا هياكل الآليات وأجهزة التبريد المعطلة وبعض قطع محركات الديزل، وبدت له المفارقة واضحة حين تراءت له الصلبان المغروسة في أرض المقبرة المظللة بشجر الدلب العالي، في الجهة الشمالية لمقبرة الحديد تلك.
وضع يداه في جيب بنطاله حين أحس ببرد خفيف يسري في أطرافه، وأسند كتفه إلى الحائط، بينما راحت عيناه تتعقبان طفلاً يحمل محفظةً مدرسية ويتقي من المطر لأمتار بالسير تحت سقف مرآب حديدي.
- سأصل في بداية كانون الأول، أي بعد أسبوعين من بدء التدريس. حدثّ نفسه وسط هذا السكون المضجر. واستدرك أن هذا لن يتمّ إلا إذا حصل على التأشيرة خلال ثلاثة أسابيع أو أقل.
كان قد جهزّ كل شيء تقريباً: استأذن مدير المدرسة للمغادرة هذا العام، وبدأ بدراسة أساسيات الألمانية، واستأجر غرفة صغيرة للسكن تبعد كيلومترين عن حرم الجامعة، ولم يتبق سوى شراء التذكرة وتوضيب الأمتعة وجولة وداعية على الأقرباء والرفاق.
قبل أيام، وخلال سهرة مع زميل له في المدرسة، أحسّ بأنه محظوظ لأنه سيغادر بينما معاناة رفاقه تزداد سوءاً بل أسرّه الحسد الذي تجمّر في عيني زميله حين علم بأنه سيسافر إلى أوروبا ليتابع دراسته، لكن ذلك السرور كان يتبخر كلما تذكر أنه ذاهب لدراسة التسويق، أو تنبأ بالعمل الذي سيناله بعد هذه المرحلة، وعند ذاك كانت تنبت شكوكه وظنونه التي صارت بلا جدوى تُرجى.
مرّ وقت طويل بعد دخول رفيقه في الانتظار، ولا زال العداد ثابتاً على الرقم نفسه. تمشى جيئة وذهاباً في الغرفة، وضيّع بعض الوقت بقراءة إرشادات للمتقدمين مطروحة على الطاولة، لكن أرقام العداد لم تتغيّر. احتمل أن يكون الموظفون في الداخل مشغولين بمعاملة زميل الانتظار الأخير أو منصرفون في استراحة ستنتهي عمّا قريب.
لعلّه انتظر أربع ساعات أو أقل بقليل حين أضاء العداد رقمه أخيراً. سار في الممر وانتهى عند شباك زجاجي يحمل الرقم 1. دعته عميلة السفارة عبر الميكروفون إلى وضع أوراقه كافة في دُرج، ثم سحبته إليها. صنّفت الأوراق بشكل آلي ودققت بمحتواها بسرعة تنمّ عن مهارة، بينما كان 251 جالساً بخضوع.
- شهادتك الجامعية ليست مصدقة من وزارة الخارجية، أرى ختم وزارة التربية عليها فقط. قالت الموظفة بصوت غليظ يناسب ملامحها.
- نعم صحيح! أخبروني في وزارة التربية أن ختم وزارة واحدة يكفي.
- لا، كلامهم ليس دقيقاً. ربما ظنوا أنك تصادق أوراقك لمعاملات محلية غير مرتبطة بالسفر.
- أوه لا شرحت لهم الأمر برمته... ردّ بشكل قاطع وبحنق.
قاطعته بصوت يوحي بأنها سمعت الكثير من مثل هذه الاعتذارات:
- يا أستاذ آسفة، أياً كان السبب لن نتمكن من قبول أوراق ناقصة. عليك أن تحجز موعداً جديداً وتعود، بعد التأكد من سلامة كلّ أوراقك، فلا وقت لدينا لنضيعه.
كان كلامها حازماً بما لم يسمح له بأي كلام. جمع أغراضه من جديد وسار متتبعاً الأسهم المتدلية من السقف والتي انتهت به إلى باب المصعد. كان يمشي كرجل آلي، لكن بشكل مختل وعيون ذابلة محت ألوان الحياة من حوله.
وبينما كان يهبط إلى الطابق الأرضي زال الغضب عنه، بل سرعان ما تملكته غبطة الانتظار لأمر جديد جلل تسوقه الأيام إليه. وهو الإحساس نفسه الذي راوده في الصباح حين كان يعبر باب السفارة.
"Related Posts
مدير تحرير صحيفة الخندق