Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

أزمة كهرباء لبنان: سباق الإصلاح والدولار

"

يشهد لبنان أزمة حادة في الطاقة الكهربائية، منذ ثلاثة عقود، تزداد حدتها عاماً بعد عام وتزداد معها ساعات التقنين وفاتورة المولدات التي ترتفع أسعارها بسبب غياب الرقابة الفعالة والمحاسبة الحقيقية، بفعل التلاعب في سعر الكيلواط، وعدم التقيد بتعرفة وزارة الاقتصاد.

يكلّف هذا القطاع خزينة الدولة ما بين 1.5 مليار دولار و2 مليار دولار سنوياً، حيث بلغ إجمالي العجز منذ 1992 وحتى 2019 ما يقارب 40 مليار دولار، ما يمثل حوالي 43% من إجمالي الدين العام إذا ما تمّ احتسابه بـ 95 مليار دولار . وبلغت تحويلات مصرف لبنان في العام 2017، 1.295 مليار دولار، لتغطية عجز الكهرباء أي ما يعادل ,42% من إجمالي الناتج المحلي، أو 6,8% إذا أضيفت الفوائد السنوية المقدّرة بـ 2,4 مليار دولار الناتجة عن العجز المتراكم .

ويبلغ معدل الطلب على الطاقة الكهربائية 3,562 ميغاواظ سنوياً، في حينلا تتجاوز القدرة الانتاجية 2330 ميغاواط، موزعة على المعامل الحرارية وبعض المعامل الانتاجية التي تعمل على الطاقة المتجددة، وجزء يتم شراءه من سوريا.

وتقدّر الكلفة الاجمالية لاستهلاك الكهرباء في لبنان بـ35،3 مليار دولار، تتحمل منه الخزينة عجزاً سنوياً حوالي 38% ، فيما تحصّل مؤسسة الكهرباء حوالي 25%، ويدفع المواطن للمولدات الخاصة حوالى 37%.

هذه الفجوة ما بين الإنتاج والطلب باتت تتأثر مؤخراً بالأزمة الاقتصادية والسياسية الحالية، حيث شهدنا في الأشهر القليلة الماضية انقطاعاً تاماً للتيار الكهربائي بسبب تأخر التحويلات لشراء الفيول، وبسبب الخلاف بين لبنان وشركة سوناطراك الجزائرية للبترول في نيسان/أبريل المنصرم،على خلفية اكتشاف شحنة "غير مطابقة للمواصفات" قبل أن يقفل الملف.

ويعود السبب الرئيسي لأزمة الكهرباء وغياب المعالجة الفعلية، إلى التجاذبات السياسية والمحاصصة التي تمنع في كل مرة تنفيذ الخطة التي أقرها مجلس النواب في نيسان/أبريل 2019، والتي تتشابه مع الخطة التي كانت قد أقرت عام 2010 ولم تنفذ حينها، حيث من شأن هذه الخطة تطوير هذا القطاع والحد من الهدر الحاصل،والذي تفوق قيمته كلفة بناء معامل حديثة تغطي القدرة المطلوبة.

وبحسب وزارة الطاقة، فقد جزأت المشكلة في الورقة السياسة لقطاع الكهرباء التي أصدرتها في عام 2019، إلى العوامل التي تتلخص بالتالي:

- تثبيت التعرفة منذ العام 1994 بمعدّل 138 ل.ل. للكيلواط. ساعة تقريباً، حين كان سعر برميل النفط لا يتعدى الـ20 دولاراً، علماً أن سعر البرميل بلغ الـ 30$ منذ عام 2000، وتجاوز عتبة الـ100$ في العام 2008، وصولاً للعام 2010 ثم استقر بسعر متوسطه 60$. وتجدر الإشارة إلى أن دعم الكهرباء قد خفض في موازنة 2020 لنحو 1 مليار دولار بدل 1.8مليار دولار، إلا أن هبوط أسعار النفط ساهم في عدم تردي الوضع بشكل أكبر في الاعوام الماضية.

- وجود معامل إنتاج قديمة وذات فعالية متدنيّة، تتطلب صيانة دائمة، مما يؤدي إلى كلفة مرتفعة وإنتاج طاقة متدن.

- تستخدم هذه المعامل الفيول الثقيل ((HFO أو الديزل ((DO بدل الغاز الطبيعي (NG)، حيث أن كلفة الانتاج باستخدام الفيول الثقيل او الديزل يبلغ 1.5 تقريباً كلفة الإنتاج عن طريق الغاز الطبيعي.

- نسبة هدر فني وغير فني مرتفعة على شبكتي النقل والتوزيع تصل إلى 36% تقريباً، تعود أسبابه إلى وجود شبكات قديمة ومهترئة بالرغم من الاستثمارات التي قامت بها وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان وشركات مقدمي الخدمات، وكذلك بسبب التعديات على شبكة التوزيع وعدم قدرة مستخدمي مؤسسة كهرباء لبنان على إزالتها.

- فواتير غير محصلة تصل إلى 5% تقريباً (باستثناء فترات الإضرابات التي أخّرت الجباية ورفعت نسبة المتأخرات إلى 30%).

- أثر النازحين السوريين، حيث يقدّر استهلاكهم للطاقة الكهربائية بـ500 ميغاواط، الأمر الذي يكبّد مؤسّسة كهرباء لبنان تكاليف إضافية تقدر بحوالي 275 مليون دولار سنوياً، ويحرم اللبنانيين من 5 ساعات تغذية إضافية يومياً في أوقات الذروة، ويكلفهم 150 مليون دولار سنوياً لاعتمادهم على المولدات الخاصة.

أما أبرز البنود التي أقرت في خطة العمل التنفيذية لورقة سياسة قطاع الكهرباء (2019 - 2025)، والتي لم يبدأ تنفيذها حتى الآن، فهي:

- الإنتاج: أضاف مجلس الوزراء إمكانية إنشاء محطات مؤقتة لتوليد الطاقة من قبل الشركات المنفذة، وبقدرة 1450 ميغاواط. وبالتوازي، سيتم إنشاء معامل دائمة، في كل من سلعاتا والزهراني والحريشة. وتقوم الشركات المنفذة باستثمار هذه المحطات لمدة 25 عاماً، يتم بعدها تسليمها الى الدولة.

- النقل: توسيع وتثبيت شبكة النقل لاستيعاب الإنتاج الجديد المرتقب، وفي الطليعة استكمال حلقة المنصورية - خط بكفيا - فيطرون - حالات في منطقة جورة بدران - خطوط البارد، حلبا، القبيات - الهرمل وصور- وادي جيلو.

- التوزيع: إصلاح وتطوير شبكة التوزيع من خلال المشاريع الاستثمارية، ووضع منظومة الشبكة الذكية، وتحسين الجباية وتخفيف الهدر الفني وغير الفني وتحسين خدمة الزبائن.

- الغاز الطبيعي: تنويع مصادر الفيول وذلك عبر استقدام محطات تخزين الغاز الطبيعي المسال، بما يعرف بتقنية Floating Storage Regasification Unit-FSRU)). ويمكن تعريف محطات التغويز المستخدمة في هذا المشروع، بأنها تقوم على تحويل الغاز المسال الغير قابل للاستخدام في محطات توليد الطاقة الكهربائية إلى غاز جاهز للاستخدام. وقد تضمنت الخطة إنشاء 3 محطات تغويز في كل من سلعاتا، دير عمار، والزهراني.

- زيادة التعرفة: لم يتم رفع تعرفة مؤسسة كهرباء لبنان منذ العام 1994، وبالتالي أي خطة كهرباء جديدة ستحتاج إلى رفع التعرفة لسد العجز المالي.

- تشكيل الهيئة الناظمة: وهي هيئة مستقلة تعنى بإدارة قطاع الكهرباء، ومنح التراخيص للشركات العاملة في مجال توليد الطاقة.

ينتظر القطاع الكهربائي في لبنانالبدء الفعلي بتنفيذ الخطة الإصلاحية مع كل حكومة جديدة تأتي، في حين تزداد معاناة الناس يوماً بعد يوم من دون أفق واضح لبدء العمل الجدي لتحسين خدمات الكهرباء، وخفض العجز المتراكم الذي بات عبئاً كبيراً يهدد بانقطاع كلي مع قرب نفاد الدولار في مصرف لبنان.

 

 

 

 

 

 

 

 

"

مهندس وكاتب لبناني