Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

يستدعي هذا الحوار الشروع في الحديث عن السياق التاريخي لثورة الحرف التي أعلنها مصطفى كمال أتاتورك في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1928 من جملة إصلاحاته منذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1923

خالد بشير

ثورة الحَرف الكمالية: حوار مع محمد عثمانلي

يحاول الباحث الدكتور محمد عثمانلي [1] في هذا الحوار الثقافي - التاريخي، استعادة الأسباب المفضية "لانقلاب الحرف" في تركيا، باعتباره لحظة مفصلية بين حقبتين أو تاريخين، السلطنة والدولة، مع ما تحمل كل منهما من مثقلات ومخيال لمفهوم الأمة والتاريخ والدور السياسي. في النص دعوة من المحاوَر لاستقراء تلك الظاهرة في لحظتها الكونية/ العالمية، وخصوصيتها التركية - العثمانية، والتي جاءت تتويجاً لمسار طويل من الاصلاحات والتحوّلات الدولتية في التاريخ التركي، وفي النص رحلة جميلة يقدمها لنا المحاوِر الأستاذ خالد بشير [2].

***

يستدعي هذا الحوار الشروع في الحديث عن السياق التاريخي لثورة الحرف التي أعلنها مصطفى كمال أتاتورك في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1928 من جملة إصلاحاته منذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1923.

·        العزيز محمد، بداية ما هو السياق التاريخي لما يسمى بالتركية بـ"انقلاب الحرف"؟

لأفتتح الحوار مجيباً عن هذا السؤال بجملة المؤرخ إيلبير أورطايلي في مثل هذه الأطر التاريخية عندما قال: "لا يمكن اتهام أحداً ما في هذا السياق"، ورغم أنّه ما عدّتُ استطيعُ التبشير بقراءة تاريخية ما لأورطايلي إلا أنّ الاستئناس بكلامه الذي يلقيه على مسامعنا بين الفينة والأخرى واردٌ، حيث أن "التهمة" عادةً ما تُكال هنا لثقافة الجمهورية التركية ومؤسسها أتاتورك، ولكن هل هذه الثقافة مقطوعة عمّا سبقها؟ لا يمكن الجزم بصحّة هذا، كما أنّها ليست مجرد تهمة سلبية من قبل معارضيه تعتبر أنّه غيّر مسار التاريخ، ولكنها أيضاً مُوجبة له قدرات مستعلية تشوبها في بعض الأحيان معانٍ إلهية من جانب مؤيديه كذلك.

·        كيف يمكن تعريف "انقلاب الحرف" حينها؟

أشكرك لاستخدام هذا المركب اللغوي والذي هو المستعمل حقيقة في تلك الحقبة التاريخية، لذلك يمكن الولوج من هنا إلى مقاربتين، الأولى اللغوية، والثانية التاريخية، اللغوية تجذبنا للحديث عن معنى "انقلاب" ومعنى "الحرف"، فأما الانقلاب في التركية فلا يبتعد كثيراً عن معناه في العربية مما لا يدعونا للتفصيل به، بينما الحرف فهو معضل ويخفي وراءه مصاعب جمّة، هل هو لغة أو ثقافة أم مجرد تغيير في الأبجدية transcription؟ الإجراء الذي تم تطبيقه منذ عام 1928 ابتدأ بتغيير الحرف مجرداً كما هو معلوم، هل قُصد منه تغيير أعمق؟ لا يهم برأيي، لأننا لو أردنا الحديث عن تغيير أعمق فلا يجب نزع المسألة اللغوية عن أختها أو شق توأمها التاريخية ومن هنا يمكن الانتقال للحديث عن المقاربة الأخرى.

مسألة تغيير الحرف في اللغة التركية من شكله العربي إلى شكله اللاتيني كذلك لا يمكن نزعها عن مجموعة من "الانقلابات" الشكلية أو المعنوية التي طلبت اللحاق بـ"الأمة الأوروبية المتمدّنة" أو "الدول المعظمة" التي كانت ضمن المشروع التحديثي الكبير الذي ابتدأته السلطة العثمانية منذ فترة، كما لا يمكن ربطها بشخص أتاتورك لو أردنا الحديث عن التغيير الأعمق المذكور أعلاه، أي التغيير في عمق الثقافة وفهم معنى "الحرف" على أنّه "انقلاب لغة" وترجمة "الحرف" بالثقافة مثلاً، أضف لذلك أن عمل المؤرخ لا يقتضي قراءة الحدث الماضيّ كما فهمه أهله ونعتوه به وتكراره وإلا فما هي وظيفة المؤرخ! بل بدلاً عن ذلك، الاجتهاد بموضعته، على سبيل المثال هل "الثورة العربية الكبرى" كانت "ثورة"، "عربية" و"كبرى" أم هي مجرد "حِراك" نشأ نتاج عوامل مجتمعية ما يحتاج الكشف والدراسة؟ بالقياس هل قام مصطفى كمال بانقلاب ثوريّ؟ أم أنّ ما حصل عام 1928 هو ثمرة سبقها مراحل تعرضت اللغة التركية لتمهيد هذا الفعل؟ التغيير في الثقافة التركية عبر قرن هو سابق على تغيير الحرف، وتغيير الحرف أحد أطراف هذا التغيير الثقافي، مهما كانت درجة تأثير الأول حقيقة.

·        كيف يمكن الحديث عن تلك المقدمات التي مهدت لمثل هذا الأمر؟

بالدمج مع ما سبق، لا يمكن تناول التغير في اللغة التركية وطبيعتها وتغيير الحرف فيها بمعزل عن ذاك التغير الضخم في الثقافة، بما هو تغيير مقصود بدأه السلطان محمود الثاني (ت 1839) وسلفه سليم الثالث (ت 1808)، أو التغيير العام الذي مسّ الثقافة التركية منذ تأسيس محمد الفاتح إمبراطوريته مروراً بمحاولات الاستكشاف السطحية لأوروبا في القرن الثامن عشر. نشر السلطان محمد الفاتح بعضاً من أوامره السلطانية باللغة اليونانية ولم يتورع عن التلقّب بألقاب رومية. على صعيد آخر في القرن التاسع عشر نجد أنّ اللغة التركية بحرفها العربي كانت شقيقة في الصحف إلى جانب لغات مختلفة أوروبية ومحلية بحرف مختلف عن حرف التركية العربي، أضف إلى ذلك وجود جدل حول اللغة التركية وُلد منذ إعلان التنظيمات وقبل إعلان الجمهورية، لم يبتدئ فقط من قضية نشوء مجال ما يُسمى بالتركية "الأفكار العمومية" أي الرأي العام عبر الصحافة وليس انتهاءً بالمس القومي الذي يدخل في جدلية "هل نسمي لغتنا بالتركية أم العثمانية؟"، بلغة أخرى التنظيمات والإصلاحات لم تستعلي عن "العبث" باللغة بكافة معانيها كذراع للثقافة التركية والشروع بـ"تصفيتها" بمعنى الإصلاح والتطهير التي رامت إيجاد حلّ لمشاكل من قبيل الإملاء والأبجدية في النص التركي الكلاسيكي.

على سبيل المثال هنالك قراءات متعددة لكلمة "اون" العثمانية على أنّها الطحين un، الشُهرة ün، المقدمة ön ورقم عشرة on، حيث اعتُبر أن الحرف اللاتيني حل هذه المشكلة، ولكن ألا يوجد كلمات في اللاتينية وقعت في مثل هذا الأمر مثلاً yüz التي تعني الفعلين "سبح" و"سلخ"، "وجه" و"مائة"، برأيي مثل هذه المشكلات لم تكن جديّة في أي من التركية بالحرف العربي أو العثماني كما أن الكشف عنها تابع للسياق، وهي مشكلة لا تعدو عن كونها "خالطة للأزمنة" anachronisme تحاسب الماضي من منظور الحاضر.

ولكن ألم تكن هنالك مشكلات كامنة في ذات الحقبة؟ نعم هذا ممكن مثل التداخل في قراءة الأعلام والأمكنة، خاصة في المراسلات العسكرية، ولكن هل تغيير الحرف يحلّ هذه المشكلة؟ هذا سؤال آخر يصعب الإجابة عليه من خلال عدّة أسطر.

·        تحدثتَ عن الحرف العربي للتركية، كيف يمكن توضيح هذه العبارة؟

هذه جدلية مثيرة، لنصطلح على التركية المدونة في العهد العثماني أنها اللغة العثمانية كتخصيص للتركية في هذه الفترة، وتمييزاً لها عن تركية لدى السلاجقة من بلاد فارس وحتى قونية، وعن تركية آسيا الوسطى لدى القرخانيين والخوارزمشاهيين وأتراك الهند وغيرهم، ثم دعني أجيبك بسؤال: هل الحرف الذي دونت فيه اللغة العثمانية هو حرف عربي، حرف بالمعنى العام - كما تقدّم - أي ماهية لغة وروح ثقافة؟ هو عربي مجازاً، ولكنه حرف عثماني، اجتماع الحرف إلى الحرف، وتفاعل الحروف الصائتة والصامتة، ونغمة الصوت، واختراعات التشكيل، وابتكارات النُّقط والترميز، كلها تجعل من هذا الحرف عثمانيّ ينتمي إلى ثقافة تركية، يعني أنّه لغة جديدة في الحقيقة، غريبة عن مثيلاتها في "الحرف العربي" كالفارسية والأردية والأويغورية واللاتي تعيش إلى زماننا المعاصر على سبيل المثال.

عندما قرّر أتاتورك اعتبار كلمات من مثيل "القلم" و"الكتاب" على أنّها كلمات تركية وكون مشتقاتها مثل "يكتب" و"تقليم" ليست من التركية؛ كان حينها قد وضع الاعتبار بالاستعمال الشعبي لهذه الكلمات، هذا يؤكد طرح التساؤل حول ماهية التغيير هل هو في الحروف كرموز أم اللغة؟ كذلك يعطينا كشف حول مدى نجاح مثل هذا المشروع، التعبير التركي "حرف انقلابي" وخمس من مصطلحات الأيديولوجية الأتاتوركية "الجمهورية" و"الدولتية" مثلاً، والتاريخية مثل "استقلال" لم يتم تغييرها عن العربية حقيقةً.

لذلك في هذا المجال يمكن الحديث عن مراحل للثقافة التركية، جاء على ذكرها خليل إينالجك مثلاً، المرحلة الخطائية في آسيا الوسطى، والرومية في الأناضول قبيل العثمانيين، والفرنجية لدى العثمانيين. هل جاءت الجمهورية بشيء جديد عن "المرحلة الفرنجية"؟ لا أظنّ، ذكر هذا المؤرخ أن أتاتورك هو مثيل للسلطان الفاتح، هل قصد أنّه مجدد أم أنّه سار على خطاه، أيضاً كل هذه التشبيهات معرضة للنقاش، ولكن بالتأكيد ما تتعرض له الثقافة، وبالتالي اللغة التركية، ليس جديداً، فليس لدينا معرفة عامة دقيقة عن تاريخنا التركي الأسطوري قبل الإسلام، كما أن تاريخ الأتراك في الإسلام غير محصور في الفترة العثمانية، هنا لدينا شوائب الذاكرة التي تفرض المتخيل على القراءة التاريخية، أدّى إلى خلط الأسطورة بالخرافة والقصص الشعبية بالتاريخ الشعبوي، حصلت انقطاعات في التاريخ التركي، هذا يعني أننا على عتبة معضلة من الذي يعرف التاريخ التركي المدون بحرف غير تركي (فارسي أو عربي) أو بحرف تركي غير شكله اللاتيني اليوم بين النخب والعوام ومناهج التعليم، هنا أقولها باستفهام استنكاري صريح، هل لا يوجد تاريخ تركي مدون بالصينية، ولكن مَن مِن مؤرخينا يجتهد لنبش التاريخ التركي المدون بالصينية.

·        من ناحية أخرى، هل أدى هذا التغيير إذاً إلى افتعال شرخ في الثقافة التركية عن الإسلام؟

هذا سؤال من العيار الثقيل، وله أبعاد لا يمكن تلخيصها بعدة أسطر، هل نتحدث عن فهم الأتراك للإسلام أو تاريخ الثقافة التركية والإسلام أو حتى عن نوع من الإسلام التركي؟ وهل يتأثر هذا بمجرد تغيير حرف أم أنّه دخل طور التأثّر منذ فترة ليست بالقليلة لا يمكن حتى عزوها إلى حقبة التنظيمات، بل ضمن دهر أطول منذ التماس بين الأتراك والإسلام مروراً بتعرّف التركي المسلم على أوروبا وحتى اللحظة الراهنة.

يعني أن البعد الاجتماعي لا يمكن تجاهله هنا، لا يمكن تقليص واختزال تدين المجتمع والتغير فيه بتغير في حرف لغته، طالما أننا نعتبر أن هذا المجتمع دخل طور التغير منذ أمد، هذا لا ينفي انعدام وجود "أثر ما" لتغيير الحرف، ولكن تغيير الحرف هذا نتيجة إن دقّ التعبير ولا يمكن اعتباره سبباً، أضف إلى ذلك عوامل اجتماعية كالعلاقة العكسية بين نسبة الأمية وافتتاح المدارس المتضاعفة العدد عبر استكمال سياسة التعليم العثمانية منذ القرن التاسع عشر التي أمرّتها الجمهورية مع القرن العشرين.

هنالك نظام قوميّ حاكم في نهاية المطاف قرّر مثل هذه الإصلاحات في اللغة، هذا النظام وَرِث نظاماً سلطانياً آخر ضمن بنية الدولة العثمانية، في مقتبل الجمهورية وحتى عقدين من تأسيسها، قد يجوز قول أنّه لم يختلف النظام القومي عن أخيه السلطاني إلا في تجيير السلالة الحاكمة إلى زمرة حاكمة، والباقي ترسّب على ما هو عليه، لذلك فإن ما قام به هذا النظام الجديد في الدولة عينها لم يغيّر شيئاً يذكر ما دام هذا النظام موجوداً، ولو سيتم الحديث عن "شرخ عن الإسلام" فهو كما تقدّم بدأ منذ أمد، وعلى الوتيرة ذاتها سيكون أثر هذا الشرخ ممتد وليس لحظيّ، يعني أنّه مسؤولية الأجيال الحاكمة اللاحقة كذلك، لو كان فيه مسائلة ما أو "تقبيح" لماذا استكملت الأحزاب السياسية التالية لجيل مصطفى كمال الخطّة ذاتها وترسيخها، هنالك مشكلة في الثقافة السياسية المهيمنة على النخب والشعب إذن، ابتدرت النخب الكمالية مثل هذا المشروع تقليداً لمشاريع السلطة العثمانية، المُقلّدة هي الأخرى لما يحصل في أوروبا، وساعد تلك النخب الكمالية عوامل منها مسألة نِسب الأمية بحيث ربطت قضية تغيير الحرف مع محاولة محو الأمية بحرف جديد، فحصل بالتدريج قبول عام ساهم في إعاقة أي خطوة في سبيل إرجاع أي وضع لما كان عليه، لو اعتبرنا أن هذه الإعادة ضرورية.

·        تباعاً لذلك، أين ذهبت الثقافة العثمانية هنا؟

كما تبيّن فإنه لا برزخ لحظي بين العثمانية والجمهورية، التغير كان عالميّ وممتد على فترة، ولا يمكن حصر قراءة التغير في سنة أو سنتين، لذلك فلم تذهب الثقافة العثمانية إلى أي مكان، هنالك خلطٌ مهمٌ بيانه حول قراءة الحرف العثماني، ليس ثمة اختلاف كبير بين كتابة أي كلمة وجدت في العهد العثماني بالحرف العربي أو في العهد الجمهوري بالحرف اللاتيني، ولكن الذي قد تحوم عليه علائم الاستفهام هو ابتكار كلمات تركية خالصة "نقية" لم تكن قد شاعت في العهد العثماني، هذه الحالة قصدية، أي أنها لا يمكن بسهولة مطلقة أن تغير شيئاً في الثقافة أو أن تواجهها، وبلغة أدقّ تسقط بالتقادم.

هنالك مجال عام وآخر خاص، في المجال العام المرتبط بالثقافة يصعب الحديث عن تغيير جوهري نتاج تبديل الحروف، لأن الثقافة أقوى، ويظهر هذا أيضاً في قوة المجال الخاص بشكل أوضح، أي أن التغيير في الحرف، كتغيير لغوي جوهري، امتنع في مجالي الحقوق والأدب مثلاً، لا يمكن لدارسي الحقوق والأدب وبالطبع التاريخ في تركيا ألا يكونوا قريبين من تلك الثقافة العثمانية بدرجات ونسب متفاوتة، وأما العوام فلطالما كانوا أبعد عن مستوى نخبوي ما، وبقاؤهم في دركة من دركات هذه الثقافة.

لذلك وجب التفريق بين تغيير شكل الحرف للغة التركية، وإدخال كلمات أجنبية أو اختراع تركية نقية أو حتى التخلص من أخرى موجودة، تغيير شكل الحرف متضمن في الثقافة كما تقدّم، ولكن مسألة "العبث" بالكلمات والتعابير فهي لم تبدأ مع "انقلاب الحرف" ولكنه كانت مسيرة تدريجية عبر فترة زمنية أسبق بكثير على الشاكلة ذاتها.

هنالك رأي حول عدم موافقة الحرف العربي للغة التركية رسماً ونحواً، وهذا الأمر يصعب قبوله هكذا، لأن التوافق بينهما استمرّ قروناً عتيدة، وتعايش الأتراك مع سائر إيجابياتها وسلبياتها، وتبقى المشكلات الناجمة عن الدمج بين لغة ما والحروف التي تراكبت عليها اللغة، متواجدة في كل اللغات، اللغة التركية قد لا تكون لغة أمّ، ولكن أيضاً كونها لغة بنت لا يعني أنّها خصيصة سلبية، هي لغة تعيش بين عالمين دوماً؛ لذلك فإنها تراكبت على عدّة حروف وكان لها مغامرات مع كل حرف، ومحطات التغير تلك مرّت عبر آماد طوال بتعبير فرناند بروديل.

·        في الختام ما أثر هذا التغيير على تغريب المجتمع بصفة عامة؟

كما تقدّم لا يمكن قراءة هذا التغيير بمعزل عن سياقه، لذلك فلو أردنا تقييم أثره على المجتمع فيتوجب الحديث عن أدوات الدولة الحديثة الناشئة في سبيل نشره على مستوى المجتمع ومحاولة محو الأمية على سبيل المثال، وبلغة أخرى محاولة إثبات مركزية الدولة التي هي الأخرى منتج لا يخرج عن إطار التنظيمات العثمانية، وهذا شكّل فيما بعد الدولة القومية، هذه المركزة أجهدت الدولة العثمانية، وعلى العكس فإن الجمهورية الحديثة نجحت على صعيد أكبر، يعني أنّها ستستخرج الثمرات التي تهيمن فيها على المجتمع والشعب وتتحد معهما من خلال ثلاثية اللغة والثقافة والحرف في ظل سردية وطنية لتبرُز بعدها كمشروع تغريبي يحاول الاقتراب أكثر من البيئة الأوروبية مُدّعياً الابتعاد عن الموروث العثماني المرتبط بالحرف العربي، وتستمر عمليات التركيز على الرموز القومية التركية الصرفة البعيدة عن مكونات الإمبراطورية الأوسع وتجيير كل ما هو "غير تركيّ" تحت ما اعتبره الآباء المؤسسون أنّه "التركي".

 

 



[1]  محمد عثمانلي، مترجم وباحث الدكتوراه في التاريخ العثماني الحديث، جامعة باموكّلِه (Pamukkale)/ تركيا.

[2]  باحث من الأردن. حاصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية.

كاتب من الأردن، حاصل على الماجستير في العلوم السياسية