Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

اليوم، وبعد اتفاق "وقف إطلاق النار في لبنان" في نهاية الحرب الإسرائيلية الثالثة على لبنان، ومع ارتفاع الأصوات المطالبة بسحب سلاح المقاومة اللبنانية عاد موضوع تسليم سلاح المخيمات الفلسطينية من جديد. اللافت في الأمر، ظهور اسم ياسر محمود عباس كمشرف على كامل ملف الساحة الفلسطينية في لبنان. وبالطبع، جاء ظهور ياسر في الساحة مترافقاً مع إقالة السفير الفلسطيني، ومداولات عن تنسيق وحث من قبل مرجعيات عليا من الأمن الوطني في رام الله للدولة والجيش اللبناني من أجل الدخول إلى المخيمات

حسام صلاح

جدلية السلاح الفلسطيني في لبنان

في التاريخ اللبناني - الفلسطيني المعاصر ثمة محطات مفصلية. اتفاقية القاهرة لم تكن فاتحة عهد هذا التاريخ بالتأكيد، كما لم تكن مجزرة صبرا وشاتيلا في أيلول/ سبتمبر 1982، التي وقعت بعد أيام من انسحاب القوات الفلسطينية المسلحة (منظمة التحرير) من لبنان، ولا حتى حرب المخيمات المأساوية آخرها بالتأكيد. ثمة محطات كثيرة تكشف تعقيد الملف الفلسطيني في لبنان بشكل عام، ومعه الملف السلاح الفلسطيني على وجه التحديد، وهو الملف الذي لا يزال يثير الكثير من الجدل حتى اليوم.ا

السلاح الفلسطيني وجذوره:ا 

ما بين النكبة عام 1948 وأواخر الخمسينيات، وصل عدد المخيمات الفلسطينية في لبنان إلى 12 مخيماً بحسب الأونروا. عاش الفلسطينيون في تلك المخيمات ظروفاً قاسية. فكانت المخيمات، حتى عام 1969، تخضع لإشراف مباشر ومقيّد من الاستخبارات العسكرية اللبنانية (المكتب الثاني) من مثل: منع الخروج والدخول الى المخيم، منع زيارات الأقارب والأصدقاء في مخيم ثاني، وعدم السمح في بناء أسقف أو حمامات خاصة، إلى درجة منع التخلص من مياه الغسيل وكبها في الشارع.ا

مع تصاعد العمل الفدائي، جاء اتفاق القاهرة عام 1969 ليعطي الوجود والسلاح الفلسطيني شرعية رسمية في لبنان. نصّ الاتفاق، الذي رعاه الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، على إعادة تنظيم الوجود الفلسطيني في لبنان. منح اتفاق القاهرة الفلسطينيين حق العمل والإقامة وإنشاء لجان محلية، والأهم هو منحه لهم نقاطاً للكفاح المسلح داخل المخيمات، وانتشاراً على الحدود بالتنسيق مع السلطات اللبنانية.ا

الحرب الأهلية والانسحاب:ا

مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، انقسم الشارع اللبناني حول دور منظمة التحرير. رأى الكثيرون أن الوجود الفلسطيني المسلح كان السبب الرئيسي للحرب. لكن أحداً لم يسأل: لماذا لم تتوقف الحرب الأهلية اللبنانية مع انسحاب منظمة التحرير عام 1982؟ ا

قد تكون الإجابة أن الوجود الفلسطيني كان عاملاً مفجراً ومحفزاً، لكن الحرب كانت تستند إلى انقسامات داخلية لبنانية عميقة حول الهوية والسلطة والطائفة، وهي الأسباب التي استمرت وتطورت إلى صراعات جديدة حتى بعد خروج المنظمة.ا

بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وإلغاء اتفاق القاهرة، عاد وضع المخيمات إلى ما كان عليه قبل عام 1969، حيث سيطر الجيش اللبناني على المداخل والمخارج، خصوصاً في مخيمات صيدا وصور.ا

بُعيد مؤتمر الطائف وانتهاء الحرب اللبنانية، قام أبو عمار بتسليم السلاح عام 1991، وقال أن هذا السلاح هدية للجيش اللبناني بعدما أُبعد الفلسطيني عن المصالحات اللبنانية وكأنه غير موجود وأصبح التعاطي اللبناني مع الملف الفلسطيني والمخيمات في لبنان على انها بؤر أمنية فقط.ا

أما اليوم، وبعد اتفاق "وقف إطلاق النار في لبنان" في نهاية الحرب الإسرائيلية الثالثة على لبنان، ومع ارتفاع الأصوات المطالبة بسحب سلاح المقاومة اللبنانية عاد موضوع تسليم سلاح المخيمات الفلسطينية من جديد. اللافت في الأمر، ظهور اسم ياسر محمود عباس كمشرف على كامل ملف الساحة الفلسطينية في لبنان. وبالطبع، جاء ظهور ياسر في الساحة مترافقاً مع إقالة السفير الفلسطيني، ومداولات عن تنسيق وحث من قبل مرجعيات عليا من الأمن الوطني في رام الله للدولة والجيش اللبناني من أجل الدخول إلى المخيمات لسحب السلاح بالقوة، وهو الأمر الذي رفضته الدولة اللبنانية. وقد لا يكون ظهور ياسر عباس في المشهد مجرد مصادفة، في ظل الضغط الأميركي والإسرائيلي على لبنان، فمن يطارد المقاومين ويعمل في خدمة جيش الاحتلال في الضفة قد لا يرى نفسه معنياً بالمصلحة الوطنية أو السلم الأهلي الفلسطيني أو اللبناني.ا

وقد شاهدنا، كما شاهد اللبنانيون جميعهم، تسليم حركة فتح كميات من السلاح للجيش اللبناني من مختلف المخيمات الفلسطينية ضمت القليل من صواريخ الغراد والكاتيوشا وعدداً من الرشاشات المتوسطة (شخصياً لا أعتقد أن هذا السلاح يشكل أي خطر على الاحتلال ولا على الدولة اللبنانية نظراً لصعوبة استخدامه في المخيمات، هذا إذا ما كان صالحاً وغير فاسد بالأصل، ثم فهو بـ"أيدٍ أمينة" لا يوجد بحسابها لا مقاومة الاحتلال ولا حماية الفلسطينيين)، وكأن المقصود من كل هذا التسليم للسلاح أن يطال سلاح حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وتضييق الخناق عليها، فباقي فصائل المنظمة غير موافقة على طرح السلطة ولم تسلم سلاحها، فهل يسعى عباس لتطبيق نظامه الأمني الموجود في رام الله على مخيمات لبنان؟ا

من الواضح أن ثمة خطة ضغط وشاملة على كافة الأصعدة، تمارس اليوم ضد كل فصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية، من أجل سحب السلاح ضمن فترة زمنية محددة. ومن هنا، قد يُفهم دور دور السلطة الفلسطينية بعد السابع من أكتوبر، فكيف يمكن الوثوق بها ولماذا التنسيق مع سلطة رام الله؟ وما مدى تمثليها في المخيمات الفلسطينية ولماذا هذا التوقيت في ظل ما يحدث من تغييرات في المنطقة من فلسطين و لبنان وسوريا؟ا 

حقيقة دور الأونروا: ا

ثم ماذا عن الدور الأمني الذي تقوم به دوروثي كلاوس والأونروا في لبنان من تقليص للمساعدات ودمج للمدارس وفصل للمعلمين بسبب موقفهم الرافض للإبادة في غزة ولبنان؟ ومن ثم اغتيال الأستاذ فتح الشريف حيث أن الأونروا خلال التحقيق وتوقيف الأستاذ فتح عن العمل، سُرب أن كلاوس وفريقها الأمني كان لديهم "داتا" اتصالاته الشخصية، وماذا عن دور الاونروا في الحرب على لبنان في إيجاد مراكز إيواء واغلاق بعضها وإجبار سكان مخيمات الجنوب للنزوح إلى الشمال.ا

يعتقد الكثير أن موضوع تسليم السلاح في ظل ما يحدث هدفه تصفية القضية الفلسطينية واللاجئين ليس فقط في لبنان، ومحاصرة المقاومة الفلسطينية وزعزعة الأمن في المخيمات، فتنظيم السلاح في المخيمات كان مطلب معظم الفصائل الفلسطينية وهذا الموضوع مقترح وتم نقاشه مع لجنة الحوار منذ سنوات طويلة، إلا أن ما يحصل اليوم أمر مختلف بنيوياً.ا 

الهاجس الأمني ورهان الحقوق المدنية

إن القلق الذي يحمله اللاجئ الفلسطيني هو من سيحميه بعد صبرا وشاتيلا وحرب المخيمات. إذ يرى اللاجئون أن هذا السلاح البسيط هو ضمانة ذاتية للوجود والكرامة في ظل غياب أي قوة ضامنة أخرى. هذا الهاجس لا يعني رفضاً لضبط الأمن الداخلي. فالمطلب الفلسطيني الداخلي هو ضبط السلاح المتفلت وتسليم المطلوبين للدولة اللبنانية (كتجار المخدرات والمتشددين)، ويتساءلون: كيف دخل هؤلاء إلى المخيمات المحاصرة والمراقبة؟ا

إن حل المشكلة الأمنية يبدأ بتأمين الحقوق المدنية والإنسانية للفلسطينيين (حق العمل والتملك والضمان الاجتماعي)، وهو الدور الغائب للجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني. كما أن ربط ملف السلاح بملف الحقوق المدنية هو معادلة غير عادلة. إذ يجب أن تُمنح الحقوق الإنسانية كواجب مستقل، بينما ينبغي أن يُناقش الملف الأمني في إطار شامل يحفظ أمن لبنان وأمن وكرامة اللاجئين الفلسطينيين.ا

 

كاتب وناشط فلسطيني مقيم في لبنان