ماذا لو عملت البلديات بدعم من الحكومة والمجتمع الأهلي خاصةً الشباب، على استصلاح الأراضي، وتطوير شبكات ري، وتأمين أسمدة وحبوب مؤصلة، بالإضافة إلى أدوات الزراعة الأساسية.
نداء الخندق: عودوا إلى الأرض!
إن كان ثمة شأن ينبغي إيلائه الأهمية القصوى هذه الأيام، فهو الغذاء. علينا الآن وقبل أي وقت آخر أن نعيد إلى حسابنا مسألة أمننا الغذائي، بعدما وكلناه إلى المستوردين في السنوات الأخيرة، وأن نتذكر بأن من كان يريد نزع الغطاء الأمني عنا في أيار 2008، هو نفسه الذي صوّت في تلك الجلسة المشؤومة بحرماننا من واحدة من ثرواتنا الحيوانية، عبر خفض الرسوم الجمركية على استيراد الفروج الكامل بمقدار 50%، الأمر الذي أدى إلى تهديد 1018 مزرعة متخصّصة بتربية الدواجن، وأفقد 7500 عائلة مورد رزقها.
الآن، وفيما فيروس كورونا يعطّل حصد المحاصيل الزراعية في العالم، ويقطع سلاسل التصدير، ويدفع الدول للاستئثار بمنتجات الأرض (دول مثل روسيا وأوكرانيا والهند وفيتنام، منعت أو حدّت من حجم تصدير الحبوب)، وفيما تعاني الخزينة من نقص متزايد في العملة الصعبة اللازمة لدعم القمح، علينا أن نعيد النظر في حساباتنا؛ لأن فيروس كورونا أضاء لنا باللون الأحمر معالم الخطر الداهم.
قبل أسبوعين، أعلن المزارعون الأوروبيون أنهم يواجهون مشاكل في قطف الخضار والمحصول الناضج، وذلك بسبب توقف حركة العمال بين حدود دول الاتحاد (معظم الأجراء يأتون من دول أوروبا الشرقية)، بسبب إجراءات السلامة من فيروس كورونا، الأمر الذي دفع وزراء الزراعة في كل من فرنسا وألمانيا مثلاً، إلى دعوة الشباب للعودة إلى الأرض بحيث "نتمكن جميعاً من الأكل" في النهاية، كما قال وزير الزراعة الفرنسي.
هناك سؤال بديهي ومشروع: كيف سنتعامل مع ملف الغذاء في الأشهر والسنوات القادمة، في ظل تتابع الأزمات الاقتصادية والبيئية المحلية والعالمية؟ بل لماذا أهملنا هذ الجانب الحيوي من حياتنا جميعاً كل هذه المدّة؟
علينا أن نتوقع أسوأ السيناريوهات في بلد يعيش أعتى الأزمات، وأن نعود للتفكير بالأرض، هذه المرّة لا كموضوع للاستثمار العقاري، بل كأرض منتجة لمستلزمات الحياة الضرورية. ما دمنا في منحنى تنازلي، نستشعر يوماً فيوماً مأزق الانهيار وتبخّر أموالنا التي فقدت أكثر من نصف قيمتها، ونرى جيشاً من العاطلين عن العمل، وعائلات بالآلاف تعيش بأدنى العيش، هذا كله ونحن لا نزال مهددين بالحرب وخطر الدمار.. فما الذي يؤخرنا اليوم عن التهافت على الأرض لضمان شيء من المستقبل؟
المشكلة اليوم، أننا لم نهلع بما فيه الكفاية، هناك نوع من الاستسلام لا تجد له مثيلاً إلا عند عديم الكفاءة الذي تعود العيش بالدين، وهو بخلاف المنتجين لا يحس بالخطر لأنه يظن دائماً أن في الأفق منقذ/دائن: قبل ثمانية أعوام، كنا ننتج 100 ألف طن من القمح، أي خمس حاجتنا من القمح، لكن الإنتاج بدأ بالتراجع إلى أن وصل محصولنا من القمح العام الفائت إلى 40 ألف طن!
ماذا لو عملت البلديات بدعم من الحكومة والمجتمع الأهلي خاصةً الشباب، على استصلاح الأراضي، وتطوير شبكات ري، وتأمين أسمدة وحبوب مؤصلة، بالإضافة إلى أدوات الزراعة الأساسية. سيساهم ذلك بطبيعة الحال، في تأمين بعض الحاجات الغذائية الضرورية، وسيؤمن بعض فرص العمل المستدامة، وسيسمح بتطوير العمل البلدي ليكون تنموياً بحق، لا مجرد أداة حفر وتعبيد.
الأوان لم يفت بعد، والخندق قد يكون ثلماً في الأرض، من أجل كفاف بلا ذل.
"Related Posts
صحيفة الخندق