Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

تكمن غرابة القصة في كون أصحاب القرار من سياسيين ومسؤولين كانوا ومنذ عام 2000 على أقل تقدير، على علم بوجود احتياطات طاقة ضخمة قبالة الشواطئ اللبنانية. فشركة "سبكتروم" البريطانية، كانت قد أجرت بين عامي 2000 – 2002 مسحاً زلزالياً ثنائي الأبعاد للمناطق البحرية، لتؤكد وجود احتياطات طاقة كبيرة في لبنان. ومع ذلك لم يكن الرئيس رفيق الحريري متحمساً للفكرة

هيئة التحرير

لبنان والغاز: الخطيئة الأصلية

بتاريخ 22 أيلول 2020، وقّعت كل من إيطاليا، اليونان، مصر، إسرائيل وقبرص، ميثاق منتدى شرق المتوسط للغاز. حضر كل من الأردن والسلطة الفلسطينية بعضاً من اجتماعات المنتدى، فيما طلبت فرنسا الانضمام إليه كعضو، وحضرته الولايات المتحدة كمراقب. بالمشهد العام، ينقسم الشرق الأوسط اليوم بين قطبين رئيسين على مستوى الطاقة. مصر وتركيا. تريد مصر أن تلعب دور الريادة في طاقة شرق المتوسط، فيما تقف تركيا على الضفة الأخرى مع ليبيا وقبرص التركية. أما لبنان وسوريا، فهما الغائبين الأكبرين عن هذه الخارطة. من جهتها، تقف الولايات المتحدة الأميركية كضابط لهذه التوازنات. لأميركا رؤية أكبر لمسألة الطاقة في المنطقة، تحاول ترجمتها من خلال السيطرة على "حنفية" الغاز في المتوسط. هي لا ترغب في السيطرة على عمليات التوزيع والنقل، بل تسعى إلى السيطرة على المنابع عبر شركات الاستخراج، وأبرزها "شيفرون" التي اشترت "نوبل اينرجي" والتي تلعب دوراً كبيراً في مجال استخراج الغاز في منطقتنا.

وإلى اليوم، لم يرسُ اللبنانيون على خارطة طريق واضحة في مفاوضاتهم، نتيجة الخلافات السياسية الداخلية من جهة، ونتيجةً لافتقادهم رؤية واضحة لموقع لبنان ووجهته في الخرائط المتشكلة في المنطقة، ما يفاقم من أزمة الفريق اللبناني المفاوض. لقد تأخرت بيروت كثيراً في التعامل مع ثروتها الغازية. وإلى اليوم، لم يشهد لبنان سوى محاولة يتيمة قامت بها شركة "توتال" الفرنسية لاستكشاف الغاز في البلوك رقم 4، إلا أن نتيجة الاستكشاف المعلنة جاءت مخيبة للآمال إذ أكد التقرير النهائي للشركة أن كميات الغاز الموجودة في لبنان غير تجارية.

 

المسكوت عنه في قصة الغاز:

للبنان والطاقة قصة غريبة بعض الشيء. تكمن غرابة القصة في كون أصحاب القرار من سياسيين ومسؤولين كانوا ومنذ عام 2000 على أقل تقدير، على علم بوجود احتياطات طاقة ضخمة قبالة الشواطئ اللبنانية. فشركة "سبكتروم" البريطانية، كانت قد أجرت بين عامي 2000 – 2002 مسحاً زلزالياً ثنائي الأبعاد للمناطق البحرية، لتؤكد وجود احتياطات طاقة كبيرة في لبنان. ومع ذلك لم يكن الرئيس رفيق الحريري متحمساً للفكرة.

أواخر العام 2006 وأوائل العام 2007، تم توقيع تفاهم بين الحكومة اللبنانية والحكومة النرويجية على تقديم مساعدات تقنية إلى لبنان ضمن برنامج "النفط من أجل التنمية". بموجبه، تم توقيع عقد مع الشركة النرويجية PGS لإجراء مسوحات ثلاثية الأبعاد لمساحة 2350 كم2 من إجمالي المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان البالغ مساحتها حوالي 22000 كم2. واتُفق على ألا تدفع الدولة اللبنانية أي مبالغ لشركة PGS التي ستنال أتعابها من خلال بيعها معلومات المسح للشركات الطاقة المهتمة، على أن تنال الدولة اللبنانية حصة محددة من بيع تلك المعلومات وعلى نسخة كاملة من المعلومات أيضاً".

بناء على ذلك، جرى إبلاغ نتائج المسوحات التي أجرتها شركة النروجية إلى الحكومة اللبنانية (وفق تقرير الشركة كانت النتائج كانت أفضل من المتوقع - Better than expected - إذ تضمن التقرير مؤشرات وبوادر واحتمالات جيدة بشأن احتمال وجود مخزون نفط وغاز Hydrocarbon deposits كبير في أعماق تصل إلى الـ3500 متر كحد أدنى".

في أواسط كانون الثاني - يناير 2007، وقّع لبنان اتفاقية ثنائية مع قبرص جرى بموجبها تحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل من البلدين، كما وأقر "السياسة النفطية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية" أواخر تشرين الأول - أكتوبر من ذلك العام. بنهاية ذلك العام أيضاً، كانت شركة PGS قد باعت معلومات المسح لعشر شركات عالمية، منها: "أوكسيدنتال"؛ "توتال"؛ "شل"؛ "تاليسمان"؛ "إيني"؛ "ميرسك"؛ "إكسون"؛ وجميعها شركات عالمية معروفة وذات خبرة، ولديها استثمارات واسعة في الشرق الأوسط. اللافت هو الاهتمام الذي أبدته هذه الشركات في استطلاع إمكانية الاستثمار في هذه المنطقة منذ عام 2007. والغريب في الأمر أن حكومة فؤاد السنيورة عادت وطلبت من شركة PGS القيام بإعداد دراسة جديدة لمسح المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل الساحل اللبناني وكذلك للمنطقة ما بين لبنان وقبرص، وفق أسلوب الثنائي الأبعاد ولكن بتقنيات أكثر تطوراً، (ليكون لبنان ثاني بلد في العالم يقوم بهذا المسح). مرة جديدة كانت النتيجة أيضا جيدة جداً. ومرة جديدة سوّفت حكومة السنيورة المسألة وأرجأتها، لعدم إحراج سعد الحريري وخلق أي مشكلة بينه وبين تركيا.

بالرغم من إبرام قبرص ولبنان اتفاقهما منذ مطالع العام 2007، إلا أن الجانب اللبناني لم يلتفت إلى الخلل الحاصل في الاتفاق حتى عام 2011، عندما وقعت قبرص و"إسرائيل" اتفاقاً تضمّن قضم 5 كيلومترات من المساحة البحرية الداخلة ضمن الحدود اللبنانية. في الحقيقة، كان التأخير طيلة تلك السنين نابعاً من حرص رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري على منع إقرار الاتفاق من قبل المجلس النيابي "كي لا تنزعج تركيا" (نتيجة الحساسية بين قبرص وتركيا). فلم تستيقظ اللجان الفرعية المتخصصة بترسيم الحدود (المنبثقة عن لجنة الأشغال العامة والنقل النيابية) إلا عام 2011، وبعدما أثار الوزير جبران باسيل قضية الخطأ الذي ارتكبه المدير العام للنقل البري والبحري في وزارة الأشغال العامة، عبد الحفيظ القيسي، والذي أفضى إلى ترسيم خاطئ للحدود بين لبنان وقبرص. فعندما رُسّمت الحدود البحرية والمنطقة الاقتصادية الخالصة من ناحية الجنوب باعتماد نقطة تلاقي متوازية المسافة بين لبنان وقبرص وفلسطين المحتلة (النقطة رقم 23)، لم يلتفت الوفد اللبناني إلى الخطأ الوارد في نص الاتفاقية مع قبرص بإشارتها إلى النقطة رقم واحد خطأً. ما أفقد لبنان مساحة غير قليلة من حقوقه وثروته البحرية. في البدء أعلن وزير الأشغال العامة غازي العريضي تحمّله المسؤولية، لكنه سريعاً ما عاد لتأكيد أن عبد الحفيظ قيسي "من أكفأ موظفي الإدارة اللبنانية وأنظفهم وأكثرهم خبرة ونزاهة، ويستحق الثناء والشكر والتقدير والتحفيز على الاستمرار في العطاء وفي الإنتاج" في حزيران 2011، وأن "كرامة عبد الحفيظ قيسي هي كرامة غازي العريضي بكل تواضع".

الإرباك في ترسيم الحدود، رافقه إرباك آخر في الخطوات القانونية اللبنانية لمحاولة استعادة حقوقه. وفي ظل عدم القدرة على المحاسبة، حاولت وزارة الخارجية اللبنانية عبر وزير الخارجية السابق علي الشامي إبراق رسائل إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في 4 كانون الثاني - يناير 2011، طلبت فيها الخارجية من الأمين العام للأمم المتحدة إحالة مسألة الحدود إلى قوات اليونيفيل، وأن تتكفل الأخيرة بـ''منع إسرائيل من الاستمرار في الحفر في المناطق البحرية الإقليمية المشتركة بين لبنان وشمال فلسطين". آنذاك، رد المتحدث الرسمي باسم الأمم المتحدة أن مهمة قوات اليونيفيل البحرية تشمل مراقبة المياه الإقليمية ضمن قرار مجلس الأمن 1701 ليس إلا، وأنها لا تشمل رسم الحدود البحرية. لكن تغييراً طرأ على موقف الأمم المتحدة مع تصريح المنسق العام للأمم المتحدة في لبنان، مايكل وليامز، أواخر كانون الثاني - يناير 2011، حول حق لبنان بالاستفادة من الموارد الطبيعية في المياه الساحلية. إذ قال وليامز أن الأمين العام للأمم المتحدة اقترح قيام "اليونيفيل"، أو أي دولة مشاركة فيها عسكرياً، بتحديد الحدود البحرية بين لبنان و"إسرائيل" في أسرع وقت، بدلاً من إقناع مجلس الأمن بإصدار قراراً جديداً يكلف بموجبه المجلس لـ"اليونيفيل" ترسيم خط أزرق بحري على غرار ما فعلته في البر. وكان موقف الأمم المتحدة ذاك علامة فارقة في تاريخ تعاطي الأمم المتحدة مع مسألة الغاز في المتوسط.

 

صحيفة الخندق