Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

لم يسلَم بعض عرّابي المخططات المنادية بالاقتصاد الأخضر من نحوس المخاطر المنقلبة على الكوكب ومن فيه، فالسحر لم يكن فعالاً هذه المرة، ومزيج الحل عليه أن يخضع للمزيد من المساءلات التي من شأنها أن تزيد من حقيقة المخاوف المتأتية من تحوّل الطاقة.

علا رضا

عن مستقبل الذهب الأحمر في العالم الأخضر

"

لم يسلَم بعض عرّابي المخططات المنادية بالاقتصاد الأخضر من نحوس المخاطر المنقلبة على الكوكب ومن فيه، فالسحر لم يكن فعالاً هذه المرة، ومزيج الحل عليه أن يخضع للمزيد من المساءلات التي من شأنها أن تزيد من حقيقة المخاوف المتأتية من تحوّل الطاقة. لقد بتنا اليوم أكثر اعتماداً على مواد الأرض النادرة، كالمعادن ومنها النحاس، لتحقيق مآربنا في دوامة التخلص من هامة الانبعاثات الكربونية.

يُعتبر النحاس من عائلة المعادن الأساسية المتوفرة في القشرة الأرضية، وإن بكثافات معتدلة نسبياً كما هو الحال مع  معدني الزينك والنيكل وغيرهما. وهو يصنّف من المعادن النادرة على خلفية مدى توافره في جيولوجيا الأرض، خلافًا لبعض التفسيرات الأخرى التي تربط الندرة بصعوبة الاستخراج والإنتاج.

ومع بزوغ استراتيجيات الانتقال الطاقي في الألفية الجديدة، متمثلةً بضرورة تخفيف الوقود الأحفوري كمصدر للطاقة والاستعاضة عنه بالابتكارات التكنولوجية الخضراء، أخذ النحاس مأخذاً مهماً في المجتمعات المتقدمة لأهميته الكبرى التي تدخل في السيارات الكهربائية، تقنيات طاقة الرياح، وتلك الشمسية. إذاً، يعتمد تطور إنتاج الطاقة المتجددة على حفنة من المواد الاستراتيجية كالنحاس والذي يصعب إيجاد بديل له يحول دون استنزافه بشكل كامل. لكنّ التكهنات والمعطيات العلمية تؤكد أن حوالي 90% من مصادر النحاس سيتم استخراجها حتى عام 2050 مع تبني الإجراءات التكنولوجية البيئية ذات السيناريو المناخي الذي يحدّ من ارتفاع درجة حرارة الأرض بحدود درجتين مئويتين.

ينتشر النحاس جغرافياً بشكل متفاوت ما بين 11 منطقة في العالم حيث يتواجد النصف تقريباً ومجتمِعاً في الأمريكيتين وجنوب شرق آسيا. تستحوذ دولتا تشيلي والبيرو على أكبر حصتين من احتياطيات معدن النحاس (33%)، وتعتبر الدولتان أيضاً بطلتا انتاج النحاس في العالم، حيث تشكلان ما يقارب الـ40% من الانتاج العالمي. تشيلي، المنعزلة بين جبال الآنديز شرقاً وشواطئ المحيط الهادئ غرباً، صحراء أتاكاما شمالاً وأنتركتيكا جنوباً، هي أرضٌ مرتبطة بالزلازل القاتلة والنشاط البركاني، تتشكل جغرافيتها وجيولوجيتها من خلال هذه الظروف القاسية والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بثروتها المعدنية، ولذلك فإن اقتصادها لا زال يعتمد بشكل كبير على صادرات الموارد الطبيعة الخام.

النحاس والنقل

بعدما كانت السيارة الواحدة ذات محرك الاحتراق الداخلي تتطلب 20 كيلوغراماً من النحاس لتصنيعها، تتطلب السيارة الكهربائية اليوم حوالي 80 كيلوغراماً منه، وقد يتخطى ذلك إلى 160 كيلوغراماً تماشياً مع زيادة الحجم طبعاً. فالصين وحدها تطلق ألف وخمسمائة سيارة يومياً في السوق. وإذا ما لم يتم الحد من ذلك عبر تبني سياسات النقل المستدام المتمثل بإدارة الطلب على التنقل، توفير خدمات النقل العام، مبدأ المشاركة، دعم وتمويل البنى التحتية وغيرها من الحلول المتاحة، فإننا أمام كارثة كونية حقيقية. 18% من الاستهلاك يمكن تفاديه في أفريقيا وآسيا الوسطى بغضون 2050، وحوالي 8% في الهند، إذا تم تنفيذ التدابير اللازمة جدياً.

الصين والنحاس

تمتلك الصين فقط 3% من إجمالي احتياط النحاس العالمي، وهي المستورد الأكبر له بقيمة (46%)، فلذلك هي تسيطرعلى أنشطة تكرير النحاس بنسبة 39%، بعدما كانت أوروبا وأميركا السبّاقتين في هذا المجال في تسعينيات القرن الماضي. ولضمان احتياجاتها منه، عمدت الصين مع بداية القرن الواحد والعشرين إلى تنفيذ استراتيجيات اقتصادية وتجارية عرفت بـ"go out strategy" أي التمدد نحو أفريقيا وأميركا اللاتينية في سياق تعزيز الاستثمارات الخارجية خصوصاً في مجالي البنى التحتية والموارد. بالإضافة إلى ذلك، عزّزت الصين مبادرة الحزام والطريق التي أنشأتها أيضاً عام 2013 كاستراتيجية تسهل استيراد المواد الأولية من مختلف الدول، والتي تم إطلاق اتفاقيات تعاون معها، ومن بينها دول أميركا الجنوبية حيث بلغت الاستثمارات الصينية فيها منذ العام 2005 حوالي 18 مليار دولار في مشاريع تعدين النحاس وحدها.

النحاس والتدوير

على الرغم أن معدن النحاس يمكن تدويره كاملاٌ، إلا أن الكميات المُعاد تدويرها حالياً ما زالت محدودة إجمالاً مقارنة بالإنتاج الأولي للنحاس المكرر. وذلك يعود لحقيقة أن النحاس الذي يدخل في البنى التحتية وأعمال البناء متعلق بعمر المباني الطويل، إذاً هو ليس متاح في السلع القصيرة الأمد. وبالتالي، لا يعتبر الاستثمار في تدويره مغرياً على المستوى الاقتصادي. خصوصاً بعد استغلاله في شتى الاستعمالات لمدة طويلة. ولا يمكن أيضاً انكار دور الحكومات المتقاعس في إقرار السياسات التحفيزية في هذا القطاع.

"

باحثة لبنانية في مجال الطاقة