يسعى هذا المقال إلى تسليط الضوء على دور المسيحيين في مستقبل المنطقة وسط تقاطع حاسم سيغير حتماً مستقبل المنطقة الجغرافي والاجتماعي والديموغرافي والاقتصادي والسياسي
مصير اللاهوت المستعمِر
نادراً ما يمكن تخفيف حدة مناقشة السلوك الاجتماعي ليتناسب والمقالات الصحفية فقط. ومع ذلك، فإن المناقشة الضرورية لموضوعات مصير الطوائف والأديان والأعراق والثقافات يمكن، وإلى حد كبير، أن تشتعل من خلال تحديد الحقائق التاريخية المرتبطة ببعضها البعض من خلال سلسلة من الحوادث والمسؤوليات التي تخدم الأطراف والوكالات المتحاربة في فترات متغيرة.
يتطلب التحليل النظري والعلمي من الكاتب عند تفسير الاستراتيجية السياسية لأي مكون في الديمقراطية التوافقية معالجة سلسلة من الأسئلة الأساسية التي تلتزم بهوية المجموعة، وبالتالي دورها. السؤال الأساسي ينبغي أن يتعلق بالقيم الأساسية لإنشاء الكيان الحديث.
يسعى هذا المقال إلى تسليط الضوء على دور المسيحيين في مستقبل المنطقة وسط تقاطع حاسم سيغير حتماً مستقبل المنطقة الجغرافي والاجتماعي والديموغرافي والاقتصادي والسياسي.
بالنسبة لهذا السؤال الأساسي، اسمحوا لي أن أشير إلى البيان الأكثر شهرة للقيادة المسيحية في لبنان التي يفترض أن نفوذها يجب أن يطال سائر أنطاكية وبقية الشرق. عام 2011، صرح بطريرك الكنيسة المارونية البطريرك مار بشارة بطرس الراعي أن "مجد لبنان يكمن في رسالته، وقد قيل في الماضي أن مجد لبنان يعطى للبطريرك الماروني".
هذا يدفع لسؤالين: ما الرسالة؟ ولماذا كان هذا المجد للكنيسة المارونية حصراً؟. قبل أن نتطرق إلى هذه الأمور، يواصل البطرك القول إن "مجد لبنان يتضاءل كلما تعززت الانعزالية وينمو مع الانفتاح على الشرق والعالم. والمجد يُفضّل أن يُعطى للبنان وشعبه أن نعمل جميعاً من أجل البلد".
يتحدث البطريرك من منصبه كقائد للكنيسة التي تأسست خلال منعطف حرج سابق لا ينبغي له أن يعيق استعدادنا لاستجواب حقبة بأكملها. العصر المقصود هاهنا هو العصر الذي أدى إلى تقسيم المنطقة بفعل اتفاق سايكس بيكو، وما أحدثه من سلسلة الانتدابات الفرنسية والبريطانية. خلال تلك الحقبة – وحتى من قبل ذلك إذا ما عدنا إلى عصر الحروب الصليبية -, استخدمت الكنيسة قوتها لأغراض استعمارية كما أوضح مارك لامبورت في موسوعة المسيحية في الجنوب العالمي في مجلده الثاني.
كانت إحدى الأدوات الأساسية لهذه الاستراتيجية التوسعية تكمن في إعطاء صبغة لاتينية للكنيسة التي انقسمت إلى قسمين، الروم الكاثوليك والأرثوذكس الشرقيين في عام 1059. على الرغم من تأسيس الكنيسة المارونية حوالي عام 410.
حصل لبنان، كما هو معروف اليوم، على استقلاله كدولة عام 1943. جاءت عملية بناء الأمة هذه نتيجة لتدهور الإمبراطورية العثمانية في مواجهة الاستراتيجية التوسعية للقوى الأوروبية المتحاربة التي تسعى إلى تنمية نفوذها العالمي على أسس جغرافية استراتيجية.
توضح الحقائق أعلاه، والتي نترك تفاصيل بحثها للقارئ، تصريح الراعي بشأن مجد لبنان الممنوح للكنيسة المارونية. كمسيحيين في العقود الماضية، ومع ذلك، وبالنظر إلى تصريحات الفاتيكان بشأن الحروب الصليبية، يجب علينا أن نتساءل عن دور الكنيسة في مستقبل وجودنا في الشرق. مع الحروب المتتالية في فلسطين والعراق وسوريا، شهدنا غياب دور النظام الكنسي في التعامل مع الأمور التي تهدد استمرار وجود مختلف المسيحيين في تلك البلدان.
علاوة على ذلك، شهدنا حضوراً استراتيجياً بارزاً وديناميكياً لقيادة الكنيسة المسيحية اللبنانية، وخاصة الموارنة، في الأمور السياسية وفي الحروب اللبنانية. هذا يعني أن الكنيسة لم تكن غائبة في بعض البلدان بسبب افتقارها إلى القدرة على المعرفة، بل لأنها ترى أن دورها محايد بشكل خاص تجاه المسيحيين المحيطين بها، بالرغم مما للكنيسة في لبنان من الحظوة والدور الذي يمكن أن تلعبه كأم وأب للمسيحية في المنطقة.
بالنظر إلى المتغيرات الإقليمية والعالمية الحالية، هل حان وقت للتشكيك في التاريخ الاستعماري والممارسات الاستعمارية الجديدة التي أثرت علينا وستستمر في التأثير علينا وربما تهدد وجودنا؟ هناك خيارات لممارسة ودمج مسيحيتنا في نضال اليوم من أجل التحرير، وهناك تاريخ عميق الجذور للاهوت التحرير على مستوى العالم. ماذا ننتظر؟.
Related Posts
كاتبة لبنانية