تتوزع في قارة افريقيا بؤر كثيرة للصراع المسلح، منها ما خلّفه الاستعمار - الاستعمار الفرنسي بشكل خاص - ومنها ما انتجته ظروف القهر المستجد بعد ظهور الدولة الحديثة. في هذه المقاربة سوف نتعرض لخريطة الصراعات السياسية المسلحة أولاً في أفريقيا، تحديداً منطقة شمال وجنوب الصحراء الكبرى، ولاحقاً في وسط وشرق القارة.
خطوط النار في الصحراء الإفريقية: مقاربة جيوسياسية - أمنية
تتوزع في قارة افريقيا بؤر كثيرة للصراع المسلح، منها ما خلّفه الاستعمار - الاستعمار الفرنسي بشكل خاص - ومنها ما انتجته ظروف القهر المستجد بعد ظهور الدولة الحديثة. في هذه المقاربة سوف نتعرض لخريطة الصراعات السياسية المسلحة أولاً في أفريقيا، تحديداً منطقة شمال وجنوب الصحراء الكبرى، ولاحقاً في وسط وشرق القارة. ومن أجل سبر أغوار هذه المسألة يجدر بنا الوقوف عند التاريخ السياسي لهذه المنطقة.
تعيش في هذه منطقة الصحراء الكبرى عرقيات عربية وأمازيغية في الشمال وأخرى زنجية في جنوب الصحراء، وتشكل موريتانيا استثناءً حيث تتعايش العرقيات العربية والزنجية مع بعضها البعض على حد سواء، بسبب موقعها الواصل بين شمال إفريقيا وغربها، وتجدر الإشارة إلى أن جميع الأنظمة السياسية لهذه الدول موروثة عن الاستعمار الفرنسي ما عدا ليبيا المستعمرة الإيطالية، وأغلبها أنظمة جمهورية رئاسية، كما أن أسس إدارة الحكم فيها مستوحاة من النظام السياسي والإداري لفرنسا، تحديداً الجمهورية الخامسة الديغولية.
يتوفر هذه المنطقة أهم مصادر الطاقة في القارة: بترول، غاز، حديد، نحاس، ذهب، الفوسفات، وغيرها، وفيها أغنى الشواطئ في العالم، إضافة الي ثروات زراعية وحيوانية وبشرية هائلة.
لم تستطع الدول الحديثة مواكبة طموحات النخب الشبابية الصاعدة في هذه المنطقة رغم الاستقرار السياسي النسبي الذي عاشته هذه الأنظمة، حيث تصاعدت لاحقاً المطالب السياسية وظهرت التنظيمات السرية، ورغم حداثة الأنظمة فقد ساهم الوجود الفرنسي في الإدارة والحكم في تأجيل تلك المطالب وأحياناً قمعها بسجن أو نفي أصحابها.
تشكل الدعوة إلى الانفصال والاستقلال أقدم مطالب التحرر في هذه المنطقة حيث تأسست الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب في 20 مايو 1972، وهي جبهة تهدف الي انفصال الجنوب المغربي وإعلان الجمهورية العربية الصحراوية، ورغم ما حققته هذه الجبهة من اعتراف دولي وإقليمي، إلا أن صراعها مع المملكة المغربية لا يزال قائماً وقد دخل عقده الرابع دون أي نتيجة علي الأرض.
في بداية ثمانينات القرن الماضي ظهرت دعوة انفصالية أخرى في جمهورية السنغال الواقعة جنوب الصحراء. قاد هذه الدعوة حركة القوى الديمقراطية لتحرير كازماس، التي طالبت باستقلال إقليم كازاماس جنوب السنغال.
وباستثناء هاتين الحركتين فقد عاشت الدول الأخرى حالة من الأمن السياسي، استمرت حتى مطلع التسعينيات من القرن الماضي، مرحلة انهيار الثنائية القطبية، حيث دخلت بعض الدول مثل الجزائر عشرية الدم (1992 – 2000) بعد أزمة الانتخابات التشريعية التي حملت المنظمات السلفية إلى الواجهة السياسية للجزائر، ومنها اتخذت صفة التنظيم المسلح، وظهرت إلى العلن السلفية الجهادية وفقه الخروج على الحاكم وأحكام المواجهة والحرابة.
نجم عن كل تلك الاحداث المؤسفة ظهور الإسلام السياسي المسلح وتأصيل الفكر التكفيري، وهكذا خرجت من رحم الجماعة الإسلامية للإنقاذ مجموعات مسلحة متشددة إلى أقصى حدّ منها جماعة التكفير والهجرة المصرية المنشأ، والإخوانية التوجه، والجماعة الإسلامية المسلحة، ولاحقاً الجماعة السلفية للدعوة والقتال، ولا يخفى أن الساحة الجزائرية في هذه الحقبة استقطبت كافّة التيارات الإسلامية المتشددة التي قدمت من مختلف بقاع الأرض خاصة من أفغانستان.
ومع دخول البلاد مرحلة التوافق والتعايش السلمي في ظل قانون الوئام الوطني كانت تلك الجماعات تتحرك جنوباً باتجاه الجارة مالي حيث كانت نقطة جذب غير مسبوقة تداعت إليها الجماعات المسلحة من كل حدب وصوب، وقد ساهم في تعزيز حضورها غياب الدولة وضعف سيطرتها وانشغالها بترتيبات البيت الداخلي، فضلاً عن هشاشة البنية السياسية والإدارية لحكومة مالي.
مالي فضاء الجماعات المسلحة:
عندما نتحدث عن الوجود المسلح في مالي أو ما يسمي حديثا بالساحل الافريقي فإن المقصود هنا حصراً الجماعات المسلحة في شمال مالي والتى تسيطر علي ثلاثة محافظات كبرى من هذه الجمهورية هي: تمبكتو – قاو – كيدال. تشكل هذه المحافظات أكثر من نصف مساحة البلاد البالغة حوالى مليون ومائتي الف كيلومتر مربع، وتماماً كما الحالة الجزائرية، قامت الحركات المسلحة في مالي على أساس المطالب التاريخية للطوارق والعرب المنادين بالانفصال عن جمهورية مالي، وقد بلور الطرفان –العرب والطوارق- جبهة مشتركة تحت مسمى الجبهة الوطنية لتحرير أزواد وهو إقليم يسكنه غالبية من العرب والطوارق.
ظهرت هذه الحركة/ الجبهة بشكل مسلح بعد انهيار النظام السياسي في ليبيا داعية لحمل السلاح كسبيل أوحد نحو التحرر والاستقلال. واقع الأمر، عزز انهيار نظام القذافي في ليبيا الحضور الفعلي لمختلف التنظيمات المسلحة القادمة من الجزائر، بعد أن كانت تنشط في تجارة المخدرات والسلاح والاختطاف سبيلا للثراء. هكذا أصبحت مثل هذه التنظيمات أكثر طموحاً وحضوراً على المستوى المالي، ومحل استقطاب الطاقة الجهادية عالمياً في منطقة يرجح أنها ستكون ساحة الحرب المستقبلية ضد الإرهاب العالمي.
وهكذا دخلت التنظيمات المهاجرة في صراع مسلح - بحثا عن موطئ قدم - مع أخرى محلية أساساً مكونة من مجموعات الطوارق والعرب من جهة والجيش المالي من جهة أخرى، كانت تلك التنظيمات أكثر تسليحاً ومهنية مما مكنها من السيطرة سريعاً علي أقاليمي كيدال وقاو في مالي. وباستثناء جماعة انصار الدين في كيدال والحركة الوطنية لتحرير ازوارد، تعتبر كافة التنظيمات الأخرى مهاجرة، إما من الجزائر أو من ليبيا أو من ساحات الحرب على الإرهاب في أفغانستان والعراق، وهي تتشكل أساسا من:
القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي: وهي تنظيم جزائري انبثق عن الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر عام 2007 وهو بقيادة عبد الملك دوردكال.
حركة التوحيد والجهاد: وهي فرع متشدد من القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على صلة بجماعة بوكو حرام في نيجيريا بقيادة محمد نومير، ومن أبرز قادتها الجزائري مختار بلمختار.
مجموعات إسلامية مسلحة غير مصنفة من الطوارق والعرب.
أضف إلى هذه الخريطة الممزقة الصراع الدموي في مالي بين إثنيات الفلان (الممتهنين لرعي الماشية) من جهة، وتحالف اثنيات الدونغون والبانبارا (الممتهنين للزراعة) من جهة أخرى.
Related Posts
أستاذ جامعي، وباحث سياسي موريتاني