أعلن وزير المياه والريّ الأثيوبي في التاسع من كانون الأول الحالي وضع حجر الأساس لبناء سد جديد على احد روافد النيل الأزرق. يأتي ذلك في خضم فشل المفاوضات الثلاثية بين مصر والسودان وأثيوبيا حول سد النهضة دون التوصل إلى اتفاق ملزم كما تطالب دولتا المصب مصر والسودان، رغم كل الوساطات الأفريقية والدولية.
السدود الأثيوبية: لا مكان للقانون الدولي
أعلن وزير المياه والريّ الأثيوبي في التاسع من كانون الأول الحالي وضع حجر الأساس لبناء سد جديد على احد روافد النيل الأزرق. يأتي ذلك في خضم فشل المفاوضات الثلاثية بين مصر والسودان وأثيوبيا حول سد النهضة دون التوصل إلى اتفاق ملزم كما تطالب دولتا المصب مصر والسودان، رغم كل الوساطات الأفريقية والدولية. وتبلغ سعة خزان سد "أجما شاشا" ٥٥ مليون متر مكعب، بينما يصل ارتفاعه إلى 45 مترًا، وهو ما يدل على صغر سعته خصوصا إذا تمت مقارنته بسد النهضة، إلّا أنّ دلالات هذا الإعلان تبقى عديدة في الشكل والمضمون:
أولًا: لا إخطار مسبق
لم يتم اخطار دول المصب أي مصر والسودان على خلاف ما ينص عليه القانون الدولي لهذا الشأن. مما يعني أنّ كل مطالبات مصر المعتلقة بشرط الإخطار المسبق منذ الإعلان عن إنشاء سد النهضة في عام 2011 ضُربت عرض الحائط. ويمكن أن يعزى هذا الإخفاق المصري إلى سوء إدارة الملف منذ بداية الأزمة وتحت ظل الإدارات المصرية المتعاقبة، بحيث لم يظهر لمصر استراتيجية واضحة بشأن الأزمة برمتها. دون إغفال الخطأ في ابرام اتفاق إعلان المبادئ، حول سد النهضة عام 2015 دون الزام أثيوبيا على التعهد بإخطار القاهرة والخرطوم قبل البدء بأي مشروع مائي على مجرى النهر الأطول في العالم. هكذا يكون إعلان المبادئ قد أعطى المشروعية القانونية لبناء سد النهضة دون وضع ضمانة قانونية لعدم إعادة كرّة البناء قبل موافقة دول المصب، أي أنّه ساهم فيما حدث الآن مع سد "أجما شاشا".
ثانيا: سد النهضة ليس إلّا البداية
تؤكد خطوة وضع حجر الأساس للسد الجديد على أنّ سد النهضة ليس إلّا بداية السدود الأثيوبية، وأنّ الاتفاق على ملء وإدارة سد النهضة لن ينهي أزمة السدود الأثيوبية بالنسبة لدول المصب. كما يُعيد إلى الاذهان مندرجات خطة مكتب الولايات المتحدة لاستصلاح الأراضي Bureau of Reclamation الذي حدد في العام 1956 أكثر من 25 موقع لإنشاء سدود أثيوبية فيها. مما يعني ظهور تهديد حقيقي للحقوق المائية المكتسبة لمصر، دولة المصب الأخير، على عكس ما تنصّ عليه المعاهدات والأعراف الدولية العديدة والمتعاقبة.
ثالثا: السدود فوق الاضطرابات الداخلية
يوجّه الإعلان عن وضع حجر الأساس لسد جديد رسالة واضحة إلى دول المصب أن لا تغيير لخطط الدولة الأثيوبية تجاه السدود، رغم تصاعد الاضطرابات المحلية الكبيرة في البلاد. فتأجيل الانتخابات، وأزمة إقليم تغري الأخيرة، كما وعودة الخلاف الحدودي مع السودان إلى الواجهة، بالإضافة إلى مئات آلف المهجرين إلى السودان وأرتريا لم تثن الحكومة المركزية عن المضي قُدمًا في استكمال خطط السدود. في الوقت الذي ظهرت فيه دعوات مصرية وسودانية من أجل استغلال تلك الاضرابات لضغط على الحكومة الأثيوبية والوصول إلى اتفاق ملزم، يحفظ حقوق مصر والسودان –مع العلم أن هذه الأخيرة ستحقق العديد من المكاسب من جرّاء سد النهضة. لكنّ مثل هذا الاستغلال لن يكون سهلا، فأيّ تنازل للحكومة الأثيوبية في هذا الشأن سيزيد من مشاكلها الداخلية، لأنّ سد النهضة يعتبر مشروعًا قوميًا أثيوبيًا يسمح بمزايدة الولايات والطوائف الأثيوبية المتعارضة على بعضها بشأنه.
رابعا: التمويل الصيني
يظهر تعاون أثيوبي صيني جديد حول سد "أجما شاشا"، في ظل الصعوبات المالية التي تواجهها الحكومة الأثيوبية. أمّا إدارة دونالد ترامب فقد انزلت في أشهرها الأخيرة عقوبات عديدة على أثيوبيا لرفضها التوقيع على مسودة اتفاق ملزم بينها وبين دول المصب، بناء على مخرجات المفاوضات التي رعتها واشنطن بين الأفرقاء في بداية العام 2020. على أنّ هذا الرفض أتى تحت ذريعة عدم حيادة الوسيط الأمريكي. ويأتي هذا التعاون الصيني الأثيوبي بعد تعهد الشركات الصينية لغير مشروع سد أثيوبي، إلى جانب القروض العديدة الممنوحة لأديس أبابا من جانب بكين. فقد تعهدت شركة الهندسة المدنية الصينية بالتعاون مع مؤسسة أعمال المياه والبناء التابعة لإقليم أمهرة مشروع السد الواقع في أقليم أمهرة بقيمة 125 مليون دولار. ويلاحظ الاستثمار الصيني في السدود في القارة الأفريقية بشكل متزايد في القرن الاخير، إذ اشتركت الشركات الصينية في بناء وتمويل إنشاء السدود في أكثر من 22 دولة أفريقية.
على أيّ حال، تؤكد الخطوة الأخيرة الإصرار الأثيوبي على تحقيق الهدف بالتحول إلى الدولة الأهم في القرن الأفريقي ومصدر انتاج الطاقة فيه، من خلال التعنت في المفاوضات على الطريقة الاسرائيلية والتسويف والمماطلة وبحيث تفقد المفاوضات موضوعها عبر الاستمرار بالعمل أثناء التفاوض. ولا تأخذ أديس أبابا بعين الاعتبار العديد من قواعد القانون والفقه الدولي حول المياه الدولية خصوصا لناحية حماية الحقوق المكتسبة ووجوب الإخطار المسبق. كل ما سبق يشكل تهديد لمصر، لدولة المصب الأخير، بخفض منسوب المياه الواصل إليها منذ آلاف السنين، مع ما يحمله الأمر من ضرب لاستقرار مجتمعي وسكّاني مُنعقد منذ آلاف السنين. كما تتهرب أديس أبابا من الالتزام بالمعاهدات الدولية عبر الاحتجاج بأنّها اُبرمت ابان الحقبة الاستعمارية. هكذا يبقى مشروع السدود الأثيوبية مستمرًا.
"Related Posts
كاتب حقوقي لبناني