Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

ترتهن العلاقات المغربية - الجزائرية عموماً، كما والصدام بين البلدين إزاء قضية الصحراء، لعوامل تاريخية وجغرافية وإيديولوجية عدة تشكلت خلال العقود المنصرمة. وتعتبر المنطقة المغاربية، أو المغرب العربي بالعموم، منطقة بالغة الحيوية بالنسبة للأمن الاستراتيجي لأوروبا وحوض المتوسط، ولعموم القارة الأفريقية كذلك.

مرتضى عباس

الصحراء الغربية: شيطان التفاصيل بين المغرب والجزائر

"

ترتهن العلاقات المغربية - الجزائرية عموماً، كما والصدام بين البلدين إزاء قضية الصحراء، لعوامل تاريخية وجغرافية وإيديولوجية عدة تشكلت خلال العقود المنصرمة. وتعتبر المنطقة المغاربية، أو المغرب العربي بالعموم، منطقة بالغة الحيوية بالنسبة للأمن الاستراتيجي لأوروبا وحوض المتوسط، ولعموم القارة الأفريقية كذلك. وهو ما جعل الدول المغاربية إجمالاً ساحة من ساحات الصراع الدولي الساخن منذ مطلع القرن المنصرم، أو تحديداً منذ انعقاد مؤتمر الجزيرة الخضراء في 15 كانون الثاني/يناير 1906.

أما قضية الصحراء فمسألة متشابكة العلائق والمكامن. لقد شكلت الصحراء بؤرة من بؤر استمرار التنافس الدولي على تحديد شروط الغلبة وحدود الهيمنة الاستراتيجية للدول الكبرى، وهو أمر بالغ الوضوح في استقرائنا لتاريخ الأزمة المتجدد:

تعود الخلافات الجزائرية – المغربية إلى عدة عوامل منها:

1- الخلاف التاريخي حول هوية وطبيعة النظام في البلدين:

تعتبر المغرب دولة ذات رصيد تاريخي في الاستقلال السياسي، فهي نقطة تجمع للتاريخ الإسلامي العربي في شمال أفريقيا. أما الجزائر، فتسعى ومنذ استقلالها لانتشال نفسها من غموض تاريخي يدفعها إلى إيجاد هوية قومية على الدوام. ربما هذا ما يفسر بعضاً من الاختلاف الأيديولوجي في خيارات الدولتين؛ نظام ملكي في المغرب وآخر جمهوري في الجزائر، الأول موال للغرب، والآخر موال للشرق. فيما الحدود بينهما عبرت ومنذ حرب الرمال بينهما سنة 1963، عن قسمة حادة بين معسكري "الناتو" ووارسو، وحدود نفوذهما في الشمال الإفريقي.

2- الخلاف الحدودي:
يعود الخلاف الحدودي بين المغرب والجزائر إلى تاريخ استقلال الجزائر عام 1962، بعد أن دافعت الجزائر عن حدودها التي ارتسمت عشية انسحاب الاستعمار الفرنسي. في المقابل يطالب المغرب بحدوده كما كانت قبل مجيء الاستعمار، مستنداً إلى معاهدة "لالة مغنية" الموقعة في 18 آذار/مارس 1845، باعتبارها الإطار المرجعي للنزاع الحدودي. ومع ذلك، بقيت منطقة "تيندوف" عند الحدود الموريتانية- الجزائرية المغربية في وضعية قانونية غامضة، حتى مع استقلال الجزائر عام 1962.

وقد نجم عن هذا الخلاف الحدودي مواجهات عسكرية بين البلدين عرفت بحرب الرمال في تشرين الأول/اكتوبر 1963، بعد تصاعد الأحداث الحدودية وفشل المفوضات بين المغرب والجزائر. ولم يتم احتواء النزاع إلا بعد تدخلات عربية من قبل مصر فترة جمال عبد الناصر، ومحاولة الأخير التدخل لوقف القتال في القمة العربية بالقاهرة عام 1964، وإن كان لفترة قصيرة قبل أن يعود التوتر مع تولي بومدين عام 1965 السلطة، وعودة الصدامات العسكرية سنة 1967.

ومع ذلك ظل المشكل المتعلق بالصحراء الشرقية عالقاً خصوصاً بعد اكتشاف الحديد بها، ومع صعوبة استغلال الحديد المكتشف إلا إذا تم نقله عبر الصحراء في اتجاه المحيط الأطلسي أي عبر المرور في المغرب، باعتبار الكلفة الكبيرة لنقله من منطقة "تيندوف" إلى الساحل المتوسطي للجزائر في الشمال، وهو ما فرض على الطرفين الدخول في مفاوضات تتيح الاستغلال المشترك لمناجم الحديد في مقابل الاعتراف المغربي بجزائرية منطقة "تيندوف"، كان من ثماره مفاوضات "إيفران" في 15 كانون الثاني/يناير 1969، ثم مفاوضات 27 أيار/مايو 1970، وبعدها مفاوضات 15 حزيران/يونيو 1972، والتي انبثقت عنها معاهدة الحدود المغربية الجزائرية التي نصت على اعتراف المغرب بجزائرية "تيندوف"، والمشاركة في إنتاج وتسويق حديد "تيندوف"، ودعم الجزائر لمغربية الصحراء.

ما بين عامي 1972، وعام 1975، عرفت العلاقات الجزائرية – المغربية تحسناً نسبياً، تمظهر في التصريحات الجزائرية المؤيدة للحق المغربي في الصحراء، في مؤتمر القمة العربية بالرباط في تشرين الأول/اكتوبر 1974 ودعم بومدين المغرب في مقاومتها الاحتلال الاسباني في سبتة ومليلية وكل الجزر التي لا تزال تحت الاحتلال.

إلا أن عودة النزاع المغربي مع الاستعمار الإسباني حول الصحراء، وقرب تمكن المغرب من حسم النزاع لصالحه كان يعني خروج الجزائر دون أي مكسب في الصراع. الأمر الذي دفع الجزائر لاعتماد سياسة أكثر التباساً تجاه المغرب، منها، تعزيز العلاقات الجزائرية – الإسبانية، وفتح قنوات الدعم الليبي لجبهة البوليساريو عبر الأراضي الجزائرية، وهي مسائل أعادت خلط الأوراق من جديد.

الصحراء ثالث المتنازعين:

منذ سنة 1976 ولنهاية الثمانينيات، اتسمت العلاقات بتوتر ملحوظ، إذ شعر الجزائر في مرحلة ما أن بإمكانه الاستعاضة عن الممر المغربي لتسويق حديد "تيندوف"، من خلال دعم مشروع دولة صحراوية توفر هذا الممر دون كلفة كبيرة. الأمر الذي دفع نحو حصول تحول في الموقف الجزائري بدعم أطروحة تقرير المصير وقيام دولة صحراوية بدءاً من العام 1975. إذ أعلنت البوليساريو في مؤتمرها الثاني في 25 آب/أغسطس 1974 الجزائر كحليف استراتيجي، وبدأت التنسيق مع إسبانيا لضمان مساعدتها في الانتشار داخل الصحراء. لتتوج تلك المرحلة بإعلان الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في 27 شباط/فبراير 1976.

عرفت تلك المرحلة أيضاً توتراً ملحوظاً بعيد توقيع اتفاقية مدريد الثلاثية في 14 تشرين الثاني/اكتوبر 1975، حيث لم تر القيادة الجزائرية في الأمر إلا تهديداً لوحدة الجزائر ومقدمة لتطويق الثورة وإجهاضها كما صرح بذلك الرئيس بومدين في شباط/فبراير من العام 1976.

في هذه الأثناء خاضت الجزائر حرب استنزاف سياسية وعسكرية طويلة الأمد على كل المستويات عقب المسيرة الخضراء/يناير 1976، تبعها قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في 7 آذار/مارس 1976. ثم كان الانقلاب العسكري في موريتانيا في 10 تموز/يوليو 1978/أغسطس 1979. وقد أدى انسحاب موريتانيا من اتفاقية مدريد إلى فقدان المغرب لحليف كانت له أهميته المركزية في الاستراتيجية الدبلوماسية والعسكرية المغربيةمع بداية الثمانينيات طرأت متغيرات دولية وإقليمية وازنة، مما دفع بكل من المغرب والجزائر إلى الدخول في مفاوضات سرية سنة 1981 إلا أنها فشلت بسبب تباعد مواقف البلدين، حيث ركزت الجزائر على:

  • إشراك البوليساريو كمفاوض أصيل في النزاع، على أن تكون الجزائر وسيطاً ليس إلا.
  • إقامة الجمهورية الصحراوية على أساس حدود معترف بها، يتم الاتفاق بشأنها.
  • اعتماد منطق استقلال الدول المغاربية، بإبعاد الغرب عن هذا الإقليم العربي، وتقسيم الثروات واستغلالها بين الدول الثلاث (المغرب والجزائر والجمهورية الصحراوية).

أما الموقف المغربي فاعتمد استراتيجية قوامها التالي:

كاتب سوري