النص التالي خلاصة حوار أجرته 'الخندق'" مع د. طارق غدار، رئيس دائرة الكيمياء في الجامعة الأميركية في بيروت. وقد ركزنا فيه على مقاربة التبعات الكيميائية للانفجار وآثارها على البيئة المحيطة. الأمر الذي تطلب شرحاً مفصلاً لطبيعة الانفجار كيميائياً، والمواد الناتجة عنه منذ اللحظة الأولى لوقوعه."
ملاحظات أولية حول الانفجار
النص التالي خلاصة حوار أجرته "الخندق" مع د. طارق غدار، رئيس دائرة الكيمياء في الجامعة الأميركية في بيروت. وقد ركزنا فيه على مقاربة التبعات الكيميائية للانفجار وآثارها على البيئة المحيطة. الأمر الذي تطلب شرحاً مفصلاً لطبيعة الانفجار كيميائياً، والمواد الناتجة عنه منذ اللحظة الأولى لوقوعه. وقد أجملنا الحوار في نقاط ثلاث، هي:
- السحابته الدخانية:
كانت الكمية الموجودة في مرفأ بيروت من نيترات الأمونيا كبيرة جداً، إذ يُحكى عن 2750 طن، وبالتالي فإن حجم الانفجار كان ضخماً، ولعله أكبر انفجار نيترات أمونيا في العالم، ففي حقبة الأربعينات كما عام 2001 شهد العالم أكثر من انفجار لنيترات الأمونيا، في كل من تكساس، وتولوز، والصين، ولكن أكبر انفجار لم تتجاوز كميته الـ300 طن. لقد عادل انفجار بيروت لناحية قوته الانفجارية الـ1800 طن من قوة الـTNT، نظراً لكمية النيترات الموجودة في العنبر، وبسببه خرجت سحابة تشبه سحابة الانفجار النووي، وهذا أمر مبرر فيزيائياً في الانفجارات الكبرى.
وعند مراجعة الفيديوهات الخاصة بالانفجار، نلحظ أن ثمة سحابتان قد خرجتا منه: الأولى: بيضاء، ظهرت على شكل سحابة خارجية امتدت واختفت فوراً. أما الثانية فداخلية؛ ولونها قرميدي (وفي صور ظهر لونها ما بين الأحمر والزهر)، وهو أمر ليس مستغرباً. فنيترات الأمونيا عندما تتفتت تعطي بخار ماء يسبب سحابة بيضاء، فضلاً عن أوكسيد النيتروجين وثاني أوكسيد النيتروجين ذو اللون القرميدي، ولذلك فإن معظم السحابة البيضاء الخارجية كانت عبارة عن بخار مياه، وهذا كان سبب اختفائها السريع. أما السحابة الخطيرة فهي تلك الداخلية ذات اللون الأحمر، التي احتوت على أوكسيد النيتروجين وثاني أوكسيد النيتروجين وأسيد النتريك أي ما يعرف بـ"ماء النار"، وهذه الغازات هي من أخطر الغازات التي من الممكن أن يتنشقها الإنسان، من حيث قدرتها على قتل مستنشقها عن قرب. ولكن ما انقذ لبنان من الكارثة، كانت الأحوال الجوية، حيث بلغت سرعة الهواء عند الانفجار بين 15 و 30 كيلومتر في الساعة. وكان اتجاه الهواء جنوبياً (وجنوب شرقي) فأخد السحابة وبددها شمالاً باتجاه البحر.
ووكانت الجامعة الأميركية أجرت في كلية الهندسة اختباراً لنوعية الهواء فوق بيروت (للتحقق من نسب التلوث) فوجدت أن نسبة التلوث قد بقيت مرتفعة لمدة ساعة فوق بيروت، ومن ثم تبددىت وعادت للأرقام الطبيعية. وبعد أن أمطرت السماء صبيحة نهار الأحد في التاسع من هذا الشهر، بات يمكننا الاطمئنان أن كل ما تبقى من غازات في الجو تساقط مع المطر.
2- الأصوات والارتدادات التي رافقت الانفجار:
بالنسبة للأصوات التي سُمعت عند حصول انفجار. يجدر بنا الإشارة هنا إلى أنه وفي أي انفجار قوي كالذي حصل، ثمة ما ينبغي الإلتفات إليه. فالانفجار إذا ما ترافق مع كمية كبيرة من الغازات، فإن الغازات ستنتشر بسرعة تفوق سرعة الصوت، ويمكن لذلك أن يُحدث صوتاً لبضعة ثوان تسمعه الناس البعيدة نسبياً عن موقع الانفجار؛ وهو ما ظنه الناس تحليقاً لطائرات حربية. أما الهزة التي شعر بها الناس، فسببها انتقال الموجات سريعاً عبر الأرض، وهي موجات تنتقل بشكل أسرع من سرعة ضغط الانفجار نفسه، ما يفسر شعور الناس بالهزة قبيل وصول العصف الانفجاري، وقبيل سماعهم دوي الانفجار.
- أثر الانفجار على البشر، الماء، النباتات:
عند انفجار نترات الأمونيا لا يترك هذا المركب الكيميائي آثاراً محل انفجاره، إذ يتحول بشكل مباشر إلى غازات (أوكسيد النيتروجين، ثاني أوكسيد النتروجين، وأسيد النيتريك) بالاضافة إلى بخار الماء. ولا آثار أخرى له، حتى لو بقي منه كمية ما لم تنفجر. وبالعموم فإن آثاره يمكن أن تُلحظ في ثلاث مستويات:
أ- أثر الانفجار على المياه الجوفية: يُستخدم نيتران الأمونيا للمزروعات في الكثير من البلدان، بسبب تغذيته المزروعات بالآزوت أو النيتروجين. ومع ذلك تمنع الكثير من البلدان الناس من استخدام كميات كبيرة في الزراعة بسبب تأثيره السلبي على المياه الجوفية، نظراً لما يمكن أن يحدثه من ازدياد كمية النترات فيها. وقد تُلحظ آثاره السلبية على الأطفال والأجنة (وهو ما يمكن أن يظهر على المواليد تاركاً أثراً أزرق على بشرتهم، وهو ما يُعرف بـ(blue baby syndrome)، ولكن وبما أن الانفجار وقع عند المرفأ، فلا آثار متوقعة على المياه الجوفية، لأن التسرب إن حصل فسيصيب مياه البحر بعيداً عن مصادر المياه الجوفية.
ب- أثر الانفجار على النباتات: عادة تحب النباتات نيترات الأمونيا، فالأخيرة تزيد من نمو النباتات، ولذلك يستخدمها المزارعون، وهذا يعني أن ما من تأثير سلبي عليها.
ت- أثر الانفجار على البشر: إن حصول الانفجار في المرفأ، حيّد الخطر على البشر بنسبة كبيرة، فغازات الأمونيا لا تُؤذي البشر إلا بتنشق كمية كبيرة منها، أو بابتلاع كمية تصل نسبتها إلى غرامين لكل كيلوغرام واحد (وهذا مستبعد حصوله).
ث- أثر الانفجار على الثروة البحرية: المشكلة هي في الكمية التي نزلت على البحر، فإذا كانت الكميات كبيرة (ومن الصعب التنبؤ بحجم هذه الكمية) فسيؤثر ذلك على نمو السمك، وبيضه، وهذا ما يمكن له بالتأكيد أن يؤثر على مجمل الحياة المائية
"Related Posts
رئيس قسم الكيمياء في الجامعة الأميركية في بيروت.