نصر الله يوم عاشوراء ويوم القدس وفي ليالي شهر رمضان هو نفس الشخص، بل نفس الأسباب هي التي تدفعه لذلك. لكن لكل مقام مقال. اذ كيف يمكن لشخص يعتبر الأخلاق الاجتماعية والعلاقات الرحمية والتعاون والتكافل ضرورة في المجتمع ويترك مجتمع تنهشه عصابات المال والشهرة.
عظة الأربعاء، ماذا يقول نصر الله؟
يهتم الشيعة بشعائر خاصة مرتبطة بواقعة عاشوراء، أي العاشر من محرم من كل عام هجري، وهو اليوم الذي قُتل فيه حفيد الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسبي آل بيته على يد جيش يزيد بن معاويه عام ٦١ للهجرة. تشمل هذه الشعائر ذكر قصة الواقعة بتفاصيلها التي نقلت في كتب التاريخ والمقاتل (الكتب الخاصة بتاريخ هذه الحادثة)، كما تشمل أيضاً فقرة للطم الصدور والبكاء. وكما في كل شيء يتحول إلي عادة إجتماعية ونمط حياة يشوبه انحرافات أو اجتهادات يكون بعضها مسيئاً إلى أصل الهدف والسبب أحياناً. أما الفقرة التي تعتبر المائز الرئيسي لهذه الجلسات الدينية فهي الخطبة.
الخطبة عند المسلمين أو العظة كما يسميها المسيحيون، هي الكلمة التي يلقيها العالم أو رجل الدين في مناسبات مختلفة، منها صلاة الجمعة الثابتة طوال العام، ومنها الأعياد، وأيضاً المناسبات المتفرقة وحسب تنظيم المعنيين. الخطبة في الشعائر أو المجالس الحسينية تلعب الدور الأساسي في توضيح الموقف وتحليله حول واقعة كربلاء.
الانتشار كل السنة
تحولت هذه المجالس الحسينية إلى عرف دائم واليوم يهتم نسبة كبيرة من الشيعة في إقامتها بشكل أسبوعي طوال العام، وتحولت هذه المجالس إلى مؤسسات ثقافية بأعداد كبيرة جداً، في كل حي ومسجد بأشكال وطرق مختلفة. في العراق وإيران والبحرين وباكستان تنشط بقوة طوال العام وفي بعض المناطق تنحصر في شهري محرم وصفر من السنة الهجرية القمرية كل عام وبعض المناسبات المرتبطة بأهل بيت الرسول.
الدور السياسي
في إيران لعبت الهيئة (كما يصطلح عليها هناك) دوراً كبيراً في الثورة حتى عام ١٩٧٩ وتعاظمت وتضاعفت بشكل كبير بعد انتصارها وتشكل الجمهورية الإسلامية بقيادة الإمام الخميني [١٩٠٢-١٩٨٩] إذ يزيد عدد هذه الهيئات في المدن الكبرى على ١٠٠٠ هيئة. محور هذه الهيئات هو الخطيب والمحاضرة التي يلقيها عالم الدين. صحيح أن اللطم والشعر يظهر أقوى للمراقب ويعتبر في النصوص الدينية على قدر كبير من الأهمية لأنه فعل وليس قول ولأنه موقف علني وتعبير عن الرأي بشكل ظاهري. وهذا ما يعتبره العلماء أحد الأساليب التي يحدد فيها موقفه مع الإمام الحسين الذي كان قيامه ضد حكم الفاسد ولذا فهذه المراسم هي مراسم سياسية بامتياز. لكن الخطبة هي التي يتم فيها التعبئة الفكرية وشرح التفاصيل وتحضير الناس لاتخاذ الموقف المناسب.
دروس الإمام الخميني
محاضرات الإمام الخميني التي بدأت في الحوزة بسنوات قبل اعتقاله ونفيه عام ١٩٦٤، كانت عبارة عن دروس في الفقه والاصول وأيضا في الأخلاق والعرفان في هذه الجلسات كان الخميني يتطرق من خلال الدرس إلى قضايا اجتماعية ومواقف كانت تزعج استخبارات الملك محمد رضا البهلوي. استمر الخميني بعد نفيه إلى تركيا وثم النجف حيث استقر هناك ١٤ سنة بالتدريس ونقلت إلى الجمهور الإيراني عبر الكاسيت وبيانته عبر الطباعة الورقية (استانسيل) والتي أدت بعد كل هذه السنوات إلى تعبئة الناس ثقافياً وروحياً للمواجهة.
كذلك السيد علي الخامنئي الذي اعتقل بسبب دروس تفسير القرآن ونهج البلاغة في مشهد عدة مرات. وكانت استخبارات الملك "السافاك" تقول أن هناك سر في هذه الدروس اذ أنها تسبب تحريك الجماهير وتعبئتها ضد الشاه.
الخطاب الديني
لم يكن الخطاب الديني يومًا بعيدًا عن السياسة لكن السلوك السيء لعلماء الدين في فترات متعددة وفي أديان مختلفة أنتج كراهية للدين لكن لم يتنازل الناس عن ضرورة وجود حاكم ودولة. لذا نرى اليوم تركيبات مختلفة باسم الدين أو دمج بين الاثنين أو محاربة علنية لدخول الدين في الحكم فجرى تحييده بشكل كامل في كثير من دول العالم.
الأخلاق الفردية والاجتماعية
الإسلام يعترض على هذا الفصل، فالأخلاق الفردية ليست أهم من الأخلاق الاجتماعية، وليس بامكان الإنسان أن ينصر فرداً مظلوماً أو محتاجاً أو يعين سائلاً كحالة فردية ويصنفها ضمن القيم والأخلاق أما تطبيقها على مستوى المجتمع يعتبر تدخل وشؤون سياسية ليس للدين فيها موقف أو دور. بل إنه من الأولى إقامة العدل للمجتمع ليتحقق العدل للأفراد ويمكن تأمين الأمان
إذ كيف يمكن لعالم دين من أي دين أو مذهب أن يتحدث عن الصدق والأخلاق والأمانة ويقف مكتوف الأيدي أمام اغتصاب بلده أو ظلم مجتمعه؟! هل السبب وراء هذا غير عدم الشجاعة لتحمل تكاليف المواجهة؟!
مع كل ما حصل من تشويه للقيم في عالمنا اليوم ما زال الناس ينظرون بعين التقدير لمن ينقذ إنساناً بل حتى لمن ينقذ حيواناً.
ماذا يقول نصر الله
نصر الله يوم عاشوراء ويوم القدس وفي ليالي شهر رمضان هو نفس الشخص، بل نفس الأسباب هي التي تدفعه لذلك. لكن لكل مقام مقال. اذ كيف يمكن لشخص يعتبر الأخلاق الاجتماعية والعلاقات الرحمية والتعاون والتكافل ضرورة في المجتمع ويترك مجتمع تنهشه عصابات المال والشهرة. حسب ثقافة واعتقادات السيد فإن التوقف على مسائل مجتمعه هي من واجباته فقد بدأ الحرب على العدو بسبب احتلال الأرض وغصب الممتلكات والاعتداء على الناس، والآن يعلن الحرب على الفساد بسبب عضب الممتلكات والاعتداء على الناس. وطوال هذه السنوات كان حريصاً على السلم الأهلي بكل أشكاله. هذا السلم الأهلي له شكله داخل البيت والحي والعائلة وله شكله الاجتماعي في الأمور الأمنية والاقتصادية.
في حديث عن نبي الإسلام "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". بناء على ما تقدم هذه الأخلاق ليست فردية ولذلك نرى أن الرسول عندما انتسب إلى دينه بعض الفقراء والمظلومين اعترض رؤساء المافيا حتى من اقربائه وبدؤوا بالاعتداء عليهم مثل عمار بن ياسر وبلال الحبشي وعندما اعترض النبي على ذلك تحول الأمر إلى حرب.
فإذا كانت مكارم الأخلاق لا تدافع عن حرية الناس وكرامتهم كما تدعو إلى السلوك الفردي الحسن فلا معنى لها.
"Related Posts
كاتب لبناني