Ar Last Edition
Ar Last Edition

Download Our App

نِترات الأمونيوم هو ملح معدني موجود في الطبيعة، ذو تركيبة بسيطة تتألّف من إيوني الأمونيوم الموجب والنترات السلبي. صناعياً، نحصل عليه عبر تفاعل حامض النتريك والأمونيا. يُستعمل كسماد إذ أنه يؤمن النيتروجين للنبات من كلتا الجزئيتين معاً، الأمونيوم والنترات. وهو مادة مؤكسدة، إذا ما مزجت بالفيول أويل (زيت الوقود) (بإضافة قرابة 6% منها) ينتج منها مادة متفجّرة تستعمل على نطاق واسع جداً في المناجم على سبيل المثال.

مازن الغول

انفجار بيروت من زاوية علمية

"

نِترات الأمونيوم هو ملح معدني موجود في الطبيعة، ذو تركيبة بسيطة تتألّف من إيوني الأمونيوم الموجب والنترات السلبي. صناعياً، نحصل عليه عبر تفاعل حامض النتريك والأمونيا. يُستعمل كسماد إذ أنه يؤمن النيتروجين للنبات من كلتا الجزئيتين معاً، الأمونيوم والنترات. وهو مادة مؤكسدة، إذا ما مزجت بالفيول أويل (زيت الوقود) (بإضافة قرابة 6% منها) ينتج منها مادة متفجّرة تستعمل على نطاق واسع جداً في المناجم على سبيل المثال. وبشكل عام، الانفجار هو نوع من الاحتراق (تفاعل كيميائي مصدِّر للحرارة) يُنتج غازات قد تتسارع إلى ما يفوق سرعة الصوت، فينتج ما يُسمّى الموجة الصدميّة. بالنسبة إلى نترات الأمونيوم. وتتراوح ما يُسمّى سرعة الانفجار الناتج عن انفجاره بين 3000 متر في الثانية، و4500 متر في الثانية، حسب كثافته. وقد جرى تحديد (تقريبي) لسرعة الانفجار في بيروت إلى حوالي 3000 متر في الثانية من خلال تحليل اللقطات لأحد الفيديوهات الملتقطة. وتترافق الموجة الصدميّة مع ارتفاع مفاجئ وكبير في الضغط والحرارة والكثافة في مقدمتها.

ومن أجل فعاليته التطبيقية ونقله وحفظه، يُصنّع على شكل حبيبات صغيرة مطليّة بمواد "بلاستيكية" لمنعه من الإلتصاق على بعضه البعض ومنعه من التآكل والتحلّل. وقد طُوّرت فعاليته التفجيرية عبر تنزيل كثافته وزيادة مساميّته (التباعد بين جزيئياته). وإذا كانت الصورة المنشورة حديثاً للأكياس في مرفأ بيروت صحيحة، فإن الملصق يشير إلى أن نترات الأمونيوم ذو نوع عالي الكثافة، ومن النوع الذي يستعمل عادة كسماد زراعي. وهو يمكن أن يُمزج بالفيول أويل (زيت الوقود) للتفجير وإن بكفاءة أقل نسبياً. لكن نترات الأمونيوم ينفجر على حرارة عالية حتى بدون مزجه بالفيول أو بالمحروقات العضوية. ولكي ينفجر، عليه تجاوز ثباته الكيميائي عبر نار ذات حرارة عالية أو نتيجة صدمة من انفجار موازي أو داخلي.  

من شبه المؤكد اليوم أن نترات الأمونيوم كان مخزّناً مع مفرقعات وألعاب ناريّة في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت. وأدّى حريق لا نعرف سببه إلى اشتعالها في مكان مغلق. الحرارة الناتجة عن احتراق المفرقعات قد تصل الى حوالي الـ2000 درجة مئويّة، وذلك حسب طبيعة ومكوّنات هذه المفرقعات. بالأرقام، نترات الأمونيوم مسحوق ثابت كيميائياً تحت الـ200 درجة مئويّة، فإذا ما تجاوزت الحرارة هذه القيمة يبدأ بالانحلال. أما عند حوالي الـ300 درجة ينفجر. لكن هناك دراسة علميّة منشورة ومحكّمة مبنية على معطيات من انفجار تولوز عن دور الشوائب، وخاصة إيون الكلورايد في التقسيم الكيميائي وانفجار نترات الأمونيوم، إذ تبيّن أن كميّة قليلة جداً من الكلورايد تستطيع أن تخفض الثبات لنترات الأمونيوم بـ100 درجة مئويّة وأن تحفّز من كمية الحرارة المطلقة جرّاء التفاعل الكيميائي. وكما هو معلوم، فإن ماء البحر هو المصدر الأساسي للكلورايد كما أن تخزين المادة لم يكن يراعي على الأرجح أي بروتوكول خاص بالمواد المماثلة. فإذن، من الممكن أن توفّر هذه الأسباب عامل الحرارة العاليّة للانفجار كما حصل في حادثة تكساس (1945)، أو حادثة تيانجين (2015) مع إضافة تحفيز الشوائب كالكلورايد، كما قد يكون حصل في بيروت.

أما بالنسبة للغاز الناتج عن الانفجار، فثمة عدد من الملاحظات منها:

الجبهة البيضاء المنطلقة مع الانفجار: هي ناتجة عن تكثّف الماء عند انتقاله من غاز إلى سائل خلف الموجة الصدميّة، بسبب الانخفاض الحاد بدرجة الحرارة في خلفية هذه الموجة (عكس ما يحدث في مقدمتها)، كما أشرنا سابقاً. عادةً إذا ما مُزج حوالي 94% من نترات الأمونيوم مع 6% من الفيول ينتج غازات "نظيفة" كالنيتروجين وبخار الماء وغاز أكسيد النيتروز (الغاز المضحك). لكن عند انفجار نترات الأمونيوم المحصور جرّاء نار ذات حرارة عالية وبدون تحكّم بكميّة الأوكسيجين الموجودة والشوائب، عادة ما ينتج غازات تحتوي على أنواع عدة من أوكسيد النيتروجين والأمونيا؛ بالأخص، ثاني أوكسيد النيتروجين ذو اللون البنّي والرائحة اللاذعة (كما الأمونيا). وكما نعلّم تلامذتنا بأن كل غاز ملوّن هو سام (العكس ليس بالضرورة صحيح)، فإن ثاني أوكسيد النيتروجين سام جدّاً خاصة بالنسبة إلى الجهاز التنفسي. في الجو، عندما تكون كميّته قليلة نسبياً (أي عند وقوع تلوّث ناجم من السيارات ومعامل الطاقة) يتحوّل إلى حامض النتريك عبر تفاعله مع جذور الهيدروكسيل الحرّة (الناتجة عن انقسام جزيئة الماء نتيجة أشعّة الشمس) الذي يترسب لاحقاً على الأسطح الأرضية مباشرة، أو يذوب في الماء الموجود في الغيوم، أو يتأكسد بفاعل أشعة الشمس إلى جزيئات من النترات (نترات الأمونيوم) التي سرعان ما تترسّب هي الأخرى، أو مركّبات حمضيّة مُنَترتة.

بالإضافة لكل ذلك، يتفاعل ثاني أكسيد النيتروجين مع أشعة الشمس لينتج غاز الأوزون الخطير على صحة الإنسان والنبات، إذا ما استُنشق أو حدث تماس معه. وبما أن الأوزون مؤكسد قوي جدّاً، فهو قادر على أكسدة المواد العضوية في الجو لينتج عنها مواد أكثر خطورة. كل هذا له أخطار صحيّة وبيئيّة مثبتة. أما بالنسبة إلى الإطار الزمني، تحصل هذه التفاعلات في غضون ساعات إلى حوالي يومين. لكن من الصعب معرفة مصير الغازات ومنها ثاني أوكسيد النيتروجين المنبعث من انفجار بيروت بالتحديد إذ أن كثافته في مكان الانفجار هائلة إذا ما قورنت بالحالة السالفة. فالكيمياء في هذه الحالة قد تختلف لكنها النتائج بطبيعة الحال أكثر خطورة من الحالة السابقة. لكن نستطيع التكهّن بنوع الغازات التي قد تنتج. فهناك حامض النتريك بشكله الغازي أو الذائب في قطرات الماء في الجو، وفي الحالتين هو خطير على الصحة والبيئة. وقد يتفاعل هذا الحامض مع غاز الأمونيا الناتج عن تفكك نيترات الأمونيوم عند ارتفاع درجة الحرارة، فيعيد انتاج نيترات الأمونيوم لكن في جزيئات ميكرونية، كالغبار الدقيق جدّاً، ممّا يزيد من سُميّته بشكل كبير. ولا ننسى الأوزون وخاصة أن الانفجار حصل في الصيف حيث الشمس تغيب متأخرة وحرارة الجو كما الرطوبة عالية. وهناك أحماض مُنَترتة عديدة لا بدّ أن تتشكّل. بالطبع تساعد الرياح على تشتيت الغيمة الناتجة. الملفت أننا نستطيع أن ندرك وجود هذا الغاز بسبب لونه ورائحته، طبعاً إلى درجة ما، وهذا ما حصل عند شوهدت الغيمة البنيّة تنتقل متشتّتة فوق مناطق الجبل وصولاً إلى البقاع. وبالنتيجة قد يستمر التلوّث هذا إلى بضعة أيام. كل هذا ولم يتّضح بعد إذا ما كان هنالك مواد عضويّة مخزّنة في العنبر 12. عندئذ توجد احتمالات عديدة لتفاعلات كيميائيّة تؤدي إلى انبعاث غازات مختلفة في كميّتها وسُميّتها. 

"

أستاذ الكيمياء الفيزيائية في الجامعة الأميركية في بيروت.